ليس من لغة السياسة عند أهل الإسلام

هذا ليس بحثا في اللغة ، وإنما هو بحث في الدين والاجتماع والسياسة والثقافة والأدب العام والذوق الخاص .

تحتوي كل لغات العالم وربما لغة العرب أكثرها على مفردات ذات طبيعة طبقية متعالية متعجرفة من مثل : السفهاء والسوقة والغوغاء والدهماء والأوباش والأراذل والسقط والهمل ..

وكثيرا ما نجد بعض المتعالين على الناس يطلقون على من خالفهم أو خرج عليهم في رأي أو موقف مثل هذه الأوصاف ...التي ينم استخدامها على حالة نفسية غير سوية من اعتزاز بجاهلية ما جاءت دعوات الأنبياء والمصلحين إلا لهدمها وتجاوزها ..

منذ عصور الأنبياء الأولى كان احتجاج "الملأ " والعلية من القوم على النبي بقولهم " وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا " .

وفي سيرة الرسول الكريم كان المشركون يلحون عليه بأن أتباعه من المستضعفين والضعفاء . وكان القرآن الكريم يظل يلح على الرسول الكريم " وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ " أي عن هؤلاء المستضعفين والضعفاء الذين يستخف بهم المستخفون ، ويستعلي عليهم المستعلون . وما زال العتاب في أعمى مستضعف قرآنا يتلى " عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الأَعْمَى " وما زلنا نتلو " أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى "

في القرآن الكريم حكاية عن المنافقين " قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء " ويرد عليهم القرآن الكريم : إن السفه هو سفه الغرور والجحود والاستكبار والتعالي على الناس .

في سؤال هرقل لأبي سفيان عمن يتبع الرسول الكريم أشراف الناس أو ضعفاؤهم قال أبو سفيان معتدا : بل ضعفاؤهم ..أجابه هرقل أن هذه هي طبيعة الدعوات .

كل دعوات الرسل والأنبياء ، وكل ثورات الشعوب عبر التاريخ قامت على كاهل هذه الشريحة من المجتمعات ، الشريحة التي تكون دائما أكثر تضررا من الظلم والظالمين ، وأشد توهجا وتوقا إلى التحرر واستعادة الحق الأولي في الكرامة الإنسانية .

تعودنا خلال عقود من المعايشة السياسية أن أصحاب الدعوات ذات الطبيعة الشعبوية والتي زعم مؤسسوها وأربابها أن هؤلاء " المستضعفين " من الطبقة التي أطلقوا عليها " البروليتاريا " ووزعوها على عمال وفلاحين وصغار وكسبة إذا صوتوا لهم وقالوا بقولهم فهم : الجماهير ، وإن خرجوا على زعامتهم فهم الغوغاء والدهماء والأراذل إلى غيرها من أوصاف التصغير التحقير. وإذا كانت هذه اللغة الطبقية مستنكرة من الذين لا يؤمنون ولا يوقنون ولا يعلمون .. فإنها لا يجوز أن تصدر بحال عن مسلم مؤمن تعلم على مائدة القرآن ، وتأدب بأدب مدرسة رسول الله صاحب الخلق العظيم ..

وحين قال " جَبلة بن الأيهم " لعمر يوم لطم الأعرابي لأنه داس طرف رداءه في الحرم : أتقودني منه أي تقتص له مني وهو سوقة وأنا ملك ؟! أجابه عمر : إن الإسلام قد سوى بينكما ..

لقد قامت هذه الثورة السورية المباركة على كاهل جميع السوريين الأحرار ولكن الشريحة المجتمعية - ولا نحب استعمال مصطلح الطبقة لما علق به - التي كانت أكثر جرأة وأكثر تضحية وأكثر احتمالا ..

إن نبذ المخالفين في الرأي وفي الموقف على طريقة مدعي العلو في الأرض بأنهم غوغاء ودهماء وأراذل مما لا يليق بمسلم ولا يقبل منه ، ولا نريد أن نقول بأنه مردود عليه ، بل نظل نردد " فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى "

الخطاب الرباني القرآني توجه إلى البشر على سواء .و ليس في المجتمع المسلم "براهما" ولا متسيدون على الناس بنسب ولا بمال ولا بسلطان . ولقد أطلق علماء الأصول على الحكم الشرعي " التكليف " ولقبوا الإنسان " المكلف " وكل التكليفات سواء في ظروفها وشروطها وكل المكلفين أمامها في الحكم سواء.

في الإسلام علماء أخذ الله عليهم العهد ليبيننه للناس ولا يكتمونه ... وفي المجتمع المسلم من هو في موضع التذكير والتعليم والإرشاد ..وكلا هذا وذاك محفوظ لهم حقه في التقدير والكرامة والاحترام ..كلاهما مكرم بالكرامة الأصلية كرامة النسبة لأبيهم آدم عليه السلام " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ "

كانت سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها أم الحسن والحسين ولها قال رسول الله صلى الله عليها وسلم : " يا فاطمة بنت محمد اشتري نفسك لا أغني عنك من الله شيئا". وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 818