أم زرع نموذج الزوجة المنصفة وهي في عصمة أوطالق

الزيجات صنفان :  صنف منصف حتى في الشقاق أو الطلاق  ، وآخر مجحف حتى في الوفاق والإنفاق . ولقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر النسوة اللائي اجتمعن في الجاهلية ،فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا ،فكن في ذلك ثلاثة أصناف  : صنف أثنى على الأزواج ، وآخر ذمهم ، وثالث التبس أمرهن،فولم يعرف أمادحات هن أزواجهم أم قادحات ؟

وكانت أروعهن موقفا أم زرع  التي ذكرت زوجها الأول أبي زرع  بما يلي :"زوجي أبو زرع فما أبو زرع ، أناس من حلي أذنيّ، وملأ من شحم عضديّ، وبجّحني فبجحت إلى نفسي ، وجدني بأهل غنيمة بشق ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط ،ودائس ومنقّ ، فعنده أقول فلا أقبّح ،وأرقد فأتصبّح ، فأشرب فأتقمح "

ثم قالت بعد ذلك : "  خرج أبو زرع والأوطاب تمخض ،  فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين ، فطلقني ونكحها ، فنكحت بعده رجلا سريا ركب شريا ، وأخذ خطيا ، وأراح علي نعما ثريا ، وأعطاني من كل رائحة زوجا ،وقال : كلي أم زرع ،وميري أهلك " ، قالت : "  فلو جمعت كل شيء أعطانيه  ما بلغ أصغر آنية أبي زرع " .

قالت عائشة رضي الله عنها : قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كنت لك كأبي زرع لأم زرع " .

الجميل في أم زرع أنها لم تنكر فضل الزوجين معا الأول والثاني على حد سواء ، فقد ذكرت أن أبا زرع بعد الإشادة به بقولها :" أبو زرع وما أبو زرع"  ،وهي صيغة مدح وإعجاب  أنه  أهداها الحليّ  ، وأطعمها حتى سمنت ، ودلّلها ، وأقرت بأنه نقلها من بيت فقر إلى بيت غنى وثراء ، وأنه كان يحسن معاملتها ،فلا يحاسبها على قول  تقوله  ولا على نوم  تنامه ، وكانت تصيب من الشراب ما فوق الريّ حتى تكرهه .

وأشادت بالزوج الثاني بعد أن طلّقها أبو زرع ونكح غيرها ، فوصفته بالشريف والسخي والفارس الشجاع ، وعدّدت نعمه الكثيرة عليها ، وتفضله بها عليها وعلى أهلها أيضا .

والأجمل في أم زرع أنها وبعد طلاقها من أبي زرع لم تتراجع عما وصفته به وهي في عصمته بل  لم يبلغ  عندها كل ما أعطاها زوجها الثاني وهو كثير أصغر آنية أبي زرع .

لعمري إنها  نموذج الزوجة المنصفة وهي في عصمة وهي طالق . وقلما تنصف النساء أزواجهن بعد الطلاق بل وهن في عصمتهم أيضا ، وذلك هو كفران العشير .

ودأب النساء وديدنهن إلا القليل ممن رحم الله عز وجل  منهن التنكر لفضل الأزواج . ومنهن من تظهر للأزواج مودة  واعترافا بالفضل ، وهن تبطن عكس ذلك حتى إذا وقع بينهن وبينهم سوء تفاهم ، فهن إما  يظهرن ما كن تبطن مما لا يعلمه الأزواج ، أو تأخذهن العزة بالإثم فيجرن عليهم  جورا ، وينسبن لهم ما ليس فيهم ، وما لا يليق بهم من نقائص وعيوب أوإساءة و تقصير متنكرات للناطق والشاهد من فضلهم عليهن ، و قد تبلغ الوقاحة وسوء الخلق من بعضهن  حد التصريح بأن ما ينسبن لهم من عيوب مجرد غيض من فيض ، ومعلوم أنه إذا بدا السوء في الأفواه ، كان ما تخفي الصدور أكبر .

ولا شك أنه يحصل في كل وقت وحين ما حصل لصويحبات أم زرع في الجاهلية حيث تجلس النساء للحديث عن أزواجهن إما حديث ثناء أو حديث قدح . ولقد صارت وسائل التواصل الاجتماعي في هذا العصر ، ووسائل الإعلام منابر لنشر الزيجات غسيلهن المتعلق بإفشاء أسرار الأزواج . وقد تجلس خلف ميكرفون بعض المحطات الإذاعية أو التلفزية بعض النساء وحتى بعض الرجال  للخوض في مواضيع العلاقات الشخصية  بين الأزواج ، فيظهرون ما يشبه نصح  الزيجات ،وهو في حقيقة الأمر تحريض لهن على الأزواج أو تخبيب كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من  خبّب أمرأة على زوجها أو عبدا على سيّذه"  .

وهكذا تتحول بعض البرامج الإذاعية والتلفزية التي يزعم معدّوها  أنها  تتوخى الإصلاح بين الأزواج  إلى إفساد وتخبيب .

وقد يقع تحريض الزيجات على أزواجهم من طرف أهلهن وذويهن أو من طرف صديقات أو جارات ، وقد صار التواصل اليوم ميسرا بسبب وسائل التواصل حيث لم تعد لبيوت الزوجية أسرار حتى أن بعض الزيجات يصورن كل ما يقمن به في بيوتهن حتى دخولهن الحمام في إطار التباهي بينهن ، ويفضحن ما ستر الله عز وجل مما خفي من أسرار بيوت الزوجية  .

ولا تقل الأفلام السينمائية  التي تتناول مواضيع العلاقة الزوجية خطورة على الحياة الزوجية حيث يلتبس على بعض الزيجات الأمر بين الواقع المعيش ، والخيال السينمائي ، فيعتقدن أن هذا الخيال من صميم الواقع وهو محض وهم ، فيقعن في شراكه ، ويكون ذلك مدخلا إلى إفساد علاقتهن بأزواجهن ، علما بأن معظم النجوم السينمائية يعيشون في الغالب  حياة زوجية مضطربة  كثيرا ما تنتهي بطلاق وفراق وخصومة وعداوة وبغضاء .

وفي هذا الزمان يكاد نموذج أم زرع  في الزيجات يكون شبه منعدم ، ذلك أن أغلبهن يتنكرن لفضل الأزواج وهن في عصمتهم، فما بالهن إذا طلقن .

ولن تستقر الحياة في بيوت الزوجية طالما انعدم نموذج أم زرع لله درها من زوجة لم يثنيها طلاقها من أبي زرع عن شهادة منصفة فيه بل لم تمنعها نعم زوجها الثاني الكثيرة من تفضيل أصغر آنية له عليها ، وفي ذلك تفضيل لفضل سابق على آخر لاحق ، كما أن فيه رعاية له ، وذلك دليل على حسن وطيب منبت أم زرع وسمو أخلاقها . فأين منكرات وجاحدات فضل الأزواج من  نموذج أم زرع ؟ وأين سمو أخلاقها من سوء أخلاقهن  ؟

وسوم: العدد 863