على مدرج الكتابة

clip_image002_ac19a.jpg

من أجل أن تكتب

هذه مجرد آراء لمَن يرغبون في الكتابة من الشباب الناشئ من كتابنا المعد للطباعة (على مدرج الكتابة )

ما هو هدفك من الكتابة؟

 هل تكتب لتشارك الناس في آمالهم وآمالهم ؟ أم لإفادة غيرك والاستفادة منهم؟ أم  لتثبت ذاتك؟ أم  لملءِ وقت الفراغ ، أم أنك عازم على أن تكون أحد محترفي الكتابة ؟

ومن هذه المنطلقات : حدد هدفك واحسم أمرك ، واعقد نيتك ، لأن النية هي الأساس ويبنى عليها الأمر ، و لابد للكتابة الصحيحة المفيدة من زاد المعرفة والثقافة ، وإتقان مهارات الكتابة التي لابد منها ، كمعرفة القواعد النحوية والإملائية ، ومواضع الوصل والإدغام في الحروف ، وكتابة الأعداد المفردة والمركبة واختيار الكلمات المتجانسة والمناسبة ، وصياغة الجمل المعبرة الفصيحة الخالية من التعقيد ، والبعيدة عن الابتذال والركاكة ، وما يتخللها من علامات الترقيم  ، واختيار الكَلمِ الواضح المفهوم الذي تستقبله النفس بالارتياح والانشراح .وحُسن الخط ،واختيار الخطوط المناسبة للعناوين ، ووضع الأقواس وإشارات الاعتراض وإظهار بداية ونهاية الفقرات  وغير ذلك مما يجمِّل الصفحات .و اختيار المواضيع والأفكار والمفاهيم .والوقوف عند مايحتاجه طلبة العلم في حياتهم العملية ، وكذلك ضرب الأمثلة على مختلف الفنون الأدبية وبيان خصائصها .

اغشَ مواطن  العلم والثقافة  :

إنَّ حضور الندوات والمحاضرات ، والمشاركة في الأنشطة المتنوعة  ، والإقامة حول رفوف المكتبات العامة والخاصة باحثا عن كنوزها الأثيرة ، والدأب في مصاحبة أهل الفضل والعلم  تفتح المنافذ المغلقة أمام بصرك وبصيرتك ، وتتلألأ في قلبك و عقلك أنوار الإلهام ، لتزيل الغشاوة عن موهبة نائمة ، أو قدرات منسية ، وصحبة العلماء والأدباء تحيي فيك الهمة ، وتوقد العزيمة وتشعر أنك لستَ وحدك في هذا الميدان .

إن تاريخنا الإسلامي مليءٌ بسير أهل العلم ، وبمنجزاتهم العظيمة ، ولقد عاشوا وماتوا ، وما فارقوا الكتب والمكتبات  ، فالمكتبة النظامية في بغداد ، ودار الحكمة في القيروان ، ومكتبة قرطبة في الأندلس ... وعشرات المكتبات تدل وتؤكد على أن علماءَنا وكتَّابَنا آثروا القراءة والتأليف على ماسواهما في حياتهم . وفي هذا حثٌّ على استخدام ماوهبنا الله عزَّ وجلَّ من مواهب وقدرات وطاقات في الاستثمارات الإيجابية ، ونبذ حالة تضييع العمر في الأهواء والمطامع الدنيئة . أولا يؤثرُ الإنسان أن تكون له إسهامات مفيدة على بعثرة أيام عمره بلا جدوى ، وهو محاسب غدا ومسؤول عن عمره فيمَ أفناه !لن نكثر الكلام في هذا المنحى ، فالجاد تكفيه الإشارة .

لاتستكثر على نفسك مهمة كريمة تعيش لها ، وتتوثب لإحرازها  ، وتحمل من أجلها همَّها وأتعابَها ، إن الكتابة لابد لها من اشتغال دائم ، ويدٍ دؤوبة ، فرشِّحْ نفسك للنهوض بأعبائها ، فمَن جدَّ وجد ، ومَن زرع حصد ، ومَن سار وصل ... وهذا ماتعلمناه في المدارس منذ نعومة أظفارنا ... فهل نعي ماتعلمناه !!!

ارجع إلى أسباب حُسن البيان ، وقوة التأثير ، فسوف تجدها في البلاغة ، والتي تضم  علم البيان وعلم البديع وعلم المعاني . ولْندخل قليلا في الموضوع من هذا الجانب ، وعلى سبيل المثال فإنك ترى أن إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في ظل علم البيان يُنوِّع الدلالة . فإنك إن قلتَ :

جاء زميلي ، فقد قدَّمت حالة المجيء على زميلك ، فكأن مجيئه هو الأهم لأمر ما . . وإن قلتَ : زميلي جاء ، فقد قدَّمتَ زميلك على المجيء ، فكان حضوره هو الأهم .

كما يأتي علم البديع لتجميل ظاهر الجمل ، وإثارة الإعجاب أو الدهشة ولفت الأنظار  من خلالها وهنا يدخل السجع المحمود ، والطباق والجناس ...

وأما علم المعاني فيرتقي بالذوق والمعرفة لخصائص العبارات في لغتنا العربية المجيدة ، ومن بعض شواهد هذه الخاصية أن أعرابيا سمع قارئا يقرأ الآية الثامنة والثلاثين من سورة المائدة وهي قولُه تعالى :

 } والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ، والله ( غفور رحيم ) { فأنكر الأعرابي على القارئ أن تُختم آية في إقامة الحد بالمغفرة والرحمة ، والصحيح أن الآية الكريمة خُتمت بقوله عزَّ وجلَّ ( والله عزيز حكيم ) ، وهذا يدل على ذوق الأعرابي بفطرته الصافية .

هيَّا لنكتب :

الآن سنجرب الكتابة ، ونبدأ بكتابة القصة القصيرة التي يشهد أهل النقد ومنهم الدكتور عبدالرزاق حسين : ( بأنها فن قريب بعيد ، من يقف على الشاطئ يظنها سهلة العبور ، ومَن يسبر غورها يعرف عمقها واحتياجها إلى عدة وعتاد ،ولا ينجح في عبورها إلا أولئك السابحون الماهرون الذين تمرسوا بها ، وتمترسوا في خنادقها ، وخبروا جوهرها ، وعجموا عيدانها ) ...

وليكنْ ذلك  ... لنجربْ ولا نريد أن نكون من كتَّاب القصة الآن ، نريد أن نجرِّب ...

* بدايةً ... كن صاحب إرادة ، وخذ ــ الآن ــ الورقة والقلم ، وأنت هادئ مطمئن ،واستحضر فكرك .

*  استذكر قصة قرأتها ، أو حادثة مرَّت بك أو جرتْ مع غيرك ، أو اقرأ الآن قصة قصيرة ...

*  دع القلم والورقة أمامك ، وأغمض عينيك ، واسرح بفكرك فيما قرأت أو ما علق ببالك من تلك  قصة أو هاتيك الحادثة .

* حاول أن تستلهم وتستوحي من مخيلتك أجواء القصة والأحداث . ومن المهم أن تكون الفكرة جيدة

لاتتردد ... فأنت صاحب إرادة ، وقد أصبح لديك بعض الأفكار تتراءى في مخيلتك ...

* ابدأ الكتابة ... اكتب ، دوِّنْ الأفكار التي خطرت ببالك الآن ...  

* لابأس استعن بأيِّ كتاب حولك ، افتحْه ، انقل منه جملة مناسبة أو جملتين ... تابع الكتابة مما في ذهنك ... اكتب ... اكتب لاتتردَّد ... إنها البداية ، ولسوف تنجح في كتابة القصة بإذن الله .

* حدِّدْ مجموعة من الأفكار لقصتك ، دوِّنْها الآن على ورقة ثانية ( كرؤوس أقلام ) كما يُقال . ولا تنس عناصر القصة القصيرة ــ مثلا ــ أو الفن الذي تريد أن تكتب فيه .

* ارجع بذهنك إلى الحادثة التي  حصلت لك أو أمامك ، أو مع أحدهم وامزج الواقع بالخيال ..

* بداية وعقدة ونهاية ... لقد بدأت : خمسة أسطر ، عشرة أسطر ... بداية موفقة ... تابع

* من هم أبطال قصتي ؟ حدد هوية كل شخصية بالتفصيل . وارسم لكل شخصية طباعها وأفكارها

* اختر لهم أسماءهم الحقيقية أو ابتكر أسماء وهمية ... لايضر

* لاأدري !!! هل أصابك الملل ؟ أم تعبتَ ؟ أم ... لا !

*  احذر ...  فإنك بطل القصة الحقيقي صاحب الإرادة ، الذي يقاوم التعب .

* ولكن لاضير ... إنها استراحة المقاتل الشجاع ، استراحة لجولة تالية ...

* فإذا شعرت بأن نوافذ فكرك أُغلقت .. وما عُدْت تعرف كيف تكتب و تعبر . ..

* أو أن الأفكار رحلت فلا تخف  .. وتذكَّرْ دائما أنك صاحب إرادة ...

* خذ قسطا من الراحة .. اخرج من المنزل .. . إنك لن تنسى ، أفكارك ستعود إلى ذهنك ...

* ها قد عدت ... فتح الله عليك ... باشر الكتابة بتوسَّع ، فهذا عرض الأفكار والانفعالات ...

* حيَّاك الله ... ألا ترى أنك  رجعتَ إلى القلم والورقة وأنت نشيط ... هيَّا فقد دخلت في الموضوع .

* استرجع بدايةَ الحدثِ ... تابع ، قلِّب صفحات قصة قريبة منك ... استعن ببعض الجمل

* لايهمك الآن وقوعك في أخطاء إملائية أو نحوية ...

* اكتب ، اسرد من مخيلتك ، ماذا فعل ذاك ، وماذا تظن في داخل نفسه ، ماذا يريد من تصرفه ...

* إذا دوَّنْتَ جميع مابذهنك ، واكتملت القصة بعرض مالديك من أفكار ، وإبراز ماعندك من معالجات ، وأغنيتها من تجارب ، وبثثت فيها صورا للإمتاع والتشويق ...

*  فضع لها خاتمة ، واجعلْها زبدة اهتمامك منها .

* الآن أنهيتَ كتابة القصة التي كتبتها ... مبروك ، وتستحق التهنئة على هذا الجهد .

* اترك القصة بضعة أيام ، وحاول أن تتناساها ، ثم عاود قراءتها من جديد ...

* ربما ستجد كما قلتَ لك قبل قليل أخطاء إملائية أو نحوية ، أو خطرت ببالك تعديلات أساسية أو ثانوية على القصة .. قد تغير مجرى الأحداث . هذا جيد ولا بد منه لكل كاتب ، وهذه علامة الفوز بالجائزة ... جائزة البداية الناجحة .

* استعن بأهل العلم والأدب الذين تتوسم فيهم الخير ، فستجد عندهم القلب الحاني ، والتقويم السليم .

* ستفرح راضيا بتوفيق الله لك ، ولسوف تبدأ بقصة ثانية وثالثة ... لاأشكُّ في ذلك أبدا .

·    هذه من مجموعة مقالات من كتاب نعد للطباعة : ( على مدرج الكتابة ) .

وسوم: العدد 863