مروءات الخوَنة !

وهل للخوَنة مروءات ؟ أجل ؛ إنها مروءات تُناسب خياناتهم ! 

في النصف الثاني ، من القرن العشرين المنصرم ، راجت مجموعة ، من الأفلام والمسلسلات ، الجاسوسية المصرية .. تصوّر أبطالاُ ، من أجهزة المخابرات المصرية ، استطاعوا أن يخترقوا ، أمن الجهاز الصهيوني ، في دولة إسرائيل ، وأن يحقّقوا إنجازات باهرة ، في هذا المجال ؛ ممّا ملأ صدر الإنسان العربي البسيط ، بالثقة الزائدة بالنفس ، وبمقدرة حكّامه الأفذاذ ، على صنع البطولات الجاسوسية ، ضدّ جهاز الموساد الصهيوني ، صاحب الشهرة العريضة ، في عالم التجسّس والاختراق ، وتسجيل النقاط القويّة ، ضدّ الأجهزة المعادية ، من عربية وغيرها ؛ إذ استطاع جهاز الموساد ، هذا ، أن يمارس عمليات اغتيال ، ضدّ رؤوس كبيرة ، من المناضلين الفلسطينيين .. وغيرهم ! 

 تباهت ، كثيراً، أجهزة المخابرات المصرية ، بالقصص الجاسوسية، التي كتبها لها، كتّاب السيناريو المختصّون فيها ، وأخرجها مخرجون مهَرة مختصّون ، ومثّلها بعضٌ من أشهر الممثّلين المصريين .. فجاءت ملء السمع والبصر والقلب .. وجلبت بعض النوم الهادئ، للعيون العربية ، التي مَنَع عنها النوم ، ماكانت تعانيه من قلق ، على مصير شعوبها وأوطانها ، إزاء التهديدات والتحدّيات الصهيونية المستمرّة ، لأمنها ، وأمن دوَلها وبلدانها ! ومِن أشهر هذه المسلسلات : رأفت الهجّان !  

كان الصراع الجاسوسي - في أكثريته – يدور، بين فئات مختلفة متصارعة ، داخل أجهزة الاستخبارات المصرية : بعضُها يُكنّ ولاء لهذا الحاكم المصري ، وبعضُها يعلن الولاء ، للحاكم الآخر! وكان كلّ فريق يسعى ، إلى إظهارعهد زعيمه ، بمظهر قويّ ، يبدو فيه الزعيم : بطلاً قومياً واعياً ، حريصاً على أمن بلاده وأمّته ، قادراً على اختراق الجهاز المعادي ، مهما كان ذاك قويّاً متمرّساً ! 

وكان الصراع الظاهري - مع الموساد ـ مجرّد تُكّأة ، يتّكئ عليها كلّ فريق ، في المخابرات المصرية ، لتلميع العهد الذي صنعه زعيمه ! وقد يكون لبعض القصص الجاسوسية ، بعض الظلال من الحقيقة ، في بعض المراحل ، وقد يكون لدى بعض صنّاع هذه المسلسلات ، إخلاص حقيقي ! لكنّ المبالغات ، التي هيمنت على هذه القصص ، أضفت على كثير منها ، طابعاً بطولياً نادراً ، يكذّب الواقعُ أكثرَه ! 

فما الحال ، اليوم ، بعد أن تكشّفت الخيانات العجيبة ، عبر صلات بعض الزعماء ، بالعدوّ الصهيوني ؛ بل بعد أن أعلن بعضُ الحكّام ، بلسان الحال ولسان المقال ، ارتباطهم ، بعدوّ الأمّة التاريخي الشرس ، وعلى أعلى مستويات السلطة ، وفي أدنى درجات الانحطاط،  الذي خُلع عليه ثوب السياسة ، ليمنحه بعض القبول ، لدى الشعوب !  

هل بقي ، لدى فرسان الارتماء والانبطاح ، مروءات قومية ، أو وطنية ، تمنعهم من التآمر، ضدّ أمّتهم ؟ أجل ؛ بقيت لديهم مروءات حقيقية ، تدفعهم ، إلى أن يحبسوا كلّ مواطن ، في بلادهم ، يعترض على ارتمائهم ، في أحضان عدوّهم ؛ بل تدفعهم ، إلى نزع المواطَنة ، ممّن يخالف انبطاحهم لعدوّهم ، وارتماءهم في حضنه ؛ بحجّة قويّة يملكونها ، هي : الحرص على مصلحة الدولة ، من ناحية .. وعلى الأمن القومي للأمّة ، من ناحية ! والأهمّ هو: الوفاء بالوعود ، التي قطعوها لعدوّهم ، والعهود التي أبرموها باسم الأمّة ، لهذا العدوّ، وحلفائه الكبار، الذين حضروا شهوداً ، على خياناتهم لأمّتهم .. وشهوداً على التزامهم ، بوعودهم وعهودهم المقدّسة ! أفليس حِفظُ الوعود ، والالتزام بالعهود .. من المروءات !؟ 

وسوم: العدد 902