التراجيديا أو البليّة السورية... "حفار القبور" والمشاهدون يستمتعون بألم ..

والتراجيديا عرض مأساوي معقد، لتحديات قاهرة تعترض سبيل حياة إنسان نبيل فتدعثره. أرسطوا يعرف التراجيديا بأنها ناتج خيار شخصي خاطئ أو حدث قدري قاهر. ويقول : أما إذا كانت "المأساة" "من صنع إنسان بإنسان" فتلك كما يسميها أرسطو "بلية" وقيل في تفسير المتعة التي يصطصحبها المشاهدون في متابعة معاناة بطلهم، أنهم يستفيدون الكثير من التعلم، من العبرة الكلية، ومن التطهر النفسي، وهم يذرفون دموعهم تعاطفا مع معاناة البطل أو البطلةـ الذين يفضل أن يكونوا دائما يدفعون أثمانا عن ذنوب وخطايا لا يد مباشرة لهم باجتلابها...

أشرح كل هذا لأعلق على أن استمتاع أهل الغرب عموما بأبعاد "البلية السورية" ، من قبل مع شهادة "القيصر" بكل صورها وتفاصيلها المرعبة، واليوم مع شهادة "حفار القبور" الذي كان بالأمس يقدم شهادته أمام الكونغرس الأمريكي، ويقول والنص مقتبس: "وطفلة في السابعة من عمرها، تتابع على اغتصابها بضعة عشر ضابطا أسديا، حتى ماتت" فلا أجد أحدا من أعضاء الكونغرس، ولا من جماعات النسوية من العرب والعجم والروم يخرج منديلا حريريا يمسح دمعة عن عينيه.

أليس من حق أن أسأل وتسأل وتسألي وتسألون وتسألن أين دور "جمعيات النسوية" في العالم مما يجري على النساء في سورية في سجون الأسد وقسد وسجون ومعتقلات لا يعلم بما يجري فيها إلا الله!!

فحوى شهادة "القيصر" ثم شهادة "حفار القبور" المتطابقة و الممتدة على مدى عشرة أعوام ؛ أن كليهما أكد : إن الترجيديا أو المأساة أو البلية في سورية ما تزال مستمرة. وهذا بيت القصيد.

ومقتضى الشهادة حين يتأكد أن حريقا ما يشتعل في طرف من أطراف هذا العالم أن تبادر كل سيارات الإطفاء للإحاطة به وإطفائه!! وهذا ما لم يحدث على مدى عشر سنوات!!

في مأثورنا الشعبي، عندما أقدم بعض الحكواتية، على التوقف عن سرد سيرة عنترة، في لحظة وقوع عنترة في الأسر، لم يهن على قبضايات الحي أن يناموا وعنترة مأسور..!!

ولكن قبضايات العالم كل العالم اليوم ، بعد أن يستمتعوا بحكايات "البلية السورية" ويستعيدون تفاصيلها مرة بعد مرة بعد مرة ، على طريقة من يتلذذ بالحكاية عن الفعل، لم يخطر ببالهم وهم يملكون كل أدوات السيطرة والقهر ، أن يبادروا لوقف العدوان على الطفلة البريئة، والأم الحامل، والمرضع تموت ورضيعتها على صدرها..

لا شيء من هذه المآسي ينتج فعلا لا إنسانيا ولا نسويا ولا سياسيا..!!

ثم يحسب بعض السوريين على كراسيهم أنهم يحسنون صنعا.

أجمل معنى نعمل عليه جميعا: بث الأمل بالله، والتأكيد على أننا لن نعطى حقوقنا إلا أن نأخذها، وإعلان اليأس من كل شركاء الحل السياسي أجمعين أبتعين أبصعين...

اليأس ليس مدخلا للسلوى والنسيان، بل هو المطلب الأكيد لصناعة البديل...

لا تنم .. ولا تنتظر .. ولا تتشاغل بالدون.. ولا تمش الهوينى.. ولا تحلم وأنت مستقيظ .. أنجز عاملا رشيدا يقربنا من الخلاص خطوة.. ويمد يدا لعاثر يستنقذه من كبوة..

أيها السوريون...

 لا تأملوا من العدو ولا من شركائه نيلا أبدا..وما نراهم يزيدوننا يوما بعد يوم إلا خبالا...

اللهم اكفناهم لفيفا .. بما شئت، وكيفما شئت، إنك على ما تشاء قدير ..

وسيدنا رسول الله خير من دعا ربه، وخير من دعا إلى ربه. (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 984