وتقول العرب : حميَ أنفُه، واحمرّ أنفه، وورم أنفُه

أدب وسياسة :

ثلاث كلمات تجعلها عناوين للغضب، وثوران الحفيظة، والجد والاهتمام والتشمير...

وفي الأثر في كتب الأدب: يقول سيدنا أبو بكر الصديق، لسيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وقد عاده في مرضه الذي توفي فيه، وبعد أن عهد لعمر بن الخطاب ورضي الله عن الثلاثة ، يقول سيدنا أبو بكر لسيدنا عبد الرحمن: فكلكم ورم أنفه!!

أي وجد في نفسه، للعهد لسيدنا عمر، وكأنهم لم يعجبهم هذا العهد، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتخوفون من شدة سيدنا عمر .....

اليوم أتابع الأمور التي من أجلها تحمى أنوف السوريين، وتحمر، وتورم...

فأراها تعزية بظنها بعضهم في غير مكانها، فيحمى أنفه، أو استغفار لميت، يخاله بعضهم لا يستحق الاستفغار فيحمر لذلك أنفه، أو موقف عابر مثل همزة أو لمزة على موزة فتورم من كثير من السوريين الأنوف.. !!

طوفوا على صفحاتنا ونا تعني نا ... وانظروا متى آخر مرة تباحثنا كيف يمكن أن ننصر، أو نخفف العبء عن أخواتنا الأسيرات وإخواننا الأسرى ...؟؟!!

لماذا لا يورم أنفنا من أجل هؤلاء ، ويكون لنا في كل يوم محاضرة أو منشور أو هاشتاغ نذكر العالم بما وثقه لهم من سموه القيصر .. أخواتنا في سجون الظالمين يغاديهم الظالم صباحا ومساء ...ولا تورم لنا أنف ولا تحمر ولا تحمى!!

الأخوات الأسيرات في محنة، والأخوات المفرج عنهن بيننا في محنة أكبر، لماذا لا يحاضرنا محاضر في مكانة هؤلاء العفيفات الطاهرات الساميات؟؟!! وكيف يجب علينا أن نكرمهن ونرفع من قدرهن وأن لا نضاعف المصيبة عليهن فنجعل ما يقع على الرجل شرفا له، وما يقع على المرأة ولا يد لها فيه، عارا يجللها، ويلازمها، ويبرأ منها زوجها وأبوها وأخوها ...!! هل تريدون أن أوثق لكم أن مثل هذا وأكثر منه يكون ... وعندي منه منذ سنوات مستندات ويمنعني الحياء أن أقول بل الخجل والوجل من فقه الذين لا يفقهون...!!

نعم لمثل هذا وهؤلاء يذوب القلب من كمد..

أنظر إلى الساحة ونحن نختلف بأطنان من الكلمات المشفوعة بأطنان من مشاعر التنابذ والبغضاء في حسم خلافات لم تحسمها القرون، فنزيد طين يزيد بلة، ونزيد ضغثنا إبالة، إرجافا وتفريقا، وكل ما حاول أحد الناس أن ينادي الصلاة جامعة ، وجد سبعين متهم ومخذل ومثبط ومتفيهق، والمتفيهق غير المتفيقه، بل حاله أزرى وأشد وأنكى ، جاهل يتشبع بالقول زورا وبهتان، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوب زور ، وأي ادعاء أنكى من ادعاء علم وصاحبه لا يحسنه، بل يظن ويحسب ويخال..

امتلأ الحوض ، وفهق الحوض

امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلا رويدا قد ملأت بطني

أي والله لقد ملأتم قلوبنا وبطوننا جمرا، فنحن على مثل جمر الغضا نتقلب.

أصدق كلمة قالتها أعرابية يوم قالت لعمر، وهي لا تعرف أنه عمر: الله ما بيننا وبين عمر !!

قال عمر رضي الله عنه : وما يدري عمر بك ؟ قالت كلمة الصدق: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا !!

أهؤلاء القوم الذي جل قولهم وحوارهم وجدالهم ومحاضراتهم عن الأف والتف، والجورب والخف؛ هل يسـتأهلون أن يسار خلفهم في معركة تحرير، بحجم معركتنا في سورية، يرمينا فيها عالم الشر عن قوس واحدة، وقوم صادروا قرار الناس ما زالوا يتنازعون على القير والنقير والقطمير وهم عن حقيقة ما يراد بهم ساهون..

كلمة باقية قالها اليهودي كعب بن أسد يوم بني قريظة: ومَن حوله من قومه يسأل إلى أين يُذهب بهم أرسالا وهم ينظرون، بعد حكم سيدنا سعد بن معاذ: فقال كعب لهم: أفي كل المواطن لا تعقلون، ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذهب لا يرحع ...!!

ويحكم ألا ترون وضاعت البلاد وضاعت العباد ...

ألا ترون أن في كل يوم جديد ويومنا أقسى من أمسنا، وغدنا أقسى من يومنا، تُضيِعون، وتُضيَعون ولا تحمر لكم ولا تورم منكم أنوف

وأنتم تنظرون...

اللهم إنهم قد غلبوا الناس على أمرهم ، وإن أرادوا فتنة أبينا .. أبينا .. أبينا ، يكررها رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف بن الأكوع ثلاثا !!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 954