الوصية

أعزائي القراء..

الشعب السوري بكل اطيافه واتجاهاته لابد انه لاحظ حالة فريدة وغريبة جداً تتعلق بنظام الحكم في سوريا  ورأسه الحاكم الذي ورث الحكم عن المغتصب الاول ، هذه الحالة الفريدة من  نوعها لم تحصل لا في بلد عربي ولا في بلاد امريكا اللاتينية  تلك البلاد التي الفت شعوبها ديكتاتورية حكامهم .

من هذا المنطلق احببت ان ادرس طبيعة النافق الاول  الذي ولاه الغرب  امرنا في سوريا مستعيناً  بآراء علماء نفس ومحللين سياسيين اضافة لتجربتي الشخصية منذ ان اشرفت على صندوق انتخابي عام ١٩٧١ عندما كنت اقضي خدمتي العسكرية في معامل الدفاع حيث كان نسبة انتخاب حافظ اسد في صندوقي الانتخابي  ٣٨٪؜ لتصبح ٩٥٪؜ في اليوم التالي 

 اول خصلة عرفتها عن النافق حافظ اسد انه لايكتب بقلم اي وصية بل يلقنها لوريثه شفهياً، واكثر من ذلك كل وعوده لامريكا واسرائيل والسوفييت لايكتبها كتابة وانما يعطيها شفاهة ويلتزم بها اكثر من الوعود الكتابية.

ومن هذا المنطلق ، فاني اتصور  ان هذا النافق كان يوجه اولاده يومياً على كيفية توريثهم الحكم وادارته ، فبدأ اولاً بتلقين النافق باسل ثم تلقين المعتوه بشار  من بعده.

واجزم ان دروسه اليومية تبدأ على الشكل التالي:

- اسمع نصائحي يا ولد، واجعلها حلقاً في أذنك، واعمل بها، وإياك أن تحيد عنها، فهي من ثبّت السلطة في يدي لثلاثة عقود، ومكنني من توريثك إياها دون أن يجرؤ أي سوري على إظهار عدم رضاه.

– حافظْ على السلطة وهي بيدك، واقبض عليها بأسنانك، فإنها إن ذهبت منّا فلن تعود إلينا؛ فالقفز إلى السلطة أمرٌ شاق، ولكن الاحتفاظ بها أمرٌ أشقّ ألف مرة، وخاصة بالنسبة إلى شخص منا، فقد استوليتُ أنا عليها وكرّستُ سلطتي المطلقة في غفلةٍ من التاريخ، فحافظ عليها، وعضّ عليها بالنواجذ.

- لاتكتب اتفاقاً وتوقع عليه اعطي وعداً شفهيا والتزم به.

- حافظ على اسم سوريا كجمهورية ولو توارثها بعدنا عشرت الاحفاد. 

- حافظ على لغة الصمود والتصدي حتى ولو ضحكت منا كل الشعوب العربية.

- حافظ على كلمة العربية الملحقة باسم سوريا ولو تحكم بها الفارسي والروسي والامريكي والاسرائيلي وكل المليشيات المستوردة.

- اكذب ولاتخشى كذبك ، فإن كذبتك الاكثرية  فهناك اقلية ستصدقك وهذا يكفينا.

- ان ثار كل الشعب ضدك فلا تخشاه فان الوعود المعطاة لنا بالمحافظة على حكمنا اقوى من ثورة الشعب

- ان تغلب عليك الشعب فاستخدم كل الاسلحة المحرمة ضده ولا تخشى الحساب .

– خذ شريعتك من القوة والغلبة، واجعل قبضتك الأمنية أساس الحكم،.

– لا تسمح للطائفة العلوية بأن تصبح طائفة بذاتها، فهذا يجعلها قوية في مواجهة بيت الأسد، الذين لم يكن لهم مكانة معتبرة داخلها، بل اجعل أبناءها فرادى، كلٌّ يهتم بذاته، ولا تخلق فُرص عمل لهم في مناطق عيشهم، بل ادفعهم إلى أن يأتوا إلى دمشق؛ فسورية تُحكم من دمشق، ومن مدنها الرئيسة، لا من الريف البعيد، واجعل أبناء الطائفة العلوية عماد جهازي الجيش والأمن.

– اجعل قيادات مؤسسات الدولة من أبناء الفئات التي كانت مهمشة في المدينة أو في الريف، لتحكم تلك الفئات التي كانت حاكمة سابقًا، فهؤلاء سيسعدون بهذا الدور القيادي بعد أن كانوا محكومين.

– تذكر أن الناس يوالونك ما دمتَ قويًا وقادرًا على قهرهم، فالناس عبيدُ القوة، فإن أحسّوا بضعفك انقلبوا عليك.

– تذكّر درسَ حماة جيدًا، واجعله قاعدة حكمك، ولا تأخذنك رحمة بمن يتمرد على سلطتك، فاضرب بيد من حديد، واستخدم العقاب الجماعي لكل منطقةٍ تؤوي معادين لسلطتك، واهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها في أي منطقة تتمرد، ولا تبكِ لموت النساء والأطفال والشيوخ، وأخفِ كلّ شيء ما استطعت، ولا تهتم إن وصل ما تفعله إلى درجة العلن، ولا تتراجع ولا تضعف، ففي الضعف مقتلك.

– اقبض على المنافع والمصالح، وعزز القوة المالية في يدك وفي يد من يلوذ بك،.

– اخلق مصالح في كل مكان وفي كل منظمة، لتشكل شبكة تتخلل المجتمع وتمكنك من القبض عليه، وأجّج التنافس عليها، بين من يوالونك في مؤسسات الدولة وفي منظماتك الجماهيرية  ..

- اخلق فتن بين ابناء المحافظات ثم تدخل لحلها .

– اشتر الولاءات، فالناس عبيد مصالحهم، توجّه إلى فئات المدينة، واخلق مصالح صغيرة لوجهائهم، وتوجه إلى العشائر واخلق مصالح لشيوخهم، وتوجه إلى رجال الدين واخلق لهم مصالح، كي يسبّحوا بحمدك، وتذكر أن من يأكل على طبق السلطان يضرب بسيفه.

– أبعد عنك أصحاب “الضمير الحيّ”، فهؤلاء متعِبون، وابحث عن الانتهازي والفاسد والسافل، واستخدمهم في سلطتك، فهؤلاء يهمهم مصلحتهم، وهم مستعدون لتنفيذ كل ما تطلبه منهم. وإياك أن تسمح لأي منهم بالبروز، مهما كان دوره عظيمًا تحت سلطتك، ومهما كان مخلصًا لك فان شعرت منه علواً فاقضي عليه واتهم الارهابيين بقتله ثم امشي في جنازته.

– اجعل شخصك عظيمًا مهابًا و “طوطمًا” لا يمسّ، صورك وتماثيلك في كل مكان وتشبّه بالأنبياء، وانشر من حولك هالة من القدسية، فلا يقترب أحد منك ولا ينتقدك أو يمسك بكلمة، من دون أن يناله عقاب عظيم...

– أنت القائد الفرد الأوحد، فإياك أن تسمح ببروز قيادات في المجتمع، يجب أن تبقى وحيدًا، فمن تبرز له قوة سيطمع في تعزيزها، وقد ينافسك يومًا ما،.

– اقبض على العلماء والعقول والقلوب ما استطعت، وسيطر على التعليم والإعلام كي تسيطر على العقول، وأضفِ على شرعيتك شرعية دستورية، من دستورٍ أنا وضعته على مقاسي، وعزز شرعيتك بخرقة مكتوب عليها أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وادعمها بسيطرة مطلقة على تنظيمات الشبيبة واتحاد الطلبة وطلائع البعث والعمال والفلاحين والنساء والنقابات المهنية، من مهندسين وأطباء ومحامين وصيادلة ومعلمين وصحفيين .

– إياك وتمكين أي مؤسسة من الاستقلال بقرارها، لا برلمان ولا إدارة محلية ولا وزارة ولا إعلام ولا قضاء، واجعل الجميع يقضون ويفعلون بما ترتضيه أنت وتأمر به أجهزة أمنك.

- إياك أن تتيح للشعب أن يقول كلمته بحرية، فحينها لن يقولها لصالحك، وإياك وحرية الأحزاب وحرية الصحافة وحرية التظاهر، فهذا ماردٌ إن انطلق من قمقه أطاح بسلطتك.

– اسعَ لاستمالة الأكثرية السنّية، عبر مكاسب مادية لنخبتها الثقافية ورجال أعمالها ورجال دينها، وتجنب إثارتهم، واسعَ لاستمالتهم ببناء المساجد، وحاول ان تنظم نساءهم تحت اشرافك وتظهر احترامك لحجابهم واستفد منهم في كل مناسبة لدعمك  ولكن إياك أن تسمح لهم بإقامة تنظيمات سياسية، ولا تأمن لهم،..

- أفسح لأبناء الريف القدوم إلى المدينة، وإقامة أحزمة من الفقر تحيط بالمدن الكبرى، ليشعر أبناء المدن الكبرى بأن الخطر يحيط بهم، وأن نظامك هو من يلجم تلك الفئات الوافدة، فيجب أن يشعر ساكن حي المالكي بدمشق بأن السلطة تحميه من هجوم محتمل لقاطني حي الـ 86 ليأخذوا منازلهم.

– استخدم الفساد والإفساد على نحو واسع، فالفساد الصغير يجعل الفساد الكبير مقبولًا، تحت مقولة الجميع فاسد. فنحن عبر استخدام السلطة كوّنّا الثروة، فلم يكن لدينا ملكيات لتنتج ثروة، السلطة أنتجت لنا الثروة، والآن على الثروة أن تعزز سلطتنا.

– مارس التقية السياسية، وخذ ممن يعطيك وأعط من يواليك، وتذكر أن لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، ولكن مصالح السلطة دائمة.

– حافظ على علاقة قوية مع الدول الرجعية العربية في كل الظروف، ولكن انتظم سرًا مع إيران بقوة، واستخدمها كفزاعة ضد العرب، كي تكون أنت الوسيط بينهما، فهذا يعطيك دورًا في حل مشاكل العرب ..

– عليك اللجوء دائمًا إلى دور “مخربط الألعاب”، كي يمنحوك دورًا، وفق القاعدة الفقهية “داروا سفهاءكم”.

لا تدع اللبنانيين يتفقون، واجعل الأردن يعيش تحت شعور دائم بالخطر القادم من دمشق، وأقم علاقات وطيدة مع ما يسميه الأميركان “دول الشر”، مثل كوريا الشمالية وكوبا، وأقم علاقات مع القاعدة وسرّب معلومات عنهم للأميركان.

- أقم علاقات مع المعارضات في الدول العربية وفي تركيا، وادعم حزب PKK التركي، ليكون مصدر إزعاج دائم للأتراك، وأقم علاقات مع أكراد العراق، وفي الوقت نفسه أقم علاقات معلنة أو سرية مع حكومات جميع هذه الدول، وهددهم بمعارضاتهم، على نحو مبطن وصريح، وحينئذ سيكون الجميع بحاجة إليك وإلى خدماتك.

– أبقِ على وضع اللاحرب واللا سلم مع إسرائيل، فلا مصلحة لنا في انتهاء هذا الصراع، فهو يمنح سورية دور “دولة المواجهة”، وهو أداة لتجييش الداخل، وحجة لفرض حالة الطوارئ، وللحفاظ على جيش كبير ونظام أمني شامل، وعسكرة المجتمع، ووسيلة لاجتذاب تأييد القوميين واليساريين، وأداة لابتزاز المال من دول النفط.

– اخلق عداوة مع  أميركا بالإعلام، ولكن إياك والإضرار الفعلي بأي من مصالحها، ادعم المقاومة السنية في العراق ضد الأميركان، بحدود، فهي تجارة رابحة كي يبقى لك دور، وكي يحسب لك الأميركان حسابًا.

بقي لي كلمة أخيرة:

إن هذه الوصايا هي بالضبط القواعد التي بنى عليها النافق حافظ أسد ومن بعده وريثه بشار قواعد حكمهم وسلطتهم، فالأفعال على مدى نصف قرن هي البرهان وهي الأهم الف مرة من الوثيقة، لذا اعتقد جازمًا أن حافظ الأسد قد أوصى وريثه بكل هذا وأكثر منه ،وأنه قد كرر عليه هذه الوصايا مرات ومرات حتى نفوقه، وكانت وصيته الأخيرة وهو على فراش موته :

يا يشار… حافظ على السلطة بأي ثمن.. بأي ثمن.. بأي ثمن… وظلّ يرددها حتى نفق إلى جهنم .

وسوم: العدد 947