الشعب الفلسطيني ينتصر في معركة الأعلام

ابتهج الإسرائيليون بتنفيذ مسيرة أعلامهم التي اقتحمت باحات الأقصى المبارك ، وعلى عادتهم المألوفة عند أي شيء يحسبونه انتصارا علينا ، انفجر غرورهم بالتنفيذ ، وانطلقت ألسنة قادتهم تؤكد أن القدس عاصمة دولتهم الأبدية ، وهدد بينيت رئيس وزرائهم إيران بأن زمان حصانتها انتهى ، وأن إسرائيل ستعاقبها مباشرة على تسليحها وتمويلها من سماهم الإرهابيين قاصدا حزب الله والمقاومة الفلسطينية . واندفع حاييم هيرتسوغ رئيس دولتهم مع موجة التهديد ،فقال : " مازلنا مطالبين بمواجهة قتلة مجرمين يسعون لإلحاق الأذى بنا . " ، والقتلة المجرمون في رأيه هم الفلسطينيون ، وهذا الاندفاع يظهر مغايرا للصورة التي سعى دائما لرسمها لنفسه بصفته معتدلا جانحا للسلم مع الفلسطينيين . وفي جو الابتهاج الإسرائيلي حلقت طائرات إسرائيلية على ارتفاع منخفض في سماء غزة ، وهددها الجيش الإسرائيلي بالهجوم عليها في حرب خامسة . والابتهاج والتهديد بما فيهما من مغالاة يفضحان الضعف المستقر غائرا في نفوس قادة إسرائيل ونفوس مستوطنيها . أين هو الانتصار في القيام بمسيرة أعلام في مدينة حولتها إسرائيل إلى ثكنة عسكرية من الجنود والشرطة والقوات الخاصة والاستخبارات في مواجهة فلسطينييها الذين لا يملكون سلاحا سوى إيمانهم بأن المدينة مدينتهم وأن الأقصى أقصاهم ، وأنهم مكلفون من الله _ جل قدره _ بحمايته ؟! وأطاعوا التكليف الإلهي ، وجسدوا إيمانهم بملكيتهم للقدس وللأقصى ، وآزرهم إخوانهم في الضفة ، ورجحوا كفة شعبهم على كفة الإسرائيليين المتفوقين عليهم في القوة العسكرية ، فانتصروا في معركة الأعلام التي حسبت إسرائيل أنها انتصرت فيها ، ومن علامات هذا الانتصار الفلسطيني : 

أولا : شاهد العالم فرار قطيع كبير من المستوطنين والجنود الإسرائيليين ذعرا من الفلسطينيين الذين اندفعوا نحوهم ، وكان الفارون يزيدون سرعتهم كلما اقترب الفلسطينيون منهم . ماذا كان الفارون سيفعلون لو كان الفلسطينيون مسلحين بعدة بنادق ؟!  

ثانيا : قذف فلسطينيو حي الشيخ جراح المستوطنين الذين هاجموهم، وجرحوا عددا منهم في وجوههم ، وأرغموهم على الابتعاد عن حيهم .  

ثالثا : رفع أبطال القدس العلم الفلسطيني بطائرة مسيرة حامت فوق مسيرة الأعلام الإسرائيلية ، وكان هذا مفاجئا . قالوا لهم : " علمنا  فوق علمكم ، نحن الأعلون ، وأنتم الأسفلون . " 

رابعا : أطلقت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس ، الذراع العسكرية لحركة الجهاد ، رصاصا كثيفا على قوة إسرائيلية شمالي الضفة .  

خامسا : ضرب شاب فلسطيني مستوطنا اعتدى على سيدة فلسطينية في القدس ، ولم يخشَ القوات الإسرائيلية التي تحمي المستوطنين الجبناء الذين لا يعتدون في القدس والضفة إلا في حماية الجيش لهم .  

العلامات السابقة تشهد بأن الشعب الفلسطيني انتصر على إسرائيل في معركة الأعلام التي ظنت  أنها انتصرت فيها مغترة بتنفيذها  مسيرة وفرت لها  قوة كثيفة من جنودها وقواتها الخاصة وشرطتها ومخابراتها ، وهذه الكثافة المسلحة تفضح ضعفا غائرا في نفوس  قادتها ونفوس مستوطنيها .  وفطن رسام الكاريكاتير الفلسطيني الذكي البارع علاء اللقطة إلى هذه الحقيقة في استعانة  إسرائيل بالقوة المفرطة في مواجهة فلسطينيي القدس الذين لا يملكون أي سلاح قتالي ، فرسم ستة جنود إسرائيليين ضخام مسلحين قريبا من الأقصى المبارك ، وبين الجندي الأول والثاني يختبىء مستوطن هزيل يحمل العلم الإسرائيلي دون أن يجرؤ على رفعه عاليا . 

انتصر الشعب الفلسطيني في معركة الأعلام  ، معركة القدس والأقصى وحده ، ولم يوهن إيمانه وشجاعته خذلان أكثر الأنظمة العربية له ، وانحيازها علنا وسرا لإسرائيل في المعركة . ويمكن أن نعد ما قاله شلومو ساند المحاضر في كلية التاريخ بجامعة تل أبيب خلال أحداث المسيرة انتصارا معنويا للشعب الفلسطيني حين أعاد ما قاله دائما من أنه لا  وجود لشعب يهودي ، والموجود هو دين يهودي ، وحين قال إن إسرائيل أضحت دولة ثنائية القومية من الفلسطينيين واليهود ، ولا أمل في دولة يهودية خالصة . ووصفت صحيفة " هآرتس " مسيرة الأعلام بالقبح ، وتشاءمت من مستقبل الإسرائيليين قائلة إنه كئيب .  

وقال حاخام منذ أيام لمستوطن : " الشعب الفلسطيني ليس مثل العرب . إنه شعب شجاع عنيد . "  

وواضح  أن الحاخام حكم على العرب يالرداءة ناظرا إلى حكامهم ، والحقيقة أن الشعب العربي كله شجاع عنيد ، ولو تحررت  شجاعته وعناده من رداءة حكامه وفجور طغيانهم وقتلهم لقواه وفاعلياته لرأينا أمة عربية عزيزة منتصرة لا أمة ذليلة منكسرة ، ولما كان لإسرائيل وجود في فلسطين ، وفجور وغرور لا تتوقف عن استعراضهما . والتاريخ دورات ضعف ودورات قوة للشعوب  ، والدلائل تجمع على أن دورة قوة الشعب الفلسطيني تقترب ، ودورة ضعف إسرائيل تقترب أيضا في اتجاهين متضادين . 

                              *** 

" وثمة اتجاه يرى أن أهل إسبرطة كانوا  من قدماء الفلسطينيين . " من مادة "إسبرطة " في " موسوعة كاكستون  الجديدة " البريطانية . هل يفسر هذا النسب  إن صح شجاعة أهل إسبرطة ونزعتهم العسكرية مثلما هي حال الفلسطينيين ؟! 

وسوم: العدد 983