التَّرْبِيَةُ دِينٌ نُدَانُ بِهِ لِلْمُعَلِّمِينَ وَالآبَاءِ

أَحْمَدُ إِبْرَاهِيمُ أَحْمَدُ مَرْعُوه

مَا أَجْمَلَ القِيَمِ وَالأخْلَاقِ عِنْدَمَا تَسُودُ كُلُّ التَّعَامُلَاتِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، نَعَمْ مَا أَجْمَلَهَا عِنْدَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُسْدِيَ نُصْحًا وَإِرْشَادًا، أَوْ نَصْنَعَ مَعْرُوفًا لِإِنْسَانٍ هُوَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ، فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الْمَطَالِبُ وَالْعَوَزُ وَالْحَاجَةُ، وَلَا وُصُولَ وَلَا اِتِّصَالَ، إِلَّا بِمَدِّ  يَدِ الْعَوْنِ وَالْمُسَاعَدَةِ، لَا لِلْفُرْقَةِ وَالْمُبَاعَدَةِ!

فَمَاذَا يَضِيرُ عِنْدَمَا نَعْتَرِفُ بِمَعْرُوفٍ لِإِنْسَانٍ أَهْدَانَا نُصْحًا أَصَبْنَا مِنْ خِلَاَلِهِ الصَّوَابَ، فَنَجَوْنَا مِنَ الْهَلَاَكِ، وَمَاذَا عَلَيْنَا لَوْ أَبْدَيْنَا إِعْجَابًا بِقِيَمٍ جَمِيلَةٍ، وَأخْلَاقٍ سَامِيَةٍ، أُرْسِيَتْ مِنْ مُعَلِمٍ فَاضِلٍ فِي تَلَامِيذِهِ الصِّغَارِ مِنْهُمْ وَالْكِبَارِ، فَصَارُوا وُرَُودًا وَسَابِلًا  تَزْدَهِرُ بِهَا حُقُولُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، تِلْكَ الْحُقُولُ الَّتِي تُظِلُّ دَوْمًا سَنَابِلَهَا يَانِعَةً، تُبَشِّرُ بِالْخَيْرِ الْوَفِيرِ الَّذِي وَإنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ سَيَعُمُّ الْعَالَمَ، خَاصَّةً عَالَمَ الْمَعْرِفَةِ.

هَذِهِ الْوُرُودُ الَّتِي نَأْمَلُهَا، لَا بُدَّ وَأَنْ تَنْشُرَ الْعَبِيرَ وَالرَّحِيقَ فَتَتَفَتَّحُ لَهَا صُدُورًا رَحْبَةً، فَيَسْرِي فِي أَوْصَالِهَا نَوْمٌ هَانِئٌ تَأْتِي مِنْ بَعْدِهِ يَقِظَةً فَاعِلَةً وَاعِيَةً، وَمَا أَجْمَلَ هَذِهِ الْحَيَاةَ عِنْدَمَا تَحْتَضِنُ الْأُمُّ صِغَارَهَا، وَتَفِيضُ عَلَيْهِمْ بِحَنَانِهَا، وَتَحْدُبُ عَلَيْهِمْ بِعَطْفِهَا، فَيَزْدَادُوا حُبًّا وَحَنَانًا لَهَا مَعَ سَابِقِ حُبِّهِمْ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ نَشْوَةِ الْحَيَاةِ وَجَمَالِهِا، لِيَشُبُّوا عَلَى الْحُبِّ لِأَهْلِهِمْ وَذَوِيهِمْ، عَارِفِينَ بِالْفَضْلِ لَهُمْ وَمُقَدِّرِينَ بِالْعِرْفَانِ لِجَمِيلِهِمْ، فَلَوَلَاهُمْ بَعْدَ اللهِ - مَا دَبَّتْ فِيهِمْ الْحَيَاةُ!

وَكَيْفَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَالْأُخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعًا، نَعَمْ كَيْفَ يُكْرِهُ الْاِبْنُ وَالِدَيْهِ وَهُمَا اللَّذَانِ سَهِرَا عَلَى تَرْبِيَتِهِ، وَمِنْهُمَا لِلْفَضَائِلِ قَدْ تَعَلَّمَ، وَلِلصَّالِحِ قَدْ مَدَحَ، وَلِلْفَاسِدِ قَدْ ذَمَّ، وَبِذَا قَدْ فَهِمُوا فُنُونَ التَّعَامُلَاتِ الْأخْلَاقِيَّةِ، فَلَا هُمْ يُجَاوِزُونَ فِي مَدْحٍ، وَلَا هُمْ يُخْطِئُونَ فِي رَثَاءٍ.

وَمِنْ هُنَا نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ: إِنَّ التَّرْبِيَةَ السَّلِيمَةَ دِينٌ نُدَانُ بِهِ نَحْنُ الْأَبْنَاءُ لِلْآبَاءِ، دِينٌ بِلَا حُدودٍ، دِينٌ بِلَا مُسْتَنَدَاتٍ، وَبِلَا تَوْقِيعَاتٍ، خَالِيَةٍ مِنْ كُلِّ مَوَاعِيدِ السَّدَادِ، فَلَا تَارِيخَ وَلَا تَوَارِيخَ هُنَاكَ، وَلَا أَرْقَامَ وَلَا ضَمَانَاتٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا ضَمَانٌ وَحِيدٌ هُوَ ضَمَانُ الْحُبِّ وَالْعِرْفَانِ!

الْوَفَاءُ وَرَقَةٌ نَاصِعَةُ الْبَيَاضِ، كُلُّ ضَمَانَاتِهَا الْإِخْلَاَصُ وَالصَّفَاءُ، وَلَا بُدَّ لِلْاِبْنِ الْبَارِّ أَنْ يَعْتَرِفَ لِوَالِدَيْهِ وَلِمُعَلِّمِيهِ بِالْجَمِيلِ وَالْوَفَاءِ، كَيْلَا يَضِيعَ مِنَ الْحَيَاةِ مَعْنَى الْوَفَاءِ، وَيَتُوهَ فِي زَخَمِ الْحَيَاةِ الَّتِي يَتَخَلَّى فِيهَا عَنِ الْوَاجِبِ غَالِبِيَّةُ الْأَبْنَاءِ.. وَلَا عَزَاءَ!

نَعَمْ يَتَخَلَّى الْبَعْضُ عَنِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ مِنْ أَجْلِ الدِّينَارِ وَالدُّولَارِ الَّذِي لَا يُورِثُ حُبُّةُ إِلَّا الدَّمَارَ، وَفَسَادَ الْعَقَائِدِ، وَتَخْرِيبَ الذِّمَمِ وَالضَّمَائِرِ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ وَالضَّيَاعَ وَالْاِنْهِيَارَ، وَالْخَوْفَ أَكْثَرَ مِنَ التَّمَادِي فِي الْاِسْتِمْرَارِ.

بِاللهِ عَلَيْكُمْ: أَيْنَ هِي الرَّحْمَةُ إذاً، أَيْنَ الشَّفَقَةُ، بَلْ أَيْنَ الْإِنْسَانِيَّةُ، وَأَيْنَ هِي الْأخْلَاقُ الَّتِي بَقِيَتْ!

رُدُّوا  الدِّينَ - رَدُّوا الْفَضَائِلَ إِلَى أهْلِهَا قَبْلَ أَنْ تُرَدُّوا إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، قَبْلَ أَنْ تَحْتَاجُوا الْأَبْنَاءَ فَيُحَاسِبُوكُمْ وَقَدْ تَنَاسَيْتُم الْأهْلَ مِنْ ذِي قَبْلُ، فَنَسُوكُمِ الْيَوْمَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ نَسِيتُم اللهَ.. فَأَنْسَاكُمْ أَنْفُسَكُمْ.

وَالسُّؤَالُ الْأَخِيرُ فِي دُنْيَا الهَوَانِ: أَيَنَامُ الْفَرْدُ مِنَّا مِلْأَ عَيْنَيْهِ، وَأهْلُهُ يَحْتَاجُونَ إِلَى الْمُسَاعَدَةِ فِي زَمَنِ الْفُرْقَةِ وَالْمُبَاعَدَةِ، وَفِي دُنْيَا تَتُوهُ فِيهَا بَعْدَمَا ضَلَّلتَ الطَّرِيقَ، وَأَنْتَ مَا زِلْتَ فِي مُفْتَرَقٍ الطُّرُقِ، عِنْدَمَا مَدَّدْتَ يَدَكَ لَا لِلْعَوْنِ بَلْ لِتُطْفِئَ كُلَّ الْمَصَابِيحِ الَّتِي كَانَتْ ومَا زَالَتْ تُنِيرُ لَكَ كُلُّ الطُّرُقَ وَالطَّرَائِقَ!

وسوم: العدد 915