حزيران صفحة سوداء تدمي قلوب السوريين(3-6)

أعضاء اللجنة العسكرية القوة الخفية التي تسير الأحداث

لابد من التنويه إلى لفت الانتباه إلى أن العسكريين ولأول مرة في تاريخ الحزب، قد اشتركوا في مؤتمر قومي لحزب البعث، وكونوا قوة خفية ضاغطة لا يستهان بها في سير أعمال المؤتمر ونتائجه. لهذا فإنهم أدخلوا أسلوباً ونمطاً جديداً وغريباً في العمل الحزبي. فهم يناقشون، فيما بينهم، وخارج المؤتمر، شتى القضايا المطروحة على بساط البحث، خاصة القضايا التي تخصهم بالدرجة الأولى. وبعد أن يعبر كل ضابط منهم عن رأيه ووجهة نظره بحرية كاملة، تؤخذ القرارات، بأغلبية الأصوات، وتلتزم الأقلية برأي الأكثرية. وعند حضورهم المؤتمر، فإنهم يدلون بأصواتهم ويقفون موقفاً موحداً كتكتل واحد، بغض النظر عن رأيهم ووجهات نظرهم الشخصية، وهذا يعني، بتعبير آخر، أن الضباط البعثيين السوريين كونوا عملياً حزباً خاصاً بهم داخل حزب البعث السوري يخدم أغراضه وأجندته.

في الوقت الذي كان الصراع على أشدّه بين أطراف مراكز القوى داخل حزب البعث الذي استطاع التمكن من الحكم بعد أن أجهز على كل منافسيه وأعدائه، سواءً على الصعيد المدني أم على الصعيد العسكري، نقول في هذا الوقت بالذات استطاع (كوهين) الجاسوس الإسرائيلي أن يتسلل إلى عضوية حزب البعث الحاكم.. كما استطاع أن يقيم علاقات حميمية مع بعض أعضاء المجلس الوطني لقياد الثورة مثل: (الرائد سليم حاطوم). كما تعرف إلى (اللواء أمين الحافظ) يوم كان ملحقاً عسكرياً في الأرجنتين قبل قيام انقلاب 8 آذار 1963م.

الجاسوس الصهيوني إيلي كوهين يحط رحاله في دمشق برعاية ضباط بعثيين

استقر المقام بإيلي كوهين في شقة فسيحة بالدور الرابع من مبنى حديث في حي (أبو رمانة) المزدهر، وكان المبنى ذو أهمية كبيرة لكوهين، حيث يقع في مواجهة مقر قيادة الأركان السورية.

كوّن إيلي شركة استيراد وتصدير، شهدت نجاحاً فور إنشائها تقريباً، وقد أدار إيلي العمل بكفاءة، حيث كان يرسل من سورية الأثاث القديم، وطاولات نرد، ومجوهرات، وتحف فنية.

وكان إيلي إذا ما عاد إلى شقته في الليل، يخلع عنه ثياب تاجر الاستيراد والتصدير الغني، ويعود كوهين الجاسوس، فبعد إغلاق الأبواب إغلاقاً مزدوجاً، وإسدال الستائر، يتناول جهاز الإرسال الصغير، الذي خبأه في قدح نحاسي للزينة في داخل ثريا بلورية كبيرة، ويمضي بذلك الجهاز إلى غرفة نومه، حيث يكتب رسالته ويترجمها بالشيفرة، ثم يبدأ نقرها بسرعة ودقة إلى تل أبيب.

وفي الأيام التي كان إيلي يلتقط فيها الصور، كان حمام شقته يتحول إلى غرفة سوداء، يجري فيها بعض العمليات على المسودات ويختزلها إلى أفلام مصغرة. وفي الغد كان إيلي يخبئها في القواعد المموهة أو السيقان المجوفة في هذه السلعة أو تلك من السلع المعدة للتصدير، وكانت تقارير إيلي وأفلامه المصغرة تشتمل دائماً على أمور تهم رؤساءه عن أوسع الناس نفوذاً في أوساط الحكومة والعسكريين السوريين، ومن بين أصدقائه الكثر اللفتنانت (معز زهر الدين) ابن أخ رئيس الأركان (عبد الكريم زهر الدين) ومنهم (جورج سيف) المسؤول عن الإذاعة في وزارة الإعلام السورية، والكولونيل (سليم حاطوم) قائد لواء المظلات.

استطاع كوهين بعد انقضاء شهرين على وجوده في دمشق أن يزود الموساد الإسرائيلي بمعلومات لا تقدر بثمن، وكان في تفسيراته للتغييرات السياسية في دمشق من الدقة واستباق الحوادث الفعلية، ما يجعل الموساد يقوم بإرسالها إلى رئيس الوزراء خلال ساعات قليلة من وصولها إليه، وكثيراً ما اتخذ (بن غوريون) - رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك - قرارات مهمة في السياسة، وهي قرارات قد تفصل بين الحرب والسلم بناءً على برقيات إيلي كوهين الموثوق بها.

كوهين تستدعيه تل أبيب للتشاور وقضاء إجازة بصحبة أسرته

وفي تموز 1962م، بعد مرور ستة أشهر من صول كوهين إلى دمشق، استدعي للرجوع في إجازة إلى تل أبيب حيث أمضى بضعة أيام مع عائلته.

وعاد كوهين بعد إجازته إلى دمشق ليتابع نشاطه التجسسي، فوسع من علاقاته ونشاطاته وجعل شقته الفاخرة ملتقى للفاحشة والرذيلة لأصدقائه من (عِلية رجال الحكم). وذات يوم اعتزم السفر في رحلة عمل إلى أوروبا، فسأله الكولونيل (صلاح الضلي) - رئيس المحكمة العسكرية - إن كان بوسعه ترك مفاتيح شقته من بعده، ووافق إيلي على ذلك في الحال. أيضاً كان ينزل صديقه جورج سيف مع سكرتيرته كثيراً في شقته، وفي مقابل ذلك جعل سيف مكتبه بيت إيلي الثاني حيث الأسرار والوثائق الرسمية يقلبها كوهين ويصورها بكل حرية وطمأنينة.

المصادر

*مجلة نضال البعث.

*البعث والوطن العربي.

*جريدة المناضل-عدد 94 شباط 1977.

*حول تجربة الوحدة-القيادة القومية-شباط 1962م.

*عبد الكريم زهر الدين: مذكراتي عن فترة الانفصال في سورية-أيلول-1961-آذار 1963م.

*منيف الرزاز: التجربة المرة-بيروت-دار غندور 1967م.

*كتاب حزب البعث العربي الاشتراكي-محمد فاروق الإمام

وسوم: العدد 882