الديموقراطية مُناصَفة !

دار الحوار التالي ، بين أحد الناشطين السياسيين ، المطالبين بالديمقراطية، وبين الدكتاتور، الذي يحكم البلاد بالحديد والنار:

قال الدكتاتور للمعارض: ماذا تعني لك الديمقراطيّة؟

المعارض: أن أقول ما أشاء، وأفعل ما أشاء، دون خوف من : سجن ، أو تعذيب ، أو ملاحقة، أو حرمان.

الدكتاتور: حتى لو خالفتَ القوانين، واعتديتَ على الناس ، بقولك أو فِعلك؟

المعارض: بالطبع لا.. فأنا رجل مثقّف، أعرف القوانين جيّداً، وأعرف الحدود ، التي يجب أن أقف عندها.

الدكتاتور: حسناً.. فأين المشكلة ، إذن؟ ولِمَ تصدّع رؤوسنا ، صباحَ مساءَ ، بالديمقراطيّة!؟.

المعارض: لأنها غير مطبّقة في بلادنا.

الدكتاتور: ومَن أخبرك بهذا؟

المعارض: وهل أنا بحاجة ، إلى من يخبرني بهذا، وأنا أعيش في هذا البلد؟

الدكتاتور: وهل اكتشفتَ ، بعيشك في هذا البلد، أنّ الديمقراطيّة غير مطبّقة فيه؟

المعارض: طبعاً.

الدكتاتور: هذا يعني ، أنك لا تعرف معنى الديمقراطيّة!

المعارض: وكيف لا أعرف معناها، وقد سألتَني عنه ، قبل قليل، وأجبتك؟!

الدكتاتور: تقصد: أن تقول ما تشاء، وتفعل ما تشاء، دون مخالفة للقوانين؟!

المعارض: أجَل.

الدكتاتور: ومَن منعَك مِن هذا؟

المعارض: رجالُ المخابرات ، الذين سمّيتموهم: "رجالَ الأمن ".

الدكتاتور: اذكر لي اسمَ رجل واحد ، مِن هؤلاء، وأنا أجلده ، أمامك ، بالسّوط .

المعارض: جهازُ أمن الدولة ، في بلدتي ، التي أقيمُ فيها.

الدكتاتور: الجهاز، كلٌّه ، منَعك ، من أن تقول ما تشاء، وتفعل ما تشاء!؟

المعارض: بل مجموعةٌ منه اعتقلتني ليلاً، ومجموعةٌ أخرى حقّقت معي ، وعذّبتني.

الدكتاتور: لِمَ اعتقلتك الأولى ، وعذّبتك الثانية!؟

المعارض: لأنّي عبّرت عن رأيي بصراحة، في بعض المسائل العامّة، والقوانين الخاطئة، والممارساتِ الفاسدة ، لبعض المسؤولين الكبار.

الدكتاتور: هذا يعني أنّك قلتَ ما تريد!

المعارض: صحيح.. ولكن..

الدكتاتور: ولم يُغلق أحد فمَك ، حين كنت تقول ما تريد، فيمنعك من الكلام.

المعارض: صحيح.. ولكنّي عوقبت على القول؟

الدكتاتور: وهل كنت تتصوّر، أنك تستطيع أن تقول ما تريد، حول المسائل العامّة، والقوانين، وممارسات المسؤولين .. دون أن يسألك أحد ، أو يعاقبك؟!

المعارض: ولكنّي قلت ما أعتقده صواباً، في حدود القانون.

الدكتاتور: وهم فعلوا ما يعتقدونه صواباً ، في حدود القانون أيضاً!

المعارض: هذا يعني أن كلمة الحقّ ، تقابلها عقوبة !

الدكتاتور: وما أدراك أن ما قلتَه ، هو كلمة حقّ؟

المعارض: إنّه رأيي ، الذي أراه صواباً وحقّاً !

الدكتاتور: وهم فَعلوا ، ما يرونه صواباً وحقّاً.

المعارض: هذا يعني ، ألاّ أقول ما أراه صواباً، كي لا أتعرّض للعقوبة.

الدكتاتور: لا.. أعوذ بالله.. وهل نحن نكمّم أفواه العباد؟! قل ما تشاء ، كما تشاء !

المعارض: وبعدها ، تفعلون بي ما تشاؤون.. أليس كذلك!؟

الدكتاتور: ها أنتَ ذا ، عرفتَها بنفسك، أيّها المواطن المحترم: أنت تقول ما تشاء، وما تراه صواباً، لأنّ هذا من حقّك.. ونحن نفعل بك ما نشاء، وما نراه صواباً، لأنّ هذا من حقّنا ! بل أكثرُ من ذلك: يمكنك أن تقول ما تشاء، وأن تفعل ما تشاء، أيضاً، ولا تكتفي بالقول وحده، وبالطبع ، مِن حقّنا ، أن نقول لك ما نشاء، وأن نفعل بك ما نشاء، فتكون الديمقراطيّة هكذا، بيننا وبينك ، مُناصَفة! أم لعلّك تريد ، أن تمارس الديمقراطيّة وحدك، وتحرمنا من حقّنا ، في ممارستها ! هل تريد أن تكون مستبدّاً..؟! اتّقِ الله يا رجل!

وسوم: العدد 857