نور الإسلام وظلام العلمانية الفرنسية

من العبارات المتداولة في ثقافتنا العربية الإسلامية القول لمن يجوز قدره ولا يعرفه فيجلس دونه : " هل أنت مالكي أكثر من مالك؟ " . وعلى غرار هذه العبارة يمكن استعمال عبارة مشابهة لها تقال لأذناب العلمانية في بلادنا من أمثال أحمد عصيد وسعيد لكحل، ومن ينحو نحوهما في الدعاية المجانية للعلمانية في بلد مسلم وهي : "  هل أنتم ماكرونيون أكثر من ماكرون " .

مرة أخرى وعلى صفحة موقع هسبريس الذي ندب نفسه لخدمة التوجه العلماني نشر المدعو سعيد لكحل مقالا تحت عنوان : " الإسلام السياسي وأنوار باريس " ساند فيه قرار الرئيس الفرنسي بالتضييق على الجالية المسلمة من أصول فرنسية وغير فرنسية على حد سواء  من خلال اعتزامه فرض قرارات تنزيل هذا التضييق التي سيصادق عليها قبل حلول موعد الانتخابات سنة 2022 عسى أن يشفع له ذلك  للفوز بفترة رئاسية ثانية  .  

وإذا ما وقفنا عند عنوان المقال وفق منهجية استنطاق عناوين  النصوص نجد صاحب المقال في عنوانه  يقابل بين أنوار باريس والإسلام السياسي مقابلة أمرين على طرفي نقيض ،ذلك أن أنوار باريس التي ترمز إلى التوجه العلماني تقابل ظلام الإسلام الذي ينعته التوجه العلماني بنعت السياسي الذي يعتبره نعتا قدحيا . والمثير للسخرية أن التوجه العلماني يبيح لنفسه ممارسة السياسة التي ينكرها على الإسلام . والسياسة في التوجه العلماني أمر محمود بالنسبة إليه ولكنه أمر قدحي بالنسبة للإسلام .  ومن ضيق أفق التوجه العلماني استئثاره بالسياسة دون الإسلام ، وهو موقف إقصائي  متشنج ، ذلك أن مفهوم السياسة هو ببساطة تدبير أمور أو شؤون الناس وفق تصور معلوم ، وبناء على هذا لا يمكن ولا يعقل نفي السياسة عن الإسلام كما لا يمكن نفيها عن غيره من التوجهات العقدية على اختلاف أنواعها . فإذا ما ساست العلمانية أهلها وفق قناعتها ، فإن الإسلام يسوس أيضا أهله وفق قناعته  . والعلمانية بإنكارها وجود سياسة في الإسلام تروم بذلك الاستحواذ على تدبير شؤون وأمور الناس في حياتهم  وفق قناعتها مستبدة بهم ومدعية أنه لا بديل لهم عن تدبيرها لشؤونهم وأمورهم أو لسياستها  لهم ، وهذا أمر مثير للسخرية .

وخلاصة القول في عنوان هذا المقال أنه يتضمن إدانة الإسلام الذي عمره هو عمر البشرية منذ خلق آدم عليه السلام ، وقد أكمله الله تعالى منذ خمسة عشر قرنا ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليكون دينا عالميا  مقابل الإشادة بالعلمانية الفرنسية التي عمرها  يتجاوز قرنا واحدا  فقط بخمس عشرة سنة .

ودون الخوض فيما خاض فيه صاحب هذا المقال ،وقد أغنى عن ذلك  ما جاء في كلمة الرئيس الفرنسي العلماني ماكرون، لأن العلماني سعيد لكحل لن يكون أكثر أو أرسخ علمانية منه  ، وإن كان في مقاله يتنطع في كلامه لإظهار حذقه بالعلمانية ، وبذلك قد بلغ من إدانة الإسلام وأهله مبلغا لم يبلغه الرئيس الفرنسي مع ما يضمره للإسلام من حقد صليبي علماني واضح ، وأراد بذلك  أن يظهر ماكرونيا أكثر من ماكرون وأمكر منه في حقده على الإسلام وأهله.

وما نريد إثارته تحديدا في هذا الموضوع هو عبارة عن تحد للعلماني سعيد لكحل الذي أظهر في مقاله معرفة كبيرة  بمصادر تمويل ما سماه الإسلام السياسي الذي حشر تحت لوائه جماعة الدعوة والتبليغ مشككا في تبرئها المعروف من السياسة متهما إياها بالتمويه على ذلك ،وبعلاقتها بالسلفية  ،وهي إسلام خليجي سعودي أو قطري  تحديدا باعتبارها تمدها بالفكر المتطرف ، كما حشر تحته  أيضا جماعة الإخوان المسلمين  ، وما سماه الإسلام التركي ... وغير ذلك مما جاء في مقاله. والتحدي  المطروح عليه هو ما دام قد أظهر علما ومعرفة وخبرة  واسعة بالإسلام السياسي ومكوناته  وبمصادر  تمويله ، لا شك أنه على نفس العلم والمعرفة والخبرة بالتيارات العلمانية التابعة للعلمانية الفرنسية في مستعمرات فرنسا السابقة، وبالجمعيات و الهيئات والمنظمات التابعة لها، وبمصادر تمويلها إذ لا يعقل أن تكون للإسلام السياسي مصادر تمويل ، ولا تكون في المقابل للعلمانية مصادر تمويل . ولا يمكن أن يكون لكحل يعرف معرفة دقيقة مصادر تمويل الإسلام السياسي دون معرفة مصادر تمويل العلمانيات في المستعمرات السابقة  ربيبات العلمانية الفرنسية .

ولو انبرى أهل العلم والمعرفة والخبرة بمصادر تمويل العلمانية في مستعمرات فرنسا السابقة لأفحموا سعيد لكحل وأخرسوه عن الكلام، علما بأن هذه المصادر معلومة  ومكشوفة يعرفها الداني والقاصي .

ومقابل ما ينسبه لكحل للإسلام السياسي من تهديد للعلمانية الفرنسية من خلال ما سماه التفافا على قوانينها لإقامة قيم مغايرة لها ،يوجد تهديد للإسلام  في بلاده  والتفاف علماني فرنسي على قوانينه  فوق الأراضي الفرنسية وخارجها في مستعمرات فرنسا السابقة . وما ينشره موقع هسبريس لعصابة العلمانيين المغاربة  الذين ينوبون عن العلمانية الفرنسية في تهديد الإسلام من خلال السعي لإقامة قيم علمانية عوضا عن قيمه خير شاهد على التغلغل العلماني الفرنسي في بلدنا المسلم الذي ينص دستوره الذي صوت عليه الشعب  المغربي بخط عريض على إسلامه .

ومن المثير للسخرية أن العلمانيين المغاربة الذين تستأجرهم العلمانية الفرنسية لتغلغلها في بلدنا وغيره من البلدان العربية المسلمة التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي  يموهون على حقد فرنسا العلمانية  وحقدهم كعلمانيين على الإسلام بالتفريق بين ما يسمونه إسلاما معتدلا وإسلاما سياسيا أو سياسويا على حد تعبيرهم ، وتصنيفهم هذا يوحي بأنهم هم من يمثلون ما يسمونه الإسلام المعتدل وهو الخاضع للعلمانية  المقر لها بالسيادة والهيمنة ، والقابل لأن يكون على هامش الحياة ،  بينما تكون هي في عمقها ، وأن يكون عبارة عن طقوس ،أما إذا ما نازع الإسلام العلمانية في مشاركتها الحياة فهو سياسي أو سياسوي يستوجب الإقصاء وشن الحرب التي لا هوادة فيها عليه.

ونتساءل لو أن أحدا صنف العلمانية إلى علمانية معتدلة وأخرى متطرفة ،فهل سيوافق العلمانيون على ذلك ؟ بطبيعة الحال لن يقبلوا بذلك ،لأن العلمانية غير قابلة للتقسيم والتصنيف  عندهم كما هو الشأن بالنسبة للإسلام  في تصورهم واعتقادهم .

وبقيت كلمة أخيرة، وهي وقفة عند عنوان هذا المقال : " نور الإسلام وظلام العلمانية الفرنسية " كالوقفة عند عنوان مقال العلماني سعيد لكحل ،والتي نقابل فيه بين مدح الإسلام كما وصفه الخالق سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ، وبين قدحه لما سواه من أنواع الضلال، ومنها ضلال العلمانية عموما و العلمانية الفرنسية خصوصا وعلمانيات المستلبين  مصداقا  لقوله تعالى : (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )).

 صدق الله العظيم . 

وسوم: العدد 898