حوار مع الروائي العراقي الكبير عبد الرحمان مجيد الربيعي

حوار مع الروائي العراقي الكبير

عبد الرحمان مجيد الربيعي

المشهد الثقافي العربي خادع

حاورته : هيام الفرشيشي – تونس

[email protected]

كان هذا الحوار أول حوار أجريه  أثناء ضمي إلى أسرة ورقات ثقافية بجريدة الصحافة التونسية في 2003 ، وقد اخترت وقتها أن أبدأ سلسلة حواراتي مع الأديب عبدالرحمان مجيد الربيعي لكونه قيمة أدبية راسخة تعيش بيننا في تونس ، ولكونه يمثل موقف العراق  الذي كان يخضع وقتها للتهديدات لغزوه .  والحوار مع الأديب الكبير عبد الرحمان مجيد الربيعي ، هو حديث ذو شجون يتحول ويتطور من خلال تركيز بعض الاستفهامات المباغتة التي لا تسقط على الحديث وإنما تتفرع وتتوالد عنه . فهو لقاء لم يخضع إلى إعداد مسبق وإنما هو لقاء نقدي ، تقييمي يعرض فيه آراءه ومواقفه بكل شفافية . وأول ما افتتح به حديثه الإشارة إلى الموضوع الآني في الساحة الثقافية التونسية وهو مشروع " بيت الحكمة " لدراسة الأدب والشعر التونسي قائلا إن تراكم الكتب لا يعني المقياس الأول لجدارة النصوص بالدراسة .

وما هي المقاييس المعتمدة في رأيك ؟

التمييز والإضافة . وذلك ما رصدته في مختاراتي القصصية " ظلال تونسية " المنشورفي القاهرة حيث ركزت على القصاصين والأحياء منهم بالأساس .

وعلى أي أساس استندت هذه المختارات ؟

طبعا استندت إلى رؤية جمالية وتذوقية عبر عملية انتقاء تواصلت 14 سنة وهي مدة إقامتي بتونس ، وقد نشر الكتاب ولاقى صدى .

لكن هذه الظلال لم تنعكس إلا على الأسماء المعروفة ، في حين أن هناك أسماء جديدة وواعدة ؟

رغم أنني بدأت بأسماء رائدة ومكرسة مثل محمد العروسي المطوي والفارسي والمدني إلا أنني تابعت أيضا العقود اللاحقة مثل صالح الجابري ، عبد القادر بلحاج نصر ، رضوان الكوني وغيرهم وصولا إلى الكتاب الذين ظهرت أعمالهم في العشرية الأخيرة من القرن الماضي والذين وجدت لديهم التميز الذي أنشده ، وأعمال هؤلاء حاصلة على جوائز تونسية وعربية .

وماهي مصداقية هذه الجوائز ؟

طبعا ، هناك لجان قراءة لها ذائقة معينة بل تتحرك وفق اللجان التي تقرأ هذه النصوص ، فالإبداع نسبي وليس سباقا رياضيا ، لكن الاتفاق هو على الجودة .. إن الساحة الثقافية تزخر بركام كبير من الكتب والمسألة تخضع لسؤال بسيط . ماذا يمكن أن يضيف الكتاب ؟ وهل له مكان في المدونة الأدبية ؟

وماهو الكتاب الذي له مكان في المدونة الأدبية ؟

ليس بالتأكيد الكتاب الذي كتبت عنه الكثير من المقالات ، فعشرات المقالات تناولت كتبا شبه ميتة . وهناك كتاب لم يكتب عنهم مقال واحد رغم أن أعمالهم تكتسب قوة الاستمرارية والديمومة  ، على سبيل المثال سألت إحدى المكتبات المعروفة في العاصمة التونسية عن كتاب كتب عنه الكثير فقيل لي إنه معروض منذ أشهر ولم نبع منه إلا نسخة واحدة . وهذا دليل أن للمتلقي وعيه  في اختيار الكتاب الجيد ولا يأبه بما يكتب عن هذا الكتاب أو ذاك .

بالنسبة إليك ألم تكتب مقالات على سبيل المجاملة ؟

حصل ذلك مرة أو مرتين وانقلب الأمر علي . ولكنني بالنتيجة إنسان قد أقع تحت تأثير ما .

وما هي أسباب التعتيم على بعض الكتاب مثلا ؟

التعتيم سببه أن لا يكون للأديب أو الشاعر الموقع المؤثر الذي يجعل البعض ينشد رضاه . وهنا تدخل لعبة المصالح ، فهناك صحفي لبناني قال لي إنه لا يجري حوارا مع أي كاتب مهما كانت عبقريته وإنما يكتب عن أسماء لها مناصب رسمية للإفادة والاستفادة ويوزعها على صحف ومجلات يتعامل معها في أوروبا والخليج . وبعد إبعاد هؤلاء لم يعد يكتب عنهم . ففي العراق مثلا لم يبق من جيل الستينات في القصة القصيرة الذين أحدثوا ضجيجا في تلك السنوات إلا خمسة أسماء وذلك ما أورده احد النقاد المحترمين بجريدة " الزمان " أخيرا . إن المشهد الثقافي العربي خادع ، فلنقرأ جيدا النصوص ، ولنبحث عن هذا المكتوب عنه فإن كان شخصا مؤثرا فالجميع يجاملونه . وبذلك يجعلونه يعتقد بغير ما هو عليه . إنه ضحية كذب المتملقين .

حتى وإن كان بعض من يجاملونه من الأسماء الكبيرة ؟

نعم .

إذن فالقارئ الجيد هو القارئ المختص ؟

حسنا ، نحن لا نعرف قراءنا غالبا . والقارئ الحقيقي في نظري هو الذي يذهب للبحث عن أعمال الكاتب الذي يريده . هل تدركين أن معظم الأدباء أو معظم من يسمون أنفسهم أدباء أقل الناس قراءة . وأنهم يتحدثون ويكتبون عن كتب سمعوا بها ولم يقرؤوها ؟ ولكن هناك قراء يقرؤون ويقرؤون بعمق . والكتاب الذي يهمني هو الذي يشتريه القارئ من المكتبة ولا يذهب لاشترائه لأنه مقرر وموجه مثلا ، فهذا شيء آخر.

ألا تعتبر أن الكتاب والشعراء الجدد في حاجة إلى تشجيع  ؟

التشجيع يجب أن يشمل من يستحق ذلك باعتباره موهبة ويتميز بنشر نصوص مقنعة . وعلى سبيل الذكر كتبت قراءة مطولة لكاتبة مغربية في العشرين من عمرها . وقد نالت الجائزة الأولى لاتحاد الكتاب في المغرب الأقصى للقصاصين الشباب . ومجموعتها على قدر كبير من الأهمية وإلا ما أعطيتها هذه المساحة من وقتي وما كتبت عليها إلا من باب الاهتمام بنص أدبي متفوق لكاتبة دخلت بقوة ، وهذا يعود بي إلى سؤال أثرته في مقال لي عن شاعرة مغربية أيضا أصدرت ديوانها الاول هي " إكرام عبدي " ، قلت ما معناه أن الكتاب الأول هو مدخلنا ، فإذا لم يكن الدخول قويا وتاركا بصمات واضحة ، فإنه لن يكون في أعمال لاحقة للكاتب نفسه إلا في حالات قليلة .

تبدو مهتما بالأدب في المغرب الأقصى ؟

نعم لقد أمضيت الشهور القليلة في قراءة النصوص المغربية حيث استكملت بها كتابا جديدا وعنوانه " كتابات مسمارية على جدارية مغربية " وقد علمت من الصديق حسن نجمي رئيس اتحاد الكتاب بالمغرب أنه في المطبعة الآن .

هل تعكس التجربة المغربية تطور الأدب المغاربي ؟

لقد انتبهت لهذا الأدب مبكرا . فأنا لا أميز بين أديب وآخر بانتمائه لبلد معين بل لقوة إبداعه ، ولي معرفة قديمة بأدب وأدباء المغرب الأقصى . كما أن أعمالي وقع تناولها بالدراسة والبحوث الجامعية هناك .

هل هي عملية رد للجميل ؟

ليست المسألة هكذا أبدا بل لأهمية هذا الأدب .

فلنبق في الخارطة المغربية لأسألك عن تناولك للأدب الجزائري ؟

لقد تناولت الأدب الجزائري بالقراءة النقدية من خلال كتابي " من سومر إلى قرطاج " الصادر سنة 1997 عند اختيار تونس عاصمة ثقافية ومن الذين تناولتهم على سبيل الذكر " واسيني الأعرج " و " رشيد بوجدرة " و " أحلام مستغانمي " وغيرهم .

وما هو موقفك من الضجة التي أثيرت حول صاحبة " ذاكرة الجسد " ؟

كلام فارغ ، فأحلام كاتبة كبيرة . مثلت أهم إضافة في الكتابة العربية في السنوات الأخيرة وهي تحمل دكتوراه في علم الاجتماع . تجاربها تعود إلى أول السبعينات ، لغتها شاعرية ، حققت رقما لم يحققه روائي مغربي آخر (15) طبعة تقريبا ، وهذا شيء مفرح . لأن العرب يقرؤون الكتاب الجيد . وأحلام صديقة شخصية وقد أصدرت رواية جديدة " عابر سرير " .

لماذا أفدت القراء بأن أحلام مستغانمي حاصلة على شهادة الدكتوراه ؟

لكي أفسر أنها لم تأت للكتابة هكذا بل ومتسلحة بالروح الأكاديمية حيث اعتقد الناقد المصري أن لها تجارب أدبية سابقة واعتقد أنها صغيرة السن ، ولكنني صححت له المعلومة في مجلة " الوطن العربي " فالأدباء العرب لا يعرفون بعضهم بشكل جيد .

على ذكر المصري " رجاء النقاش " فلننتقل إلى مصر ، باعتبارك صديقا لنجيب محفوظ منذ فترة طويلة أي قبل حصوله على جائزة نوبل للآداب ، هل كنت تتوقع   إحرازه على هذه الجائزة ؟

كنت أتوقع ذلك ولم أتوقعه في الوقت نفسه . إذ أنها لو منحت لعربي فمن المفروض لشاعر باعتبار الشعر له امتداده الطويل في موروثنا الأدبي ويومذاك كان أكبر شاعر عربي هو المرحوم عبد الوهاب البياتي ولكن جائزة نوبل هي بشكل وآخر مسيسة ، وبالنسبة لمحفوظ كان الجانب السياسي عاملا مساعدا له للحصول عليها فهو من باب " التطبيع "  وصرح بتأييده للسلام مع اسرائيل . وأيد السادات واتفاقية " كامب ديفيد " لكن قيمة نجيب محفوظ الأدبية جديرة بهذه الجائزة . كثيرة هي الأسماء التي نالت جائزة نوبل للآداب ، ولكننا لا نتذكرها . ولكن تبقى تجربة " غابريال ماركيز " هي الأهم والأبرز بالنسبة إلي ، وأرجو أن تصل مذكراته المترجمة التي عرضت في معرض القاهرة للكتاب هذا العام إلى معرض تونس لكي نقرأها . وأريد أن أشير إلى شاعر عربي " سفح ماء وجهه " من أجل هذه النوبل اللعينة  ، ولكن " طالب الولاية لا يولى " فهو مجرد مقاول ندوات للجهات الثقافية الأجنبية ( الغربية ) .

ألا تعتبر أن هذا الرأي سيزعج أنصار هذا الشاعر وخاصة رواد الحداثة ؟

إنه منتحل فظيع ، يضع اسمه على مقالات ليست له ، كما أن له معدة هاضمة للشعراء الصغار ، يسطو على أشعارهم وينسبها لنفسه وذلك ما حدث مع الشاعر العراقي " عادل عبدالله " . وقد كتبت عنه مطولا لفضحه في كتابي " من ذاكرة تلك الأيام " .

من خلال اسهاماتك الغزيرة في الأدب العربي . فهل من الممكن أن نلتمس منك بعض الإضاءات ؟

كل البلدان العربية بها توجه نحو الرواية الناضجة وتراجع الشعر . هناك دراسات نقدية مهمة جدا في المغرب الأقصى . كتب مهمة في الترجمة عن دور النشر اللبنانية المصرية. اجتهادات روائية مهمة في تونس تشكل عامل رفد للروايات العربية بشكل عام وأغلبها لروائيين شباب وذلك يرجع إلى مساحة الحرية في تونس ، حيث التمكن من مناقشة بعض المحرمات . فالوطن العربي يعيش المخاض .

وماهو تقييمك للحركة الأدبية العربية ؟

الحركة الأدبية العربية جديرة بأن توضع مع الحركات الأدبية المتقدمة في العالم سيما وأن العرب يعانون التهميش والإقصاء . لو ألقي الضوء كاملا على إبداعنا العربي لكانت لنا مكانة كبيرة ولأصبح جديرا بالاهتمام مثل الأدب الياباني وأدب أمريكا اللاتينية .

انتماءاتك اليسارية في بداية الستينات والتي أشرت إليها بوصفها قناعة فكرية لا حزبية هل ساهمت لديك في بلورة الوظيفة الاجتماعية للأدب ؟

فعلا . وقد انعكست في كتاباتي النقدية والسياسية برؤية تقدمية للعالم وما فيه من صراعات وايمان بالإنسان والمستقبل .

صرحت أنك لم تدرس اللغة العربية دراسة أكاديمية وذلك ما جعلك تبدع سيما وأن الرسم منحك كسر العلاقة بين الدال والمدلول ، فكيف تتراوح تجربتك بين الآنية ومركز اللغة الثابت ؟

في دراسة اللغة العربية يقع الاهتمام بمعاييرها الثابتة في حين أن من يقوم بثورات في الأدب يأتي من اختصاص آخر ، مثل توفيق الحكيم وهو حقوقي ونجيب محفوظ الذي درس الفلسفة . أما في فرنسا حاليا ، فلجيل كتاب الرواية الجديدة اختصاصات بعضهم هندسية .

اسهاماتك غزيرة في المشهد الثقافي العربي وقد بررت أن النشر هنا وهناك يتيح الامكانية أكثر للكسب لأنك تعيش من الكتابة ، فهل يكتب الكاتب ليعيش ؟

المساهمة في الدوريات العربية بها مردود مادي ، ولكني لا أنشر كتاباتي إلا في دار نشر أحترمها ولا أعطيها لدار لا أحترمها وأتقاطع معها فكريا .

الفنان على حد تعبير لورانس يحتاج إلى الجمال أكثر من حاجته للخبز ؟

ليس بالخبز وحده وليس بالجمال وحده .

أنت أديب عراقي ، وأكيد انك تتفاعل بعمق مع مجريات الوضع في العراق فما هو موقفك ؟

أنا رجل منحاز إلى شعبي وأهلي ووطني . هذه وجهة نظري الشخصية التي هي وليدة قناعاتي نتيجة معايشة الأحداث . ولا يمكن أن أكون مع من يريدون تدمير وأذى الوطن . وأستغرب حين أرى أدباء وشعراء قد تورطوا في هذه اللعبة ، فهل المسألة بهذا الشكل ؟