اللّغة العربية من خلال أساتذتي وليد عبد الحي والجيلالي اليابس

ممّا أظلّ أفتخر به طيلة حياتي أنّ الله تعالى أكرمني أن درست لدى أستاذي عالم العلوم السياسة وليد عبد الحي  Walid Abdulhay أمدّ الله في عمره وجعلني من تلامذته البررة، وأستاذي الجيلالي اليابس رحمة الله عليه سنوات 1986-1990:

1.   التقيا في خصال عديدة منها: حسن المظهر، وجمال الأداء، والصوت الحسن، والإتقان، وكثرة المطالعة، وحب العلم، والوفاء لمهنة العلم والتعلّم، والبحث المستمر، وغيرها من الخصال التي لاتحضرنا الآن.

2.   التقيا أيضا في كونهما يتقنان وببراعة فائقة اللّغات الأجنبية من حيث الكتابة والنطق. أستاذي وليد عبد الحي يتقن اللّغة الانجليزية، وأستاذي الجيلالي اليابس يتقن اللّغة الفرنسية.

3.   يحسنان أيضا اللّغة العربية الفصحى. وتمتاز لغة أستاذي وليد عبد الحي بكونها أكثر تراثية، باعتبار تدريسه كان باللّغة العربية الفصحى وتربى عليها منذ صغره. واللّغة العربية لأستاذي الجيلالي اليابس كانت مستحدثة أي تعلّمها حديثا باعتبار تكوينه كلّه باللّغة الفرنسية ويرجع ذلك للنظام التعليمي في الجزائر عقب استرجاع السيادة الوطنية سنة 1962. وما يستحق الذكر أنّ أستاذي الجيلالي اليابس أبدع في اللّغة العربية وأمسى له قاموسا خاصا به وبذل مجهودا كبيرا وشاقا في إتقانها و التمكّن فيها، وهو المبدع المتمكّن الضّليع في اللّغة الفرنسية. وقد قرأت له يومها وأنا طالب بالجامعة في جريدة "le Monde Diplomatique". وكانت لغته العالية جدّا تبهر وتشدّ الأنظار. وقد ذكرت ذلك بالتفصيل في مقال لي لمن أراد أن يعود إليه[1].

4.   يمتاز أستاذي عبد الحي وأستاذي الجيلالي اليابس بكونهما لايتحدثان في القسم مع الطلبة سواء بالعامية الفلسطينية أو العامية الجزائرية إلاّ نادرا جدا وفي حالات ضيّقة جدّا ولفترة محدودة جدّا وبكلمة أو كلمتين تضاف لما ذكر باللّغة العربية الفصحى وتأييدا لها كمثال شعبي مثلا.

5.   تحدّث أساتذتي باللّغة العربية الفصحى وعدم التحدّث بالعامية ليس مقتصرا على المحاضرة وداخل القسم فقط بل شمل ساحة الجامعة والشارع وقد كنت شاهدا على ذلك في أكثر من مناسبة. فهما لايتحدّثان بالعامية حتّى ولو كانا في الشارع إلاّ نادرا وبما يتطلّبه المقام. ويكفي أن أعيد ذكر قصّتي مع أستاذي الجيلالي اليابس وقذ ذكرتها في مقالي : " أستاذي وعالم الاجتماع: الجيلالي اليابس"، حين ذكرت وأعيدها الآن: لم أعرف أنّ أستاذي الجيلالي اليابس من ولاية بلعباس أي من الغرب الجزائري إلاّ بعدما سمعته لأوّل مرّة يقول لي: "وٙاهـْ" باللّهجة الوهرانية، حين أخبرته أنّي أحضرت له كتابه ولم أجده في اليوم الذي حدّده لي، وأنا الذي درست عنده 4 سنوات. والسّبب في ذلك أنّه يصرّ أن يتحدّث باللّغة العربية الفصحى ولا يتحدّث بالعامية إلاّ في حالات نادرة ونادرة جدّا.

6.   أستاذي وليد عبد الحي وأستاذي الجيلالي اليابس مثالا دائما وخالدا للعالم المتفوّق في علمه و المتمكّن في تخصّصه باللّغة العربية الفصحى و الضليع في اللّغة الأجنبية التي يتقنها ويتّخذها وسيلة للبحث والعلم والتعلّم.

7.   أريد أن أقول وهذا هو غاية المقال: التدريس بالعامية وأية عامية ودون استثناء جريمة نكراء في حقّ العلم والأستاذ والطالب والأمّة. وإلقاء الدروس بالعامية ضعف وكسل وإهانة ومظهر من مظاهر التخلّف والديكتاتورية.

8.   المطلوب من أهل الفقه والتفسير والحديث والتّاريخ وغيرهم التحدّث باللّغة العربية الفصحى وإتقان اللّغات الأجنبية وفي نفس الوقت الابتعاد عن استعمال العامية لأنّها تنشر الضعف وتكرّس الكسل وتثير البغضاء وتحرم صاحبها العلم من أصوله الصافية. ولتبقى العامية في حالات خاصّة ولوقت محدّد وخارج فضاء العلم والتعلّم.

9.   حفظ الله أستاذي وليد عبد الحي Walid Abdulhay ورحم الله أستاذي الجيلالي اليابس.

[1] للزيادة راجع من فضلك مقالنا: " أستاذي وعالم الاجتماع: الجيلالي اليابس "، وبتاريخ: الأحد: 16 ربيع الثاني 1435هجري، الموافق لـ 16 فيفري 2014 .

وسوم: العدد 877