عيد بلا قيود في بلاد سجينة!

أعلنت أربع عشرة دولة عربية السماح لمواطنيها بأداء صلاة عيد الفطر الذي يحلّ، في أغلبها، اليوم الاثنين، في المساجد والساحات من دون قيود صحية، وذلك بعد عيدين مرّا كانت فيها تلك الصلاة في المساجد والأماكن العامة محظورة بسبب تدابير وباء كورونا، بعد أن قرّرت تلك الدول رفع الحظر أو تخفيفه.

جاءت تدابير الحظر بالنسبة لبعض الأنظمة العربية، التي كانت تشهد حراكات سياسية مناهضة للسلطات الحاكمة قبل ظهور كوفيد 19، كالجزائر والعراق والسودان ولبنان، فرصة لإنهاء تلك الحراكات، سواء بشكل غير مباشر نتيجة اضطرار المتظاهرين والمحتجين للانكفاء والامتناع عن التجمعات العامة لمنع انتشار الفيروس فيما بينهم، أو بشكل مباشر، عبر استغلال القيود الصحية لاستعادة السيطرة على ساحات الاعتصام وشوارع التظاهر، كما وجدت بعض الأنظمة الأخرى المجال سانحا لاستغلال تلك الأوضاع الاستثنائية لإحكام قبضتها على المجتمع وإنهاء بعض التفاصيل العالقة بحق ناشطين وإعلاميين وقادة شعبيين.

كانت حقبة كورونا، بهذا المعنى، غطاء مبررا لعمل المنظومة العربية لإعادة مارد الشعوب إلى قمقمه، ويتم اغتيال النشطاء واختطافهم وسجنهم، وتعاد الجماهير إلى «بيت الطاعة» المعتاد. لم تتوقف تلك الشعوب، منذ عام 2011، عن المطالبة بحقوقها المنتهكة في الحريات السياسية والعدالة الاجتماعية والكرامة، فقوبلت بتعاون بين الأنظمة المناهضة للثورات، وإسرائيل، لإحباطها، وهو عمل تم الإعلان الصريح عنه، لاحقا، بمراسم فاضحة لتطبيع محموم يتجاوز كل ما عرفه العرب في تاريخهم الحديث.

لا غرابة، والحال كذلك، أن يجيء عيد الفطر، هذا العام مجددا، مع معاناة الفلسطينيين من قرار إسرائيل فرض إغلاق شامل على الضفة الغربية والمعابر في قطاع غزة، كي تحتفل بـ»ذكرى تأسيسها»، وأن تقوم السفارة الإسرائيلية في أبو ظبي، عاصمة الدولة الأكثر مناهضة للثورات، والأشد حماسة للتطبيع، بتنظيم احتفال «إحياء لذكرى جنود إسرائيل الذين قتلوا في الحروب».

لا يتنكر وجود هذا الاحتفال على أرض عربية، لمأساة الفلسطينيين، الذي بني تأسيس دولة الاحتلال على فقدانهم لسيادتهم على بلدهم، والتطهير العرقي الذي جرى لمدنهم وقراهم وأهاليهم وأدى للجوء مئات الآلاف إلى دول الجوار، بل يتنكر حتى للدول التي تقيم اتفاقات سلام مع إسرائيل، كما هو حال مصر والأردن، ويهزأ بأرواح العرب، من مدنيين وجنود، الذين قتلوا في الحروب والمواجهات مع إسرائيل.

ينتهك هذا «التحالف» الذي اختير له اسم دينيّ، «الاتفاقات الإبراهيمية»، المقدّسات الإسلامية والرابطة العربية، ويسيء، بالتالي، للشعوب العربية والإسلامية، التي يعاني كثير منها من وطأة هذا التحالف، كما هو حال اليمنيين، الذين أجهضت ثورتهم، وتحوّلت بلادهم إلى مراكز تجريب للمعتقلات والمرتزقة والميليشيات المأجورة، ويعانون شظف العيش والمرض والمجاعة.

ينسحب الأمر أيضا على الليبيين، الذين ما زالوا يعانون من حرب أهلية تتحكم فيها ميليشيات الحرب أيضا، ويلعب فيها الجنرال خليفة حفتر، الذي قدمت أبو ظبي دعما كبيرا لـ»تأسيس» دولته، دورا دائما في منع استتباب الأمن وتسوية الصراع وإذكاء المعارك كلما اقتربت من نهايتها.

يمكن ملاحظة آثار هذه الحالة ضمن جغرافيا عربية واسعة، من سوريا إلى مصر والسودان وتونس، بغض النظر عن الأشكال التي يتظهر بها هذا التحالف البائس بين القوى العربية المضادة للثورة، وكيان دولة الاحتلال الإسرائيلية، ولا تهمّ، في الحقيقة، تفاصيل الدعايات البائسة التي تفتعلها بعض هذه الأنظمة، التي تغطي وحشيتها ضد شعوبها بادعاء «مقاومة» إسرائيل، أو استفراد زعيمها بالحكم المطلق، بتشبيه خصومه بإسرائيل، فالبوصلة الحقيقية بالنسبة لهذا الموضوع هي حيازة الشعوب لحرياتها السياسية، ورسوخ قدرتها على السير نحو عدالة اجتماعية، وليس الخطابات التي تعلن العداء لإسرائيل، فيما تمارس أشكال الإبادة الجماعية ضد جماعاتها الأهلية، وتتحول، بالنتيجة، إلى طغم وعصابات.

وسوم: العدد 979