وأنكحوا الأيامى

1

محمد الخليلي

[email protected]

كان الأبوان يتجاذبان أطرف الحديث في حوار امتد أكثر من ساعة ولم يقطعه إلا قرعتان على الباب من قبل ولديهما حسام وساجدة .

الأب : تفضلا بالدخول يا ولديَّ الحبيبين .

يدخل حسام ثم تتبعه ساجدة ويلقيان السلام على والديهما .

الأم : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ، ما بالكما قرعتما الباب مرتين .

ساجدة : تفضل أنت بالإجابة يا أخي الكبير .

حسام : شكراً على تقديرك لي . في الحقيقة  ، ثم تنحنح ، الصحيح

الأم : وهل تنوي تلاوة خطبة ؟

ساجدة : أنا سأجيبك يا أماه .

الأم  : تفضلي يا بنتي .

ساجدة : قرع أخي حسام الباب ثم قرعته أنا .

الأم : أنا أعرف ذلك ولكن لمَ ذلك ؟

حسام : أنا سأجيب الآن ، بما أنني الكبير ...

ساجدة : بدأ أخي بالفلسفة وبدأت تضحك .

حسام : احترمي نفسك يا بنت .

ساجدة  : أنا محترمة بدون طلبك يا فيلسوف .

حسام : اسمعي يا أماه كيف تسبني .

الأم : أختك لم تسبك .

حسام : بل فعلت ذلك حينما اتهمتني بالفلسفة .

الأم وهل الفلسفة مسبة .

حسام : بل هي عينها .

الأم : وكيف ؟

حسام : لقد سمعت من أبي غير مرة قوله إن الفلاسفة هم الذين أدخلوا على التاريخ الإسلامي الثقافات الغريبة التي نخرت جسم الثقافة الإسلامية.

الأب : صحيح ما نقلته عني ولكن أختك استعملت الكلمة في مصطلحنا الدارج وليس التخصصي .

ساجدة : وما الفرق بينهما يا أبتي ؟

 2

الأب : كثير من الفلاسفة المسلمين كانوا قد قرأوا الحضارات اليونانية والفرعونية والرومانية وتأثروا بها أيما تأثر وقد بدا ذلك واضحاً  في كتاباتهم فخلطوا الغث بالسمين وروجوا لهذه الفلسفات الدخيلة من حيث لا يعلمون .

حسام : هل يعني ذلك أنهم لم يكونوا يقصدون ذلك ؟

الأب : أجل ، ولكن من لا يعرف كنه هذه الفلسفات ويردها إلى أصولها يظن أنها من أصل الدين .

ساجدة : وهل لنا من الذي كان يتعمد ذلك ومن لا يتعمد ؟

الأب :  دعينا من ذلك يا بنيتي ، ودعي أمر النوايا لله عز وجل .

الأم : إذاً لنعرفْ بعضهم على الأقل .

الأب : حسناً ، معظم الذين كتبوا في العلوم الإنسانية والعلمية اطلعوا على مؤلفات الإغريق والرومان وغيرهما ، وبعضهم تأثر بها ونقلها إلى العربية فتراها واضحة في كتاباته .

حسام : نعم فإننا درسنا عن بعضهم كابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم .

ساجدة وقد فغرت فاها : ابن سينا عالم في الطب وقد أخذ الغرب بعض نظرياته في القرن العشرين !

الأب : لا ننكر مساهمته الجلـَّى في مضمار الطب وغيره ، إلا أن ذلك لا ينفي أننا نشم رائحة التأثر الواضح  بهذه الحضارات القديمة في مؤلفاته .

ساجدة وقد ابتسمت : وهل الفلسفة تشم شماً.؟

حسام : أنت لا تفهمين اللغة إلا بطريقتك الساذجة .

ساجدة  وقد بدأت تنتحب : اسمعا بماذا يصفني .

الأم : اعتذر من أختك وقل لنا كيف تـُفهم اللغة .

حسام   اعتذر لأخته ثم قال :  قد تكون العبارات في اللغة مباشرة وتفهم على ظاهرها ، وقد تكون أحياناً مجازية ولها مدلولات معينة .

الأم : وضح لنا بالأمثلة يا بني .

حسام : حاضر يا أمي ، عندما نقول حسام أسد فإنما نشبهه بالأسد ولا نعني أنه حيوان لا إنسان ، وعندما نقول ساجدة هرة فلا نعني أنها حيوانة ولكن نقصد أن لها بعض الصفات القططية كالجبن مثلا ً.

ساجدة وقد علا نحيبها : انتبها إليه كيف شبه نفسه بالأسد وشبهني بالهرة ، أتظنان أن لا يقصد هذا الماكر ما يقول  ؟ إنه يعيرني لأنني أخاف ليلا من الظلام والحيوانات وغيرها

حسام وقد بدت عليه نشوة أخذ الثأر : ألم تسمعا كيف وصفتني بالماكر ؟

 3

الأب : كفا عن هذا الهراء واستغفرا الله مما اقترفتما ، ولن أحدثكما عن المفاجأة التي كنت سأبوح لكم بها .

الأم :  ألم تكن تخاف مثلها يا بني يوم كنت صغيرا ؟

الأب : لقد عالجت أمر الخوف عندك عندما كنت في سن العاشرة ، فيومها كنت تخاف مما لا يخاف منه عادة الخائفون . وهذه مشكلة تعرض لمعظم الأطفال

يا بني فإذا عولجت في سن مبكرة زال أثرها بإذن الله ، أما إذا أهملت فيصبح المرء رجلا ولكنه يخاف من مواء القطط أو نباح الكلاب , وما أفعله الآن مع أختك في إزالة الخوف منها هو  بتدريبها على مواجهة الأمر الذي تخاف ، وكنت فعلته في السابق معك . وهذا ما يجب أن يفعله كل مرب سواءً كان أبا أو معلما أو غير ذلك . وما نجده في هذه الأيام من أناس كبار الأجسام ولكنهم بأحلام العصافير يموتون هلعاً إذا بدت لهم أية عارضة . وفي عصرنا التكنولوجي البئيس صارت المخاوف أضعاف ما كنا نعرف في زماننا ، ولقد فتحتُ القاموس الطبي فوجدت فيه أكثر من مئة تصنيف للمخاوف . والتكنولوجيا الحديثة تتنكب مسؤولية تسعة أعشار ذلك ؛ فالناس حين كانوا يعيشون في بيوت في العراء كانت الحيوانات هي التي تخاف منهم ، واليوم أصبح الأولاد يخافون من الحيوانات الأليفة كالقطط  . أضف إلى ذلك أن أفلام الأطفال في هذه الأيام  كثيرا ما تحتوي على مشاهد مخيفة ؛ فيمسي الطفل وقد نزلت به الكوابيس المزعجة .  

ساجدة وهي تكفكف دموعها : بالله عليك يا أبي أخبرني عن المفاجأة ، وأعدك ألا أعود لما اقترفت .

حسام : وأنا أعتذر عما بدر مني وأرجو منكم السماح جميعا ، والآن حدثنا عن المفاجأة يا والدي .

الأب : أؤجلها إلى آخر الجلسة اليوم فأنظر هل ستصبران ساعة عن المناكفات ، والآن حدثنا يا سيبويه عن المجاز في عبارة أشم رائحة كذا في كتابات فلان الفلاني .

ساجدة وقد ضحكت في سرها وغمزت من طرف خفي بأخيها لكلمة سيبويه التي لا تعرف معناها فقد ظنتها شتيمة .

حسام : لا أريد أن أعقب على تصرفات أختي الصغيرة ؛ لأنني وعدت أبي بالانضباط فأقول : في اللغة المجازية ما يسمى الكنايات ، وعبارة أشم رائحة كذا في كتابات الفيلسوف فلان ضرب من الكنايات .

ساجدة : وفيها ضرب أيضاً ؟!

حسام وقد كظم غيظه : أعني نوعا من الكنايات .

4

الأم : وهل نستطيع أن نصف الإمام الغزالي بهكذا نوع من الانحرافات فقد اشتغل أيضا بالفلسفة ؟

الأب : لا، فالإمام  حامد الغزالي  هو من رد على كثير من شبهات الفلاسفة وهو إمام مجدد قرأ فلسفات الأقدمين والمعاصرين له وفندها ، ثم ألف كتابا أسماه تهافت الفلاسفة .

حسام : وهل يجوز لنا أن نقرأ نحن هذه الفلسفات ؟

الأب : نعم لمن يضمن لنفسه عدم التأثر بها والذوبان في أباطيلها .

الأم : كنا نظن أن علماء الإغريق القدماء كانوا مصلحين  !

الأب : أبدا ما هم كذلك ، وهذا ما يروجه لهم المبطلون ، والناظر في حياتهم يرى أنها كانت قائمة على الشرك والخزعبلات ، بل إن بعضهم مات منتحرا ، وأي عاقل يمشي وراء من عبد الكواكب خوفا منها ؟ لا ننكر بعض علومهم البحتة ولكننا نرفض أن ننقل عنهم سفاسفهم ، كأن نلهث وراء أفلاطون في مدينته الفاضلة التي لم يستطع أن يقسمها إلا إلى طبقات فجعل في أسفلها العبيد . إن الإسلام جاء ليحارب الرق ، ولم تـُبن دينة فاضلة إلا في كنف الإسلام العزيز ، ولن تبنى مدينة فاضلة أخرى إلا بلبنات الإسلام المكين إن شاء الله.

ساجدة : وهل يجوز لنا مثلا أن نتعلم السحر مثلاً  لكي نرد به على السحرة ؟

الأب : لا ، فهناك أمور محظورة ينبغي ألا نحوم حول حماها ، فلا يجوز لنا أن نتعلم الشركيات أو البدع المكفرة أو السحر فهو من أكبر الكبائر . وقد بين الله عز وجل عن السحر تحديدا في سورة البقرة عن هاروت وماروت كيف أنهما كانا يعلمان الناس السحر فقط ليفرقوا بين المرء وزوجه .

الأم : وهل يقصد بعبارة المرء وزوجه أي بين الرجل وزوجته ؟

الأب : هذا  هو المعنى الظاهر العام  ، وهو السائد بين الناس أن الساحر إنما  يهدف فيما يهدف أولا للتفريق بين الزوج وزوجته ، ولكن المعنى الأعم والأشمل يمكن أن يتوسع ليشمل كل متحابين وكل متفاهمين وكل متعاونين وكل وكل وهكذا.   

الأم : وكيف يكون ذلك يا أبا حسام لأنني طوال حياتي كنت أظنه يقتصر عل الزوجين فحسب .

الأب : إنهم يفرقون بين الأب وابنه وبين البنت وأمها وبين الأخ وأخيه وبين الصديق وصديقة وبين الشريك وشريكه ، وهكذا دواليك .

ساجدة وقد وضعت يديها على رأسها لشدة الاستغراب : يا ويلتاه  : ألا يدعون أحداً في شأنه ؟

5

الأب : هذا دأب الحاسدين دوما يا بنيتي .

الأم : هل حصل معك شيء من هذا في حياتك يا زوجي ؟

الأب وقد تبسم قائلا ً : نعم ولكن إياكم أن تسألوني عنه .

الأم وابنتها بصوت واحد : نريد أن نعرف من هو أو هي .

الأب : هو وليست هي ، فهل شفيتم غليلكم ؟

الاثنتان معاً : وهل هو قريب أم بعيد ؟

الأب : بل قريب .

الأم : هل هو من الأرحام ؟

الأب : لا .

الأم : إذاً من الأنسباء؟

الأب : هذا آخر سؤال أجيب عليه وأيم ربي ، فأنتن صويحبات يوسف تردن أن تورطنني فيما أكره ، هو من الأصهار فحسب . اقلبوا الصفحة .

الأم : وهل يجوز لمسلم أن يفعل ذلك ؟

ساجدة مردفة : وكيف لمسلم أن يرتكب أكبر الكبائر ؟

حسام : أنا لا أتصور ذلك !

الأب : هل انتهت تساؤلاتكم واستغراباتكم ؟

الجميع بصوت واحد : لا

الأب : أنا متأكد من ذلك ، ولكن هونوا عليكم ، ألم يقتل قابيل أخاه هابيلا ؟ ألم يُلق إخوة يوسف به في غيابة الجب ؟ ألم ألم ألم  أسئلة كثيرة تدور في خلد أحدنا إذا هو أراد إجابات عن تساؤلاته المحيرة .

ساجدة : وما هو عقاب من يذهب إلى ساحر ليعمل له سحرا ما ؟

الأب : لا تُقبل منه صلاة أربعين يوما .

ساجدة : وما هو جزاء الساحر ؟

الأب : قلت لكم إن عمل السحر من أكبر الكبائر ؛ لذا فإن فاعله يُستتاب فإن لم يتب يُقتل .

ساجدة : يستأهل ذلك .

حسام : سمعت من مدرس القرآن أن الكافرين يحسدوننا فكيف ذلك ؟

الأب : هذا أكيد لأن أغلى ما نملك إيماننا فإنهم يحسدوننا عليه ، وقد أثبت القرآن الكريم ذلك في أكثر من موضع ففي الآية يقول عز من قائل ) حسداً وودوا لو تكفرون ) .

ساجدة : كما أنني سمعت يا أبي أن المشركين كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم .

6

الأب : أجل يا بنية ، وهذا أيضا مثبت بنص الآي من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد ، فقد قال الله عز وجل في سورة نون : ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأفواههم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين )

ساجدة : وهل سورة نون هي نفسها القلم ؟

الأم : أتسمح لي بالإجابة يا أبا حسام ؟

الأب : بكل سرور .

الأم : كثير من السور لها أكثر من تسمية ، وأحيانا تسمى باسم أحرفها الأولى فهل لك أن تذكري لي بعضها ؟

ساجدة : أجل ، فسورة الفاتحة لها أسماء كثيرة كأم الكتاب والسبع المثاني وغيرها كثير ، والبقرة وآل عمران يطلق عليهما الزهراوان  ، والتوبة يطلق عليها اسم براءة والفاضحة وهكذا .

الأم : أحسنت يا حبيبتي .

حسام : وكيف لنا أن نتقي شر السحرة وسحرهم ؟

الأب : اعلموا حفظكم الله أن أثر السحر لا يكون إلا بإذن الله ، وأن الساحر لا يضر ولا ينفع إلا بإذنه تعالى ، لقوله تعالى في محكم التنزيل من سورة البقرة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) و..

الأم مقاطعة :  إذا لا يوجد سحر نافع للتوفيق كما يقولون .

الأب : البتة ، وينفي ذلك أيضا بكل أصابع يديه ، ولو كان هناك سحر للتوفيق لفعله رسول الله صلى الله عليه وسل . ثم أردف قائلاً : نستطيع أن ندفع السحر بالذكر .

ساجدة : وكيف ذاك ؟

الأب : بالمعوذتين وسورة البقرة والذكر المتواصل ، واعلموا يا رعاكم الله أن الذاكر لا يؤثر به سحر وإن عمل له ، كما أن صاحب الشخصية القوية لا يؤثر السحر فيه وإن كان غير مسلم .

الأم : ولكن كيف أثر السحر في رسول الله ؟

الأب : اعلمي يا أمة الله أن الأحاديث التي وردت في سحر رسول الله ضعيفة ومنها الموضوع ، ولا يعول عليها أهل العلم . وسنخصص جلسة كاملة في المستقبل عن السحر إن شاء الله .

 7

الأم : الآن فهمت لماذا تركز المدرِّسة في المسجد على هذا الموضوع ولماذا كثرت الملصقات التي تحذر من السحر والكهانة والعرافة وغيرها من الشركيات التي يقبل عليها المسلمون لحل مشاكلهم وللأسف .

الأب : أصبت يا زوجي الحبيبة الولود .

حسام : ماذا ؟ وضحك وقال عرفت المفاجأة وما كنتما تسران بتهامسكما قبيل دخولنا عليكما ، ولن أخبر أختي بذلك ، وهذا سرُ أننا طرقنا عليكم الباب مرتين؛ فمرة أردت أن أستأذن بالدخول عليكما ومرة أرادت أختي أن تستأذنكما لأنها أصغر مني سنا ولكنها أعلى مني قدراً .

ساجدة وقد شهقت : يا الله ، ما هذا الأدب الذي نزل عليه ؟

حسام يريد أن يغيظها بكلام مبطن : بل هو شكر لأن الله هداني لمعرفة المفاجأة قبلك .

ساجدة : ناشدتك الله ما هي ؟

حسام : ليس قبل أن يشرع أبي تفسير آية وأنكحوا الأيامى منكم .

الأم : والله إني لأدهش من شدة ذكائك يا بني وإن كنت لأهنئك عليها ، فمن كلمة واحدة استطعت أن تكشف المفاجأة يا أذكى حسام .

حسام : إن أنا إلا بعض منك  وقام ينفش ريشه كالطاووس المزهو، ولكن قولي لي بالله عليك كيف وأنت ... ؟

الأب : كما قالت أمك سنفسر الآية من سورة النور أولاً ، بيد أني أريد أن أجعل تفسيري اليوم تساؤلياً . فمن يعرف كيف أن الإسلام ديننا العظيم سهَّل مهمة الزواج ؟

رفعوا جميعا ً أصابعهم ، فأشار الأب للأم أن تجيب أولا ً .

الأم : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه .

الأب : صدق رسول الله وصدقت يا زوجي الودود الولود .

ساجدة : ولكن كيف ستلدين يا أماه وأنت .. ؟

حسام : ها قد عرفت المفاجأة الذكية أخت حسام ولكن بعدي..

الأم : ليس الآن يا سجودة وأجيبي عن السؤال أولاً .

ساجدة : لقد حض الإسلام على تيسير المهور ليتمكن الرجال من الزواج المبكر ، وقد قال الرسول صلى الله عليه مسلم : أقلكن مهرا أكثركن بركة . صدق رسول الله

الأب : أحسنت ، وأنت ماذا في جعبتك أيها السيف اليماني ؟

 8

حسام : حديث رسول الله : تـُنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك . وقوله يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء . والآن يا أبوي الحبيبين أما وأني أستطيع الباءة فلماذا لماذا لماذا لاتزوجونني ؟

الأب : صدق رسول الله وأجدت يا أبا السيوف ، وإن أمر زواجك مؤجل إلى أن تنهي دراستك الجامعية الأولى .

ساجدة : وليس قبل أن تنتهي من معاكسة أختك .

حسام وقد نظر إليها شزراً  ولكنه لم ينبس ببنت شفة لأنه كان عاهد والديه ألا يعمل أية مهاترة معها .

ساجدة: هل لي أن أضيف إضافة ؟

الأب : بالتأكيد .

ساجدة : درسنا أنه في عهد الخليفة العادل الراشدي الخامس فاضت أموال الزكاة حتى لم يجدوا من يأخذها فكان مما يفعلون أنهم يطوفون في الأمصار وينادون فيما ينادون من أراد الزواج فمهره على بيت مال المسلمين !

الأم وقد أفلتت من عينها جمانة : ومتى يعود بيت مال المسلمين يا أبا حسام  ومتى تعود تلكم الأيام ثم أجهشت بالبكاء ؟

الأب وقد مسح دموع زوجته المشفقة : هوني عليك يا أم حسام فهو آت لا محالة وإنه لقريب والله  إني لأرى  شعاعه يختبىء وراء تلك الأكمة التي خلف بيتنا ، ثم حشرج الأب فما عاد يطيق متابعة حديثة وكاد يختنق لشدة بكائه...

ولما رأى الولدان شدة بكاء والديهما جعلا ينتحبان ...

وبعد ما يقرب من ربع ساعة كفكف الوالد دموعه وهو يقول تالله لقد ذكرتموني بعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حينما كانت تدخل عليه زوجه فاطمة فتراه يبكي فتسأله ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فلا يستطيع أن يرد عليها لشدة بكائه فتجلس بجانبه فتبكي ، ثم يدخل عليه ابنه فيسأل ما يبكيكما ؟ فيعييا عن الجواب فيفعل ما فعلته أمه ، ثم يدخل عليهم خادمهم فيفعل ما فعل سلفاه .

الأم : فأين وجدتَ مثل هذه الأخبار يا أبا حسام ؟

الأب : في كتاب الرقة والبكاء للحافظ ابن أبي الدنيا ، وكثيرة هي الكتب التي تتحدث عن هذه المواضيع .

الأم : بشرنا يا أبا حسام متى يعود عز الإسلام والمسلمين ؟

 9

الأب : بكلمة واحدة عندما نصلح أنفسنا وأولادنا وأزواجنا وأهلينا وأهل مسجدنا ثم أهل حينا ثم مدينتنا ثم مجتمعنا ثم كل أهل الأرض .

الأم : صدقت ، فالله جل جلاله يقول في كتابه العزيز من سورة الرعد : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )

الجميع بصوت واحد : صدق الله العظيم .

الأب : والآن نعود للأسئلة ، وكيف يتزوج الرجل ؟

الأم : يخطب لنفسه أو يطلب له أهله بنتا ما .

الأب : وكيف تتزوج البنت ؟

حسام : طبعا عكس ذلك ؛ يأتي من يخطبها فإن هم وافقوا أي أهل المرأة والرجل تتزوج .

الأب : أفلا طريقة أخرى ؟

الأم : سمعت أنه في غابر الزمان كان الرجل يعرض ابنته على الرجل ليتزوجها .

الأب : ولماذا تقولين في غابر الزمان ؟ ألم يفعلها الفاروق عمر بي الخطاب حين عرض ابنته حفصة على أبي بكر ثم على عثمان فاعتذرا فلما شكاهما لرسول الله قال عليه أتم الصلاة وأزكى السلام يتزوجها من هو خير منهما ، فتزوجها الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه .

ثم هذا سعيد بن جبير التابعي الجليل يخطب الخليفة الأموي ابنته لابنه فيأبى ثم يزوجها لطالب عنده فقير أرمل ذي علم . فيقول هذا الرجل والله حينما دخلت على ابنة سعيد بن جبير وجدتها كأجمل امرأة عرفت ، وحينما حان وقت درس سعيد  قالت اجلس أسمعْك من علمه فجلست فإذا علم سعيد كله عندها .

الأم : هل يعني ذلك أنه يمكن أن يحصل مثل هذا في عصرنا هذا ؟

الأب : بل هو حاصل ولله الحمد والمنة ، ألم أقل لكم إن المبشرات كثيرة والحمد لله ؟

حسام : أخبرنا عن قـَصص من ذلك يا أبتاه .

الأب : لقد فعل والدي حفظه الله ورعاه فعلة سعيد بن جبير .

الأم  وقد فغرت فاها : ماذا تعني ؟

الأب : لقد خطب أبي يرعاه الله أحد طلابه النجباء لابنته الكبرى .

الأم  : إذاً فلانة هي خاطبة فلان .

الأب : بالتأكيد ، والله ليقومنَّ أمر هذه الأمة حتى لا يبقى فيها عانس واحدة .

حسام : جميل سيصبح عندنا تصريفات لغوية جديدة فقد كان عندنا خاطب ومخطوبة والآن خاطبة ومخطوب ، رائع ثم أنشأ يضحك .

10

ساجدة : ولكن ما العانس ؟

 الأب : امرأة لم تتزوج بعد وقد فاتها القطار كما يقولون .

 الأم : كان على زماننا التي تتأخر عن سن العشرين يعدونها في العانسات .

الأب : الآن أصبح المعيار سن الثلاثين .

الأم : على هذا فأعداد العوانس كبيرة .

الأب : كم تتوقعونها في البلاد العربية والإسلامية ؟

حسام  وقد حك رأسه بعشرات الآلاف .

الأب : بل بعشرات الملايين .

الجميع وقد صاحوا صيحة واحدة : لطفك يا الله!!

حسام : وهل من قصص أخرى ؟

الأب : القصص لا تنتهي يا بني فالخير مستمر في أمة الحبيب محمد عليه
أفضل الصلاة وأتم التسليم .

ساجدة : نرجو أن تحدثنا عن واحدة جديدة عهد .

الأب لك ذلك يا بنية ، ففي وقت ليس ببعيد اتصل بي أحد أقاربي قائلاً : أريد أن أزوج ابنتي فلانة من قريبك فلان ، فحاولت التوفيق بينهما ، إلا أن الرجل أعني المخطوب كانت تشغله ظروف طارئة فاعتذر اعتذارا شديدا . ثم إن الرجل اتصل بي ثانية وقال هذه ابنتي ابنتك ، وأفوضك إن وجدت لها كفؤاً أن تدلني عليه .

الأم : وهل ابنته عانس ؟

الأب أبداً فعمرها آنذاك ستة عشر عاما ً .

الأم : يا الله تماماً في عمري يوم تزوجت .

الأب : هذا رجل فاضل يريد أن يعف بناته .

الأم : وأنت ماذا عساك تفعل ؟

الأب :  والله لئن رزقني الله ببنت ثانية لأخطبنَّ لهما كفؤين فأدخل بهما الجنة .

حسام وساجدة بصوت واحد : إذا القادمة بنت إن شاء الله ثم قفزت ساجدة قائلة : نعم إنني أريد أختا لئلاعبها .

الأم والأب معاً : ليس بعد إذ لم يتم معرفة نوع الجنين بعد .

حسام وأخته معاً : وإننا إذ عرفنا المفاجأة ، هل لنا أن نعرف كيف حصل ذلك بعد طول انقطاع .

الأب : الله عز وجل يقول في سورة الشورى : ( لله ملك السموات والأرض ، يخلق ما يشاء ، يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور . أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما ، إنه عليم قدير ) .

11

حسام : أفهم من ذلك أن العقم كان مؤقتاً .

الأب : أجل ولله الحمد والمنة ، وذكرني يا حسام أن تكون جلسة الغد عن تفسير آيات الاستئذان من سورة النور .

حسام : إن شاء الله يا والدي .

الأب : ترفع الجلسة إلى يوم غد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

قاموا  جميعاً وقد هرع الولدان لتهنئة والديهما وتقبيل أيديهما .