نصوص ونصوص..وفقه وفقه.. (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ)

ويسوق بعض أصحاب الأغراض نصوصا شرعية حينا ، وتراثية أخرى بطريقة انتقائية ، يرصفونها رصفا للدفاع عن رأي ، أو تأييد موقف . والانتقاء على مقاعد التحقيق العلمي ليس من شأن الراشدين ، وإن كان يصح أحيانا في مناهج الوعاظ والقصاص ، حتى استساغوا الوعظ بالضعيف من الحديث الشريف ، ترغيبا أو ترهيبا .

ورصف أحدهم كلاما عن أئمة أعلام في تحريم الخروج على الحكام . وكأنه يبغي من كل ما نقل تجريم المظلومين والالتحاق أو الالتحاف بملاءة الظالمين .

وكأنه يريد أن يقول أن هذا القتيل المظلوم المتشحط بدمه على يد قاتله يستحق ما جرى له لأنه لم يقبل قول الحسن البصري ولا كلام ابن سيرين !!

وأول ما نبدأ أن نعيد أن الانتقاء على مقاعد التحقيق العلمي ليس من عمل الراشدين .

ثم نزيد فنقول إن للكلام المنتقى - إن صح بعد التحقيق - له سياقات وله ظروف . يلحق بها ويحسب عليها ، ويفهم في إطارها فحديث الحسن البصري عن سلطان زمانه وكان منهم عمر وسليمان وهشام .. لا يمكن أن يجر إلى مجرمي عصور آخرين !!

أكل امرئ تحسبين امرأ ؟!!

وقد يشيع التحذير من الأمر وينتشر على ألسنة الوعاظ ، ويحكم عليه الفقهاء حسب ظرفه بواحد من الأحكام السبعة ، حسب تغير الأحوال .

فالفتاوى الظرفية ونقصد بها المتغيرة بتغير الأحوال ، ليست ثابتة ماضية مثل نواقض الوضوء ومفسدات الصلاة .. وهذا أمر جدير بالفهم وحسن التقدير ..

تنقل نواقض الوضوء ومفسدات الصلاة من أي كتاب مهما علا .. وفتاوى الاجتماع والسياسة منها لكل عصر ما قرر من كان إليهم رجع الفتوى فيه ، تقبل فتواهم ما تحرروا من طمع أو فزع..

وفقهنا المعتمد في عموم كتب فقهنا نحن أهل السنة أن الخروج على الحاكم بحمل السيف ، أمر محظور صعب لما يجر من آثار وفتن مرعبة وهذا هو أصل الأمر ، وعليه مضى فقه الوعظ والترهيب .

ولكن عندما يجد الجد ، ويحزب الأمر ؛ يقولون : الفتوى تقدر بقدرها . زمانا ومكانا وظرفا وأشخاصا وأطرافا وقوة وضعفا ..

مثل هذه الفتاوى تكتب بأدق من رؤوس الإبر على صفحات المقل . وكان في ثورة الأمة على الحجاج خير مثل لمن أراد أن يحتج بفقه أو بدين ، وقد سميت ثورة ابن الأشعث ، بثورة القرّاء - الفقهاء - لما اجتمع في جيشه منهم وحسبه أن كان فيهم : الشعبي أمير المؤمنين في الحديث ، وسعيد بن جبير من سادات التابعين ، أم تقولون إن هؤلاء كانوا لا يفقهون ولا يعلمون ؟!!!!

أمران آخران

الأول ان مراجعة الرأي ، وإحداث الموازنات إنما يصح في ثورة أو في خروج بني على قرار ، وليس على حالة... خرج الناس يطلبون حقهم من الشرير بلا حجر ولا عصا فتمادى عليهم بالقتل والذبح والانتهاك ..حتى كان الذي كان

والأمر الآخر لا يختلف العلماء الفقهاء في حق المسلم في رد الصائل بما يرتد به .

الصائل هو الرجل الذي يصول على الناس ليسلبهم حياتهم أو حريتهم أو ينتهك أعراضهم أو يغتصب أموالهم . ولا تختلف نصوص الشريعة الكتاب والسنة ، في حق الإنسان الأولي في الدفع عن نفسه . يقول تعالى (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ)

ومن الحديث الشريف الصحيح سؤال أحد الصحابة

" أرأيت لو جاء رجل يريد أن يأخذ مالي ؟

قال : لا تعطه مالك

قال : أرأيت إن قاتلني ؟

قال : قاتله ..

قال : أرأيت إن قتلني ؟

قال : أنت شهيد

قال : أرأيت إن قتلته ؟

قال : هو في النار .

إذن إن حشد النصوص بطريقة انتقائية لتجريم المظلومين والدفاع عن الظالمين هو إخراج لها عن سياقاتها ، وذلك أمر ليس من العلم ولا من العقل ولا من الدين في شيء.

ولا نعتقد أن أحدا من أهل الدين والعلم والعقل أراد للأمور في سورية أن تصير إلى هذه المسارات ، ولكنها إرادة الطغاة التي تجاوزت كل الحدود

ولولا فقه المثبطين والخاذلين والمتخاذلين لكان للوضع في سورية شأن آخر ...

فقيه ينظر إلى المظلوم يذبح ويسلخ وينتقد عليه : لقد رأيته يرد عن نفسه بيده الشمال !!

( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 897