لو فهم مسلمو اليوم معنى الأذان.. لأحدثوا ثورة مجلجلة، لا تُبقي ولا تَذر

إن صوت الأذان، جميل جداً، وخاصة إذا كان المؤذن صوته رخيماً حلواً عذباً، كمزامير داود.. فإن كل من يسمعه، في الأرض والسماء، يقف خاشعاً متبتلاً، حتى ولو كان المستمع غير عربي! كما أن في الآذان من السحر والموسيقى والإيقاع، ما يلمس شغاف قلوب البشر جميعاً! ويجعلهم يهيمون في عالم علوي، سماوي!

إن إيقاعه ونغماته وكلماته، التي تتكرر فيه كلمات الله مرات عديدة، تتناغم وتتفاعل وتندمج، مع القلب البشري، والنفس البشرية، فتنزل عليها السكينة، والهدوء، والاسترخاء، الذي ليس له مثيل على الإطلاق! فيشعر المستمع، براحة وهناءة وسعادة، لا توصف.. كما يشعر، وكأنه انتقل من عالم التراب، إلى عالم السماء، وحلق في أجواز الفضاء، وكأن هاتفاً علوياً يناديه: تعال إلى السماء، إلى الفضاء الرحب، إلى عالم الملائكة، والروح.

هيام وتوله غير المسلمين بالأذان

وثمة حوادث لا تعد ولا تحصى، لأناس لا يفقهون اللغة العربية، ولا مدلولاتها، ولا معانيها، ولكن بمجرد أن سمعوا الأذان، تملكهم شعور غريب، وسيطر عليهم إحساس بالراحة، والطمأنينة، والسكينة! لأن كلمات الأذان تتماشى مع الفطرة البشرية، وتستجيب لتطلعاتها، وأحلامها، ولو كان المستمع لا يفهم اللغة العربية!

الأذان سبب للدخول في الإسلام

وقد نشرت مرة قبل عدة سنوات، جريدة إماراتية عن أجنبية أوروبية، كانت تتمشى في أحد مولات دبي، وإذا بها تسمع صوت الأذان لأول مرة في حياتها، فتقف مدهوشة، مبهورة، تستمع إليه بإنصات، وإصغاء حتى النهاية، وتفيض عيناها بالدمع، سروراً وطرباً وحباً وهياماً، بهذا النداء السماوي، ذي الترانيم المختلفة كل الاختلاف عن الترانيم الكنسية، الممجوجة، المصادمة للفطرة البشرية، بل كانت هذه الترانيم القدسية، الأخاذة بمجامع القلوب، سبباً في دخول عدد غير قليل من غير المسلمين، في الإسلام! كما يرويه هذا الخبر(1).

وكذلك يروي سيد قطب رحمه الله في كتابه (أمريكا التي رأيت)، قصة عجيبة.. كيف أن امرأة مسيحية يوغسلافية، كانت على ظهر الباخرة، التي كانت تقله إلى أمريكا في عام 1948، وكانت هي الأخرى هاربة من جحيم تيتو.. فلما رأته، وهو يصلي الجمعة على ظهر الباخرة، وسمعت إلى ترنيمات الأذان، أقبلت إليه، وعيونها تفيض بالدمع، تشد على أيديهم، مهنئة لهم بهذه الصلاة (وكانت تسميها قداساً حسب مفهومها الكنسي) التي تتضمن كل معاني الخشوع، والنظام، والسمو الروحي السامق (2).

هذه بعض من الإضاءات النورانية الملائكية، لما يحدثه نداء الأذان، من آثار عظيمة، وهائلة، في نفوس غير المسلمين، مما يحدو ويدفع بعضهم إلى الدخول في الإسلام، انجذاباً، واندفاعاً، وانقياداً وراء هذا الهاتف العلوي السماوي إلى دين الله.

هل مسلمو اليوم يفهمون ما يقوله المؤذن؟!

وا حسرتاه! وا حر قلباه! وا فجيعتاه! وا كبداه! وا مصيبتاه! على مسلمي اليوم، فإنهم لا يفهمون، ولا يعون، ولا يفقهون، ما يقوله المؤذن يومياً خمس مرات، ولا يتأثرون به، كما يتأثر به غير المسلمين؟!

ولكن، لماذا لا يفهمون، ولا يتأثرون، إلا قليلاً منهم.. لأنهم اعتادوا على سماع هذا النداء منذ نعومة أظفارهم، فأصبح عندهم عادة متكررة، أن يسمعوه يومياً، فشكل عندهم غلظة في الحس، وبلادة في الفهم، يسمعونه، وهم في غفلة يلعبون، لاهية قلوبهم! بل يسمعونه وفي آذانهم وقر، وهم يضحكون! ويستمرون في عملهم، وشغلهم! دون أن يتوقفوا ولو للحظة واحدة، كي ينصتوا إليه، ويعرفوا ما يقول!

استهتار، واستخفاف الوعاظ بالأذان

بل والأنكى، والأدهى، والأمر من ذلك.. أن كثيراً ممن يتبوؤون منصب الوعظ والتدريس، فحينما يُرفع الأذان، وهم يلقون دروسهم، لا يتوقفون للاستماع، والانصات إليه، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يقول في الحديث الصحيح المروي عن عبدالله بن عمرو: (إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فإنَّه مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فإنَّها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فمَن سَأَلَ لي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفاعَةُ)(3).

استهتار، واستخفاف بالأذان، وعدم مبالاة، ولا احترام له، حتى ممن يدعون العلم! فكيف بعامة الناس، الذين يقرع آذانهم الأذان يومياً، دون أن يحرك فيهم، أي مشاعر، أو أي أحاسيس، أو أن يدفعهم للتفكير، بماذا يقول المؤذن! فقد ران على قلوبهم، وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم، غشاوة فهم لا يعقلون!

لو فهم المسلمون معنى الأذان

ماذا لو كانوا يفهمون، ويعرفون معنى الأذان، كلمة كلمة، بدءاً من، الله أكبر، فعلموا أن الله أكبر من كل شيء في الأرض والسماء، ومن كل شيء في هذا الكون، وأن السماوات والأرض مطويات بيمينه:

(وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ) (4)

وأن قلوبهم جميعاً، بين أصبعين من أصابعه، يقلبها كيف يشاء! ففي الحديث الصحيح عن عائشة أم المؤمنين:

(إنَّ قلوبَ العبادِ بين إصبَعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ، فإذا أراد أن يقلِبَ قلبَ عبدٍ قلبَهُ) (5).

وأنه لا توجد قوة في الأرض، ولا في السماء، تعلو على قوة الله.. فهل لو علموا وتيقنوا ذلك، كانوا سيخافون من حكامهم الظلمة الفجرة؟!

ثمرات تمكن فهم الأذان في القلوب

فإذا تمكن هذا الشعور، وهذه العقيدة، في قلوب المسلمين، لأصبحوا لا يرهبون أي حاكم، ولا أي طاغوت، ولا أي مستبد، بل ينظرون إليه.. على أنه قزم، أو أنه كائن هزيل ضعيف، لا يصمد، ولا يثبت، أمام عظمة وجبروت وكبرياء الله.

وأصبحوا لا يخافون، أن يرفعوا عقيرتهم وصوتهم بالاحتجاج، والاستنكار، والرفض لأي تصرف يقوم به، مخالفاً لدستور القرآن، وقانون الله، ويعلنون بأعلى صوتهم، رفضهم، واعتراضهم على قوانين تتعدى على حدود الله، ولا يأبهون لعساكر الحكام الطغاة، إذا واجهوهم بالسلاح، وبالنيران!

بل يتقدمون، ولا يبالون بهم أبداً، فهم ينظرون إليهم، على أنهم كالعهن المنفوش، وكالنمل يحطمونهم بأقدامهم، طالما أن الله، هو الأكبر، وهو الأعلى، وهو الأقوى، ويتذكرون ما حصل لسحرة فرعون الذين آمنوا برب موسى وهارون، فيرددون ما قالوه وهو يهددهم بالصلب والقتل:

(قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ) (6).

معنى شهادة لا إله إلا الله

أما قول المؤذن أشهد أن (لا إله إلا الله).. فتعني أنه لا إله في هذا الكون كله، يستحق العبادة، والخضوع، والدينونة، والاستسلام له، سوى الله وحده، وأنه لا أحد في هذا الكون، يستحق، ويجدر به، أن يكون الحاكم، والمشرع، والمنظم للقوانين، التي يحتاج لها البشر، في إدارة شؤون حياتهم كلها، من صغيرها إلى كبيرها، ومن دقيقها إلى جليلها، سوى الله وحده.

ومن يُنَصِب نفسه مشرعاً، ومنظماً، ومؤلفاً للدستور، والقانون، فهو يعتبر نفسه إلهاً من دون الله، فعليه لعنة الله ورسوله، وغضبه عليه، ومأواه جهنم.

(وَمَن يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِۦ فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّٰلِمِينَ)(7).

فالله لم يخلق البشر ليعبدوه في الصلاة، والمسجد، ثم يعبدوا إله آخراً في السياسة، والحكم، والقضاء، والتجارة، والمال، فالعبادة لله تعالى، يجب أن تكون كاملة له، في الصلاة، والحج، والأسواق، والمعاملات التجارية، والبنكية، والمالية، والقانونية، والتشريعية.

(وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ)(8).

فهذا أمر فصل، وقطع، وحسم، وبت، لا مجادلة فيه، ولا نقاش فيه، ولا ينبغي، ولا يحق لأي مسلم، أن يناقش فيه، فليس له صلاحية، ولا تفويض، لأن يناقش الخالق، أو يجادله، أيجوز له أن يضع من عنده القوانين، والتشريعات، حسب مزاجه أو هواه، أم حسب ما قضى الله به، وأمر، ونهى؟!

وظيفة المسلم: الطاعة الكاملة لله

(وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا)(9).

هذا هو إذن، ما يقرره الأذان ابتداءً.. أن الله هو الأكبر، وهو الأعلى، وهو الأجل، وهو الأعظم من كل كائن في السماوات والأرض.

وثانياً: يطلب الأذان من المسلمين، التبرؤ من كل إله، ومن كل حاكم، ومشرع، ومنظم للقوانين، سوى الله وحده، وتثبيت وترسيخ وتأكيد.. أن الله تعالى هو صاحب الشأن الوحيد، في تصريف أمور الخلق جميعاً، ويطلب من المسلمين، أن يقوموا بثورة مجلجلة، ومزلزلة على كل يغتصب سلطان الله في التشريع، والحكم، والقضاء، والسياسة، والإدارة، وأن يردوها إلى الله وحده.

فلو أن المسلمين.. فهموا هذه المعاني، وعلموا ما هو مطلوب منهم، حتى يُثبتوا أنهم مسلمون.. لانطلقوا كلهم شيبهم وشبابهم، ورجالهم ونساؤهم وأطفالهم، نحو قصور حكامهم، وانتزعوهم من صياصيهم وحصونهم، وأنزلوهم من عروشهم، وقذفوهم في السجون!

لأن الأذان، هو إثبات وتقرير، وتوكيد.. لأن تكون الألوهية والربوبية والحاكمية، في يد الله وحده فقط .

وأن التحليل والتحريم، بيد الله وحده، وما ينبغي لأي كائن كان، أن يحلل ويحرم على هواه، ومزاجه!!

ودعوة صريحة سافرة واضحة، إلى إسقاط كل حاكم، لا يحكم بشرع الله تعالى.

المصادر:

1- شفقنا https://ar.shafaqna.com/AR/165341/

2- كتاب أمريكا التي رأيت لسيد قطب ص10

3- الدرر السنية

4- الزمر 67

5- الدرر السنية

6- طه 72

7- الأنبياء 29

8- المائدة 44

9- الأحزاب 36

وسوم: العدد887