الداعية وسيم يوسف… وأحدث أساليب تجميل التطبيع

«عندما تدرك الشعوب العربية هذه الحقائق، فالسلام مقبل قريبا بإذن الله»،

صدِّق، أو…. صدِّق، ليست هذه العبارة لأحد المصلحين أو السياسيين العرب، يُشخِّص فيها للأمة الداء ويصف الدواء، فلم تكن سوى تعليق لموقع «إسرائيل بالعربية» التابع للخارجية الإسرائيلية على تغريدة للداعية الإماراتي وسيم يوسف، أسالت اللعاب الصهيوني للاحتفاء بها، وإبرازها كنموذج راقٍ للتطبيع مع إسرائيل، فما هي الحقيقة التي تضمنتها تغريدة الداعية وسيم يوسف وأشاد بها الموقع الإسرائيلي؟

كتب الداعية الإماراتي على صفحته بتويتر: «سأخبركم قصة لمن يُزايد على معاهدة السلام بين البحرين والإمارات مع إسرائيل: إسرائيل لم تدمر سوريا، إسرائيل لم تحرق ليبيا، إسرائيل لم تشتت شعب مصر، إسرائيل لم تحطم ليبيا، إسرائيل لم تمزق لبنان إلى طوائف، قبل أن تعيبوا على إسرائيل أنظروا إلى أنفسكم بالمرآة يا عرب، فالعلة بكم».

ويضيف الداعية: «أنتم يا عرب من صفقتم للثورات المجنونة، أنتم من خرج لحرق شوارع بلادكم، أنتم من صفقتم للإخوان المسلمين، أنتم من احتضن حزب الله، أنتم من تسلّط بالإعلام على أنفسكم، أنتم من فجرتم مساجد وكنائس بعضكم البعض، منكم خرجت داعش وأخواتها، أنتم من كفّر بعضكم بعضا، المرض والعلة بكم وليس بإسرائيل». انتهى كلام الداعية.

حقٌ على كل صهيوني أن يرفع قبعته احتراما وإجلالا لوسيم يوسف، وحق على حكومة نتنياهو أن تستخدم نفوذها لمنحه جائزة نوبل للسلام، فلم يكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي لينتصر لبني جلدته كما انتصر لهم الداعية الإماراتي، ولو أنّ مرشحا لحزب الليكود الإسرائيلي تحدث عن العرب في حملته الانتخابية، لما تكلم عنهم بمثل ما تكلم وسيم يوسف، فهنيئا للصهاينة بالبراءة، إنا لنحن المخطئون، إنا لنحن الجناة، وهم حمائم السلام.

وكما روّج الشيخ السعودي إمام الحرم عبد الرحمن السديس للتطبيع من خلال خطبة الجمعة، كان لابد للإمارات المنضمة إلى قافلة التطبيع من إطلاق منصاتها الدينية، لتحسين وجهها الذي استقبحته الجماهير، على إثر اتفاقية التطبيع العلنية مع الصهاينة، فانبرى أشهر دعاتها، وسيم يوسف للمهمة، لكنه لم يكن كسلفه يتحدث عن حسن تعامل النبي مع اليهود، للتدليس علينا بالخلط بين اليهود كأصحاب شريعة سماوية، والصهاينة مغتصبي الأرض، بل شدّد النكير على العرب، واتهمهم بالتسبب في كل كوارث المنطقة، وقام بتبرئة ساحة الإسرائيليين، مستخدما المنطلقات نفسها لنظامه السياسي في الإمارات، ونظيره في مصر والسعودية كذلك: (ثورات الربيع كانت وبالا على الأمة- الإخوان المسلمون هم العدو الحقيقي- الأمة الإسلامية هي من صنعت التطرف). وسيم يوسف الذي يبرئ الصهاينة من كل عيب، هو ذاته الذي قال في محاضرات سابقة، مبثوثة إلى اليوم على يوتيوب: «كل بلاء تراه في أمة الإسلام اعلم أن خلفه اليهود»، وقال في موضع آخر: «الله وعدنا أن المسجد لنا والقدس لنا، لن تكون ولن يكون الأقصى عاصمة لشرذمة قتلة من العدو الصهيوني».

فلا أدري بم سيفسر لنا الداعية الهمام كيف تحول الصهاينة من قتلة إلى حمائم سلام؟ هل كان حديثه بالأمس كذبا وافتراءً؟ أم حديثه اليوم تملقا وتزلفا وتدليسا؟ لكن على كل حال، الرجل قطع الطريق على التكهنات، وقدّم اعتذاره لكل إسرائيلي عن أي إساءة بدرت منه تجاه الإسرائيليين في الماضي، وعفا الله عما سلف. السيد وسيم تناسى في ما يبدو أنه ليست هناك دولة تسمى إسرائيل، إنما هي فلسطين العربية الإسلامية، اغتصبتها عصابات صهيونية بوعد بريطاني مشؤوم، ويتحدث بمنطق سياسة فرض الأمر الواقع التي تتبعها حكومة الاحتلال، وتدعمها فيها أمريكا وحلفاؤها.

على السيد وسيم إن كان مقتنعا بما يقول أن يراجع معلوماته التاريخية عن الجرائم الصهيونية، فمن سرق الأرض؟ ومن قام بحملة ممنهجة لتهجير الفلسطينيين وتشريدهم؟ ومن نفّذ تلك المذابح البشعة بحق الفلسطينيين في بلدة الشيخ، ودير ياسين، وقرية أبو شوشة، والطنطورة، وقرية قبية، وقلقيلية، وكفر قاسم، وخان يونس، ومذبحة المسجد الأقصى، ومذبحة المسجد الإبراهيمي، ومذبحة مخيم جنين؟ ومن أحرق المسجد الأقصى؟ ومن يسعى لهدمه بالحفريات ونحوها من وسائل ينتج عنها تصدع البنيان؟

من الذي عمل على تغيير هوية الفلسطينيين، وطمس كل ملامح الحياة العربية والإسلامية في القدس حتى شوارعها؟

إذا كان الإسرائيليون دعاة سلام، كما يرى وسيم يوسف، فبمَ يُعلق على 2700 عملية اغتيال نفذها الإسرائيليون خلال 71 عاما، داخل وخارج فلسطين المحتلة لشخصيات فلسطينية وعربية، بل وأجنبية؟ وقطعا إجابته عن ثلاث حروب شنتها قوات الاحتلال على غزة في 2008، 2012، 2014، ستكون: المقاومة الإرهابية هي السبب.

يا سيد وسيم لسنا من يحرق الكنائس، بل العالم أجمع شهد إبان ثورات الربيع أن المسلمين كانوا يحمون الكنائس، ويناوبون الحراسة على أبوابها، وأما أصدقاؤك الصهاينة، فاسألهم عن تحطيم كنيسة القديس يوحنا المعمدانية عام 1967، وسرقة محتوياتها وتغيير أيقونة السيدة العذراء بمنظر حقير ومخجل. واسألهم عن الاعتداء على كنيسة القديس جورج في العام نفسه، وسرقة تاج العذراء، وضرب ممتلكات الكنيسة بالقذائف، ما ألجأ البطريرك إلى إغلاق ثلاث كنائس.. وعن الاعتداءات على الكنيسة الأرمنية للقديس المخلص، وتحويلها إلى ثكنة للجيش الإسرائيلي، وعن اقتحام كنيسة بئر يعقوب للروم الأرثوذكس، وذبح رئيسها الأرشمندريت فيليمينوس.. وعن تحويل كنيسة مارجريس للروم الأرثوذكس في حي الشماعة إلى بناية سكنية، وعن الاعتداء على دير الأقباط وضرب رهبانه وسرقة ممتلكاته، وعن إحراق كنيسة القيامة عام 1971، وعن إحراق المركز الدولي للكتاب المقدس بعدها بعامين، وتحويل كنيسة القديس جورجيوس في بركة القدس إلى ملهى ليلي، وعن إحراق الكنيسة المعمدانية بمكتبتها عام 1982، ثم إحراقها مرة أخرى عام 2007، ولو كان المقام يتسع لذكر المزيد لزدتك أيها الداعية الهمام. أما المساجد، فيكفيك أن الاحتلال هدّم ما لا يقل عن 120 مسجدا في القرى التي احتلتها عام 1948 فقط، وفقا لوثائق أفرج عنها الاحتلال ونشرتها صحيفة «هآرتس» العبرية في يوليو 2007، وكشف تقرير رسمي لوزارة الأوقاف الفلسطينية عام 2002، أن قوات الاحتلال دمّرت وانتهكت حرمة أكثر من 1200 مسجد منذ عام 1948.

يا سيد وسيم، الشعوب لم تقم بثورات الربيع إلا بسبب الظلم الاجتماعي والقمع والقهر، وكبت الحريات التي مارستها الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، وتلك الثورات التي تصفها بالمجنونة، لم تكن سوى محاولة جماهيرية لنيل الحريات والحقوق المسلوبة. وإن كنت تبرئ أصدقاءك من تشتيت شعب مصر، وتدمير سوريا، وتحطيم ليبيا، وتمزيق لبنان، فالشعوب ليست مسؤولة عن ذلك الخراب، إنما يُسأل عنه رعاة الثورات المضادة، الذين دعموا ومولوا الانقلاب على الشرعية، والسطو على إرادة الشعب المصري، ودعموا ومولوا الانقلابي حفتر في ليبيا، بعد أن انتصرت الثورة، وأقاموا أقوى علاقات اقتصادية مع إيران، الحليف الأول لبشار قاتل شعبه، وإن كنت تبرئ حلفاءك الصهاينة من التسبب المباشر، فإنهم في الأساس هم السبب في تشتيت الأمة والنزاع بين الدول الإسلامية والعربية بصورة غير مباشرة، بتلك المؤامرات التي يحكيها الكيان الصهيوأمريكي، ليل نهار للسيطرة على هذه الأمة. يا سيد وسيم، إن كنت تتهم الأمة بأنها من أنتجت داعش، فأنت حتما تغض الطرف عن تورط أصدقائك في صناعة هذه الجماعة الإرهابية، فالعالم كله بات يعرف أنها صناعة استخباراتية أمريكية إسرائيلية بريطانية، وهذا ما كشف عنه إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، الذي نشر تلك الوثائق على موقع «ذي انترسيبت»، تفيد بتعاون أجهزة المخابرات المذكورة بخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من شتى بقاع الأرض في مكان واحد، في إطار عملية يرمز لها بـ»عش الدبابير»، وكشفت التسريبات خضوع زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي لدورة مكثفة وتدريبات عسكرية على أيدي عناصر بالموساد، وهو أمر يعضده الواقع، فداعش عندما دخل سوريا كانت 75% من أرضها بيد الثوار، لكن الأمر اختلف بعد دخول التنظيم، الذي وجه عملياته تجاه ثوار المعارضة، بزعم أنها تيارات علمانية، فقلبت الموازين لصالح الأسد.

وفي العراق لم يتدخل إلا في مناطق السنة، وقام بنزع أسلحتهم، ثم تركهم بلا حماية أمام ميلشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران. وفي ليبيا لم يدخل تنظيم داعش على الخط، إلا بعد أن رجحت كفة الثوار، وكان التدخل يصب في صالح قوات حفتر. يا سيد وسيم، هذا الشعب الصديق الذي تشيد به، يضم أكثر من خمسة وعشرين تنظيما إرهابيا يهوديا، قام بتخطيط وتدبير وتنفيذ مسلسلات الجرائم والانتهاكات ضد الأماكن المقدسة، ويضم أكثر من 125 جماعة يهودية متطرفة، تخصصت في المساعي الهادفة إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل.

نأمل أن يعود وسيم يوسف إلى صوابه، ويكف عن تغليف القرارات السياسية لولي أمره بغلاف الدين، سيزول الاحتلال، ويزول الحكام، وتبقى الشعوب وصفحات التاريخ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وسوم: العدد 895