أزمةُ مُصطلحاتٍ .. وأزمةُ أمةٍ – 1

د. حامد بن أحمد الرفاعي

كتبت قبل خمسة وعشرين عامًا مقالاً بجريد الشرق الأوسط الدولية بعنوان ( أزمَةُ نُخْبَةٍ .. لا أزمةُ رَغْبَةٍ.( جاء فيه أنَّ الأمة راغبةٌ كلَّ الرغبة في التعامل مع قيم دينها وتراثها الثقافي .. إلا أنَّ اضطرابَ خطاب النخبة المعنيةِ بقيادةِ جُموعِ الأمةِ .. يشكل أزمة كأداء في وجه تحقيق رغبتها في استئناف حركة انبعاثها الحضاري المعاصر.. وأساس مسألة اضطراب خطاب المفكرين والمثقفين .. هو اضطرابُ مَفَاهيمِهمِ وتصوراتِهم حول المنهجية الموضوعية لحركة الاستئناف الحضاري المنشود .. وجذر ذلك كلها اضطرب فهومهم حول مصطلحات قيم ومبادئ رسالة الإسلام الإنسانية العالمية..وحالة اضطراب الفهم الجارية اليوم.. حول معنى الوسطية , ودلالاتها , ومقاصدها, والآليات الميدانية لتفعيل نهجها الرباني العظيم .. يشكل أحد مرتكزات التأزم الذهني عند غالب أجيال الأمة .. الأمر الذي يُولّد بكل أسف حالة تأزم في الأداء والممارسات على مختلف المستويات الدينيَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة.. فما هي الوسطية..؟ وما مصدر اشتقاق مصطلحها ..؟ الوسطية اليوم في العرف الدارج على ألسن وكتابات المفكرين هي الاعتدال .. ويغلب استخدامها مترادفة مع الاعتدال فيُقال: " الوسطية والاعتدال " ثم يُقَدَمُ الدليلُ على ذلك بقول الله تعالىوكذلك جعلنكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا ". وهكذا يجعلون هذا النص القرآني الجليل مصدراً لاشتقاق مصطلح (الوسطية) والمتأمل في الآية يجد بسهولة ووضوح.. أن علة وصف الأمة المسلمة بصفة(وسطًا)هو تشريفها بمهمة الشهود على النَّاس " لتكونوا شهداء على النَّاس" ومن المعلوم أنَّ الشهود يلزمه الحضور فلا شهادة لغائب.. فالحضور بين النَّاس والتفاعل مع حركة الحياة.. ومتابعة الأحداث والمستجدات والمشاركة فيها.. كل ذلك من شروط الشهادة الصحيحة التي تحقق مهمة الشهود على النَّاس.. و تؤهل الأمة المسلمة لِتنالَ شرفَ شهادةِ الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عليهم لقوله تعالى"ويكون الرسول عليكم شهيدًا ".وهذا يؤكد بأن عبارة ( وسطا ) تعني: أنَّ الأمة الإسلامية.. أمة الحضور والتواصل والتعايش مع النَّاس والمجتمعات.. وليست بحال أمة اعتزال النَّاس والانقطاع عن شؤون حركة الحياة ومستجداتها.. فالحضور بين الأمم من استحقاقات الشهادة على النَّاس .. والحضوريَّةُ من استحقاقات تعريف النَّاس بخيريَّةِ الأمةِ المُسْلِمَةِ التي أخرجها رَبُ النَّاس للنَّاسِ لقوله تعالى: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " يتبع بعون الله تعالى.

وسوم: العدد 809