هجمة سعودية مرتدة… تمهيدا للتطبيع

ffdggsa898.jpg 

«الأشقاء» في الخليج يحللون لأنفسهم ما يحرمونه على الفلسطينيين، يتدخلون بشؤونهم، كما يحلو لهم، لكنهم لا يسمحون لهم، ليس بالتدخل في شؤونهم وحسب، بل التعبير عن رفضهم لتدخلاتهم. يتهمون الفلسطينيين ببيع أراضيهم والتخلي عن قضيتهم والعيش في الخارج بنعيم. يشككون بالتاريخ النضالي للشعب الفلسطيني المتواصل، من دون كلل منذ أكثر من قرن، يقولون إن قضية فلسطين لم تعد تعنيهم وإن اليهود أولى بفلسطين من الفلسطينيين.

يلومون نتنياهو لأنه لم يخلصهم من الفلسطينيين ناكري الجميل، يستكثرون على الفلسطينيين أن يمسكوا بزمام قراراتهم، ويعتبرون ذلك خروجا عن الخط، غير مسموح به، ولكن يحق لهم الدوس على قراراتهم ومبادراتهم، يدوسون على قرارات هم اتخذوها، ولا يحترمون مبادرات هم طرحوها (مبادرة السلام العربية) ويتوقعون من الفلسطينيين عدم الاعتراض. يتخلون عن القدس والمسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول، ويشككون بقدسيته وحق المسلمين به. يقولون إن الحرم المكي والحرم المديني هما فقط حق للمسلمين وقبلتهم، وإن الأقصى من حق اليهود. ويستشاطون غضبا من الدعوات لنقل مسؤولية الحرمين لهيئة إسلامية دولية.

يطلبون من الفلسطينيين أن يتنازلوا عن 90% من فلسطين التاريخية مقابل ثمن بخس ويتوقعون منهم أن يشكروهم على هذا الكرم.

يطالبون الفلسطينيين بالتخلي عن حقهم بالعودة الوارد في قرارات الامم المتحدة ذات الصلة ويحاولون احباطهم بالتأكيد على أن قرار العودة 194 غير قابل للتطبيق. ويستخفون باللاجئين الفلسطينيين الذي لا يزالون يحتفظون بمفاتيح منازلهم ليسلموها من بعدهم لابنائهم واحفادهم. يوقعون على اتفاقات تطبيعية بدون تشاور مع الفلسطينيين ويستكثرون على الفلسطينيين رفضها ووصفها بالخيانة والطعن بالظهر. يسمحون لأنفسهم بان يذهبوا إلى آخر المشوار، دفاعا عن «مصلحة» عابرة، ويهاجمون الشعب الفلسطيني لدفاعه عن قضية ووطن وتاريخ. ويتوقعون من شعب جريح بحراب أهله واشقائه أن يتعامل معهم بتعقل. يتماهون في تصريحاتهم مع الناطقين والمسؤولين الإسرائيليين، ومع عتاة المستوطنين وعبر وسائل إعلام صهيونية، ويستكثرون على الفلسطينيين أن يعقدوا اجتماعا لهم في تركيا.

دولة الاحتلال لم تعد بحاجة إلى ناطقين باسمها، فبعض المسؤولين في نظام أبوظبي يقومون بهذه المهمة وعبر وسائل إعلام إسرائيلية على أكمل وجه ومن دون مقابل. فها هو مسؤول إماراتي يكرر وصف نتنياهو للفلسطينيين بأنهم «ما زالوا يعيشون في الماضي»، ويطالبهم بالعودة إلى المفاوضات، كيف وعلى أي أساس مش مهم.. ولم ينس المسؤول الإماراتي التأكيد على أنه في حال اندلعت حرب بين غزة والاحتلال فإن العلاقات بين بلاده وتل أبيب «لن تتأثر». وراح رجل الأعمال الإماراتي خلف البحتور إلى ما هو أبعد، بالقول لوسيلة إعلام إسرائيلية أيضا، أصبحت السبيل لتمرير الرسائل: «ثمة حجّة منطقية تقول إن الإسرائيليين متعنّتون. ولكن يمكن أيضاً قول الشيء نفسه عن الفلسطينيين، الذين لا يزالون يصرّون على حق العودة للاجئين من سوريا والأردن ولبنان وبلدان أخرى. لن يحدث ذلك أبداً، وهم يعرفون ذلك حق المعرفة».

يحلل «الأشقاء» في السعودية لأنفسهم الغضب من «التطاول الفلسطيني»على قيادات خليجية متورطة في التطبيع، ولا يرون جريمة في التطاول على قضية شعب وتاريخه ونضالاته، بل خيانته. وبعد أن فشلوا في زعزعة الصمود الفلسطيني، وعندما باءت كل محاولات صغار المسؤولين وأبواقهم الإعلامية والمتأسرلين في إرباك الموقف الفلسطيني، دخل النظام السعودي، هذه المرة وبثقل غير مسبوق إلى ساحة الحرب على الفلسطينيين، من دون سابق استفزاز فلسطيني رسمي على الأقل. مستخدما لأول مرة مدفعية من العيار الثقيل، ليس دفاعا عن حكام أبوظبي والبحرين، الذين سبقوهم إلى التطبيع فحسب، بل إلى ما هو أبعد من ذلك.

سمح النظام السعودي ولأول مرة لأحد افراد الأسرة الحاكمة، بشن هجوم كاسح وغير مسبوق على القيادة الفلسطينية، التي لن ندافع عنها بأي شكل من الأشكال. وتكمن خطورة دخول الأمير بندر بن سلطان إلى أرض المعركة، وهجومه على القيادة الفلسطينية، في أنها لم تأت على لسان إعلامي يريد أن يسترزق، أو يريد تبييض وجهه أمام بن سلمان، وهم كثر، بل جاءت على لسان أمير من العيار الثقيل، تبوأ منصبي سفير لدى واشنطن ورئيس جهاز الاستخبارات. أمير يحتل ابنه وابنته منصبي السفير في أهم عاصمتين/ لندن وواشنطن. ومن هذه الزاوية تقرأ هذه التصريحات.

انتقد بندر بن سلطان، وعلى نحو غير مسبوق من مسؤول من الأسرة الحاكمة، مواقف القيادة الفلسطينية من عمليات التطبيع مع إسرائيل. ووصف ردود فعلها على الدول المطبعة في ثلاث مقابلات مع قناة «العربية» التابعة لمحمد بن سلمان بـ»العدوان المستهجن وغير المقبول»، وكذلك «بالمستوى المتدني والواطي، ومؤلم وكلام لا يقال». مضيفا «ليس غريبا استخدامهم مصطلحات مثل طعن في الظهر وخيانة، لأن هذه سنتهم في التعامل مع بعض». واستهجن بندر ما وصفه بـ»تجرؤ الفلسطينيين وقيادتهم بكلام الهجاء ضد قيادات الخليج»، واعتبره «أمرا غير مقبول ومرفوض». وفي كلمة أراد بها باطلا قال بن سلطان، «إن القضية الفلسطينية عادلة لكن المدافعين عنها فاشلون».

وترى صحيفة «فايننشال تايمز» وهي من الصحف الرزينة في بريطانيا، في تصريحات بن سلطان مقدمة لموقف سعودي متشدد من الموضوع الفلسطيني، وتثير تكهنات حول اعتراف سعودي وشيك بإسرائيل. وقالت الصحيفة إن تصريحات بندر لم تأت على قناة «العربية» التابعة لولي العهد بدون موافقة من البلاط الملكي السعودي. ونقلت عن مايكل ستيفنز الزميل في المعهد الملكي للدراسات المتحدة «روسي» في لندن القول: «هذه سياسة الحكومة السعودية لتعبيد الطريق أمام مزيد من التطبيع مع إسرائيل، لأنها تلوم القيادة الفلسطينية مباشرة، وتخلق مساحة لها لكي تبدأ عمليتها الخاصة». كان الأولى بالأمير السعودي بن سلطان، أن يتحلى بالشجاعة والجرأة ويعلن الأهداف الخفية لضربته الاستباقية غير المستفزَّة وغير المبررة، وألا يضع نفسه حامي حمى الإمارات والبحرين، إذ لم يتطرق مسؤول فلسطيني إلى النظام السعودي وقياداته بسوء بعد، حتى تخصص قناة «العربية»3 حلقات ليكشف فيها بن سلطان، حسب زعمه، خفايا العلاقات.

وأخيرا بينت نتائج استطلاع رأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وشارك فيه نحو28 ألف شخص من13 بلدا عربيا، أن 88% من المشاركين يرفضون اعتراف بلدانهم بإسرائيل، مقابل 6% من المستجيبين أفادوا بأنهم يقبلون الاعتراف بشرط إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وأوضحت النتائج أن أعلى نسبة رفض للاعتراف بإسرائيل كانت في الجزائر بنسبة 99%، تليها لبنان بنسبة 94%، ثم تونس والأردن بنسبة 93%. أما في منطقة الخليج، فإن ما نسبته 90% من المشاركين في قطر والكويت و65% في السعودية يرفضون الاعتراف. وأظهر الاستطلاع بالمجمل أن 78% يرون في القضية الفلسطينية قضية جميع العرب. وترتفع هذه النسبة في السعودية لتصل إلى 89%.

واختتم باغنية وضع كلماتها الشاعر الفلسطيني محمود التميمي، ردا على الأغنية الإماراتية، التي وصفت بالمستفزِّة بعنوان «خذني زيارة لتل أبيب. أرجوك يا الشهم اللهيب. أنا بدوي ولهجي غريب. عاشت إمارات السلام». وتقول كلمات التميمي التي لحنها وغناها المطرب الفلسطيني الشاب عمار حسن: «لا من ملبي ولا من مجيب. في القدس يندلع اللهيب. والشمس من بعد المغيب. حتما ستشرق يا لئام. خضنا المعارك والحروب.. نمضي ولا ننوي الهروب. فاحذر إذا اقترب الهبوب. حتما سنعصف يا لئام.

الله من أعلى يراك. أوديت نفسك للهلاك لم يألب الخزي سواك. مرغت نفسك بالرغام.

أسلمت أمرك من غوت. وصراط دربك الْتَوت. وخزائن الدين خوت. خدعوك في جبب السلام. باسم المعارف والعلوم. أفواهكم نطقت شالوم. وتجرعت ثمرة زقوم. وتغيرت لغة الكلام. الحر دوما يرعوي. عن سائس نتن غوي. أنت كنت حقا بالقوي. فارأف بقدسك أن تضام. أرهقت نفسك يا ذلول. فارجع إلى من وهب العقول. وتنض من اثر الكحول. واستل للباغي الحسام. لا من ملبي ولا من مجيب. في القدس يندلع اللهيب. والشمس من بعد الغيب. حتما ستشرق يا لئام».

وسوم: العدد 898