إنَّها الخلافةُ الراشدةُ القادمةُ ...

في هذه الحقبة البغيضة  التي نعيشها  اليوم  نرى عيانا الظلمَ والجَوْرَ والهرجَ ، ونرى الغارة الغاشمة على الإسلام وأهله ، و التي تستعر حقدا وشراسة في معظم أقطار عالمنا الإسلامي الفسيح ، ونرى فلول الأنظمة الباغية هنا وهناك تحاول أن تستعيد مكانتها المترهلة على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها ، ونرى الكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ، ومن خلال ما يبثُّه المرجفون في الشبكة العنكبوتية ... وهي تشحن الناس من خلال الأكاذيب ببرامج ومقالات ورسائل وندوات ، كما نرى أصوات المزامير تعلو ، وأمكنة اللهو والفجور تتكاثر ، بل إن أحكاما جائرة صدرت ضد بعض المصلحين عندا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وانتصر قضاة السوء للساقطات اللواتي نشرن الفحش والفجور بين أبناء المجتمعات الإسلامية ... مشاهد لاتكاد تُحصَى تؤكد عبث هؤلاء المجرمين بعقيدة الأمة وبمستقبلها الذي بشَّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتاريخ يعيد نفسه ، وما أقساه على النفوس المؤمنة بالله وحده وهو يعود بقوة وعنف من مصبه إلى منبعه ، أجل من مصبه إلى منبعه لنشهد أن مايفعله الطغاة والمجرمون اليوم أشد مما فعله الفراعنة والمجرمون في تلكم الأيام من التاريخ . والتاريخ يعيد نفسه ، ولا يُعبأ مطلقا لِما يقوم بتنظيره أهل المكر في العصر الحديث من الماسونيين والصليبيين وأذنابهم ، حيث يريدون تشويه حقائق الوحي الرباني المنزَل على نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، من خلال لقاءاتهم الخائبة ، ونتائجها المريبة ، لقد قرأت في بعض وسائل الإعلام أن ندوة أُقيمت في ( شاتام هاوس ) وأخرى في لندن وثالثة في أمريكا ورابعة في ...وخرج المجتمعون بنتائج منها :

*أن التاريخ لا يكرر نفسه( يريدون أن الخلافة لن تعود ) ...

*وأن العودة إلى ماكان من قبل ينافي الفطرة (يريدون أن الخلافة لن تعود ) ...

* ليتوصل دويُّ عبقرياتِهم إلى أنَّ العودة إلى الخلافة الإسلامية هي مثل الأحلام المستحيل تحقيقها ، أو الأساطير التي صُنِّفت في أضابير الخرافات ...وهذا هو الذي يريدونه من حربهم على عقيدة الأمة ، وتشويههم للآثار الصحيحة التي جاءت في شريعتنا الغرَّاء .ولا ندري من الذي أقحمهم للحكم على ماجاء في قرآننا الكريم وسُنَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ، وهم بعيدون كل البعد عن هَدي الله تبارك وتعالى وعن القيم الإسلامية ؟! إنَّ إنقاذ الأمة وعودتها إلى مكانها ومكانتها بين الأمم لن يكون إلا بالعودة إلى الخلافة الراشدة ، حيث صحت الأمة اليوم فاتَّبعت هَدْيَ نبيِّها الكريم صلى الله عليه وسلم ، وانتفضت على واقعها المرير وهي واثقة بقدوم الفتح الرباني ، وهاهي تبذل الأرواح والأموال في ساحات الجهاد بعزائم أبنائها المتوقدة بجُذى الإيمان بالله ، وهي راضية بقضاء الله ، صامدة في وجه عربدة الفلول الآثمة ، متفائلة بتوفيق الله وتأييده ، لايعتريها شكٌّ ، ولا يوهن قُواها يأس .

إنَّ قراءة التاريخ للعبرة والعظة ، وإنَّ ما جاء في الأثر الإسلامي إنما هو الحقيقة بعينها ، وفيها تذكير وبعث لروح الإيمان وتعزيز لحركة العمل الرشيد الذي يصنع المستقبل الإسلامي  بمشيئة الله  ولو وقفنا عند حقيقة واحدة ، وعلمنا مغزاها ومعناها في ظل بشارة نبوية كريمة ، لآبت أنفسُنا إلى رشدها ، وهجرنا أقوال هذا الإعلام الخبيث ، فعن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وسُئل أيُّ المدينتين تُفتَح أولاً القسطنطينية أو رومية. فدعا عبد الله بصندوق له حلقٌ فأخرج منه كتاباً قال، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ المدينتين تُفتح أولاً أقسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولا  يعني القسطنطينية  رواه أحمد.وكان فتح القسطنطينية على يد القائد الشاب المبارك محمد الفاتح  يرحمه الله  معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن بني عثمان عاشوا قدرهم الميمون تحت راية الخلافة الإسلامية التي وعدهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان الفتح لهداية الخلق ، وكان الخير للناس بكل أنواعه ، وكان الازدهار العلمي ، وكانت النهضة التي يتغنى بها مروجو التضليل الإعلامي في هذا الزمن بأساليب أخرى ، وبقي الأمر كذلك حتى جاءت دسائس القوميين والعلمانيين ، محاولين أن يُفقدوا الناسَ منزلة فطرتهم في نفوسهم ، وأن يُغرِقوا وعيَهم بطوفان الغثاء التغريبي المهين . إنَّ جميع ماورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حقائق لاريب فيها ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ) ، ولذلك فإن الظلم الذي قرأنا عمَّن قام به في التاريخ مثل فرعون نراه هو نفسه يتكرر اليوم ،وإنَّ حبَّ الاستشهاد في سبيل الله الذي قرأنا عنه في تاريخنا الإسلامي المجيد نراه يتكرر اليوم ،فنهر التاريخ يجري كما أراد الله له ، ونماذج التاريخ تُستعاد في الخير وفي الشر ، بل حتى حالات الكذب والتدليس والتشويه التي وردت في التاريخ عن الكذابين والمدلسين والمشوشين ... فإننا نراها اليوم في أحفادهم وأمثالهم من أبناء الحضارة المشؤومة في عصر التباب ، وقد حكموا الخلق وهم غير أهل للحكم والمسؤولية، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:( بينما النبي صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ إذ جاء أعرابي فقال: متى الساعة ؟ قال: (إذا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهلِه فانتظر الساعة).رواه البخاري.

        إنَّ الخلافة الإسلامية قادمة لاريب فيها  بمشيئة الله تبارك وتعالى   قادمة بعدلها وإنسانيتها ، وبعودة الأمة إلى ظلال قرآنها ، وثمار سُنَّة نبيِّها صلى الله عليه وسلم ، قادمة لتقود البشرية المعذبة المنهكة إلى شاطئ التراحم والتآخي ، وليخرج الناس من هذا الضيق والضنك والقلق ، ومن هذه الأهوال التي أخبر عنها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يُمَرَّ بقبرِ الرجل فيقول: يا ليتني مكانه) رواه البخاري ، والخلافة قادمة من أجل استعداد الخلق إلى لقاء الله في يوم لاريب فيه ... استعداد بالتقوى والعمل الصالح ورفع راية الجهاد ، قادمة لكي تزول الهيمنة الصهيونية الماسونية الذميمة من بلاد المسلمين  ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال!! فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ) رواه مسلم .

        آيات قرآنية وأحاديث نبوية وإرهاصات متتالية تؤكد عودة الخلافة ، ولكنَّ الضالين والمضللين أعمى الهوى بصائرهم ، فلم يدركوا مغزى مايجري على ظهر الأرض من أحداث ، وأعمت الأحقاد أبصارهم فلم يعوا فحوى ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله زَوَى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها وإن أمتي سيبلغُ مُلكُها ما زُوِي لي منها) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي.

وهذا الملك يأتي بالدعوة إلى الله ، وبجهاد الطغاة والفراعنة الذين يحولون بين الشعوب وبين فطرتهم الصافية . إنَّ ترك الدعوة إلى الله ، ونسيان مكانة الجهاد في سبيل الله هما عنوان الهوان والذل الذي أصاب الأمة في الحقب الأخيرة من عمر أمتنا الإسلامية  .  فاستطاع الحكام الذين تربَّوا في أحضان الغرب الصليبي والشرق الذي تمثله روسيا الإلحادية أن يحكموا بغير ما أنزل  الله ، فجاؤونا بالمذاهب الهدامة ، والنظم التعيسة ، التَّفلت الأعمى الذي استباح المحرمات ، ودخل بالناس في جحور الفساد والفجور والإلحاد ... الغربية والشرقية  ، وبذلك خالفوا بل حاربوا ماأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أمره ربُّه سبحانه وتعالى في قرآنه العظيم : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ) ، وأشاعوا الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة ، مخالفين مرة أخرى ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في قرأنه العظيم : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) ، ومارسوا كل وسائل التغريب وهم يعلمون أنهم يجرون الأمة إلى الخذلان والهوان ، مخالفين مرة أخرى هَدْيَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذي أوسع للأمة طريق وحدتها وعزتها ، فعن الحارث الأشعري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله ، رواه أحمد والترمذي والنسائي . إن العمل الدؤوب في خدمة قيم الدعوة الإسلامية ،  والجهاد بكل أنواع الجهاد القائم على الحق والخير للأمة بات واجبا على كل مَن يستطيع أن ينصر دين الله سبحانه وتعالى .

        منظرو التاريخ ، ومزيفو الحقائق استطاعوا بمكرهم وحيلهم أن يبثُّوا سمومهم في مجتمعاتنا الكريمة ، ولكن لن يستطيعوا أن يجتثُّوا جذور الفطرة المباركة من أعماق أبناء الأمة ، لقد صحت الأمة وأسقطت كل الشعارات الخائبة والمزيفة ، ونهضت اليوم وهي تحمل عقيدة التوحيد ، ومشعل الهداية والإخاء والخير لكل البشر  ، ولسوف ينتصر الإسلام  بإذن الله تعالى  مهما كانت الرزايا والخطوب ، ومهما اشتعلت نيران المكر والتآمر ، يقول المولى تبارك وتعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ، وإن محاولات أعداء الإسلام لإطفاء نور  الإسلام  باءت بالفشل ، وفضح الله كيدهم ومكرهم ، يقول تعالى : ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتِم نوره ولو كره الكافرون ) ، فالخلافة الإسلامية الراشدة عائدة لاريب فيها ، تترقبها البشرية في مشارق الدنيا ومغاربها ، لأنها عودة للتراحم والتآخي والطمأنينة ، ففي محكم التنزيل : (  وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) ، ولم يبق من تنظير أعداء الإسلام إلا الحبر الجاف على أوراق الصحف المنبوذة من واقع المسلمين وفطرتهم ، ونؤكد  بحول الله وقوته  أنه رغم الفجائع والنوازل سينتصر الإسلام ، وستعود الخلافة الراشدة تملأ الدنيا عدلا ورحمة وهدى ،

جاء الخباب بن الأرت رضي الله عنه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ألا تدعو لنا ؟ ألا تستنصر لنا ؟ وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بجوار الكعبة ومتوسداً رداءه فجلس محمراً وجهُه وقال : ( إن من كان قبلكم كان يمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب وينشر أحدهم بالمنشار فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده ليُظهرن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) .

وسوم: العدد 876