رغدة وعمرو أديب: هل اللعب لصالح السعودية؟!

لم يكن عمرو أديب عندما استضاف الخبير الاقتصادي هاني توفيق، يجهل ماذا سيقول؟ تماماً كما لم تكن لميس الحديدي عندما استضافت مطربة «آه ليل» تجهل أنها ستقول ما قالت!

فقد سبق للخبير الاقتصادي أن حل ضيفاً على برنامج «إبراهيم عيسى»، وتحدث عن الضياع الاقتصادي الذي تعيشه مصر، لكن السر وراء دهشة الناس، لأن يقال هذا الكلام من داخل مصر، عندما بدا عمرو أديب منافساً لمحمد ناصر، وبدت قناة «بي إم سي مصر» وكأنها «مكملين»، وظهر «هاني توفيق» وكأنه «محمود وهبة». إن برنامج «إبراهيم عيسى» ليس في نجاح برنامج «الحكاية» لعمرو أديب، كما أن فريق عمل برنامج الأخير على منصات التواصل الاجتماعي ناجح من حيث اختياره للعناوين، وقدرته على الترويج لحلقاته!

لقد كان هاني توفيق صريحاً، وهو يتحدث عن الوضع المأساوي للاقتصاد المصري، وكيف أن مصر وقعت في خطأ كلاسيكي، بتمويل مشروعات طويلة الأجل، بديون قصيرة الأجل، الأمر الذي وصفه بأنه «غلطة كلاسيكية تدرس في كتب اقتصاد التمويل»، ومما عده من الأخطاء هو الافراط في الانفاق على البنية التحتية، إلى غير هذا مما جاء في هذه المقابلة، التي صدمت أنصار السيسي، ولعلهم كانوا يفركون أعينهم ليتأكدوا أنهم لا يشاهدون «مكلمين»، وأن المذيع ليس محمد ناصر، وأن الضيف ليس محمود وهبة، الذي أخذ على عاتقه في السنوات الأخيرة، الحديث عن انهيار الاقتصاد المصري، وكان مؤخراً ضيفاً لناصر على «مكملين»! ومهما يكن، فعماد أديب يعرف توجه هاني توفيق، فلم يمثل له مفاجأة، فضلاً عن أنه بوصفه محرراً اقتصادياً في الأساس، عمل في جريدة «العالم اليوم» الاقتصادية، والمملوكة لشقيقه عماد، فانه بخبرته السابقة يعلم من هو هاني توفيق، وماذا يمكن أن يقول عندما يكون موضوع الحوار عن الاقتصاد المصري!

وفضلا عن هذا، فان ما قاله الضيف ليس بعيداً عن رؤية المذيع، والذي سبق له أن تحدث عن الانهيار الذي ستتعرض له مصر إن لم يتدخل الخليج لضخ العملة الصعبة في الموازنة العامة، لتعويض العجز الكبير فيها، والذي لا يرجعه إلى سوء إدارة البلد، ولكن إلى أزمتي كورونا والحرب على أوكرانيا، وكيف أن هذا الانهيار سيؤدي إلى قيام ثورة جديدة، تطيح – بطبيعة الحال – بنظام السيسي، مع هروب ملايين المصريين إلى الخارج عبر الحدود والبحار، إلى أوروبا ودول الخليج، وهو تهديد لا تخطئ العين إلى إشاراته!

ثم أكمل هذه «الوصلة» بمخاطبة الأشباح الذين يخططون للفوضى، وكيف أنه «كبر في السن وركب دعامتين» ولو في نيتهم أن «يجبوها بالأرض» فلن يعيش فيها، وسيذهب الى بلد ثانية!

الكفيل السعودي

وقبل هذا بدا كما لو كان يستعجل الفوضى، بالحديث الصدمة عن أن الأسعار ستزيد مرة، ومرتين، وثلاثاً، وأربع مرات، وهو ما احتارت البرية في فهم الدوافع من وراء ذلك، ولأن الفنانة السورية رغدة كانت في فترة اعتكاف طويلة وتأمل، انقطعت خلاله عن العالم، وعبادة أوحت بأنه الانتقال إلى الربع الأخير من عمر رابعة العدوية، فقد توقفت عن العبادة والتأمل، وخرجت تهاجم عمرو أديب، الذي رأت أنه يبشر بخراب مصر من أجل «الكفيل السعودي»، وأصدرت بياناً شديد اللهجة ضد أديب ودافعه، الأمر الذي لم يفعله كتاب السلطة، لتكون بذلك ملكية أكثر من الملك، فهل هو خطاب سعودي فعلا يعمل على الحط من قدر مصر؟!

ليس خافياً على أحد أن المحميات الأجنبية في مصر، لديها هامش للحركة أوسع نسبياً من غيرها، وإن كان ليس واسعاً إلى حد القبول بخطاب عمرو أديب، ما لم تكن هناك موافقة عليه، فالإعلام لا يُترك سدى، وهو يخضع للرقابة بل والإدارة من قبل أهل الحكم، ولو قناة سعودية مثل «إم بي سي»، أو إماراتية مثل «تن» وإن كانت حرية الحركة بقدر متاحة لشخص مثل نشأت الديهي، وعمرو أديب، تماماً كما أن السياسة المتبعة هي التخلص من كل من شاركوا في الانقلاب، ومن أول رئيس الأركان ونهاية بوزير الداخلية، ومروراً بأحمد شفيق وعمرو موسى، ليتصدر المشهد أطفال الأنابيب، ومع ذلك يظل ثلاثي تمرد نواباً في البرلمان للمرة الثالثة وبقوة الدفع الأمني، وهذا ضد طبائع الأشياء، ولكنهم يخضعون للحماية الإماراتية!

بيد أن هذا الهامش لا يتسع إلى حد الحديث عن الفوضى، ولا يمكن للسعودية أن تكون وراء هذا الخطاب الذي يذيعه عمرو أديب، لسبب بسيط فان الحديث عن أن السعودية تستهدف تراجع مكانة مصر، كما قالت رغدة، نكتة، لأنه عندما زار الرئيس الأمريكي المنطقة، لم يجمع القادة العرب في القاهرة، ولكن في السعودية، وكان ترتيب السيسي في الصورة دليلاً اضافياً على تراجع المكانة، ولك أن تتصور موقع أبو علاء حسني مبارك لو كان حاضراً لهذا اللقاء!

وآخر رسالة من القوى السفلية تستهدف السيطرة على السيسي عبر الخطاب الإعلامي، كانت في الانتخابات الرئاسية الأولى، عندما أجمعت القنوات التلفزيونية على قول الحقيقة وهي أن الناس قاطعت الانتخابات في اليومين الأولين، وكانت رسالة هذه القوى من رجال أعمال وغيرهم له أنه لا يملك شعبية، تمكنه من الاستقواء بها، وأن بيدهم وسائل الإعلام التي يمكن أن ترهقه، واستعد نجيب ساويرس بإعلامه الظاهر منه والغاطس ليكون حزبه هو الأول في الانتخابات، وقال إذا فاز حزب «المصريون الأحرار» بتشكيل الحكومة فسوف يعين إبراهيم عيسى وزيراً لثلاث وزارات هي: الإعلام، والثقافة، والتعليم!

فكان تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى أن تمكن السيسي ورجاله من هندستها، ثم التفت لسلاح رجال الأعمال فجردهم من الإعلام، فلم تبق سوى صحيفة واحدة مع محمد المعلم «الشروق»، وقناة واحدة مع محمد أبو العينين «صدى البلد»، وإن كانت هذه الملكية لا تمنع من أن تدار القناة والجريدة من جانب الأجهزة الأمنية، فقائمة المنع من الكتابة طالت كتاب «الشروق»، وإن كان القرار المعلن لرئيس تحريرها، والقائمة تبدأ بالكاتب الكبير فهمي هويدي ولا تنتهي به!

الذين أكلوا ورق الشجر

الحقيقة أن خطاب عمرو أديب لا يختلف عن خطاب السيسي، بدءاً من حديث الصحابة الذين أكلوا ورق الشجر دون شكوى أو طلب مائدة من السماء، ومرورا بما قاله في لقائه مع بايدن ومع المستشار الألماني مؤخراً، فهو لا يجد حرجاً من الشكوى من الأوضاع الاقتصادية، غاية ما في الأمر أن خطاب أديب للخليج أن «الحقونا»، وإلا سقط النظام، وجاء الإخوان، أما خطاب السيسي فهو لتخويف المجتمع الدولي، وإن كانت الرسالة وصلت الخليج فاعتبروها ابتزازاً مرفوضاً على النحو الذي عبر عنه أحد الكتاب السعوديين وهو لا يقدح من رأسه! وفي ما يختص بالشعب، فقد وجدوا شماعة يعلقون عليها ما ينتظره وهي شماعة كورونا والحرب على أوكرانيا، وحتى يكون هذا الشعب مستوعباً لخطة زيادة الأسعار، فلا تفاجئه، فيخرج كما خرج في انتفاضة الخبز في يناير/كانون الثاني 1977!

وهناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن القوم لديهم تخوف من هذا العام، الذي قالت عنه «العرافة» ضيفة عمرو أديب في كل عام، إنه عام القلق والفوضى، ولعلكم تذكرون أننا تحدثنا عن هذا الاعتقاد من قبل وفي وقته!

الأمر الذي يؤكد أن الفنانة رغدة تطوعت بموقف لم يطلب منها، ربما لأن فترة الاعتكاف والعبادة التي طالت جعلتها تجهل كثيراً من التفاصيل، فعمرو أديب ليس مغامراً أو مقامراً، وهو يدرك ما كان سيقوله هاني توفيق، الذي يدرك بدوره أن المجال يسمح له بما قال، وقد يتجاوز عن خطأ وارد مثل الحديث عن الافراط في موضوع البنية التحتية. فاستضافته لم تكن اجتهاداً شخصياً من عمرو، تماماً كما أن لميس لم تفاجأ بتجاوزات شيرين عبد الوهاب على الهواء مباشرة، والتطاول على شخصيات والتطرق لخلافات زوجية ليس مكانها القنوات التلفزيونية، فقد كانت لميس تستكمل المسلسل الهابط الإلهاء الهابط لشيرين وحسام! وفي مصر وعندما كانت هناك سلطة مسؤولة منعت مريم فخر الدين من الظهور التلفزيوني لأنها لم تكن في كامل وعيها، وهي تخوض في منطقة الأعراض وسمعة العائلات والأشخاص، تماماً كما منعت وردة الجزائرية من الغناء في حضرة رئيس الدولة، لأنها كانت في حفلتها الأخيرة في حالة سكر، فخاطبت مبارك وهي في هذه الحالة، بيد أن السلطة هي الراعية لهذا الهبوط الأخلاقي في إعلامها المملوك لها، ضمن مخطط الإلهاء!

العبي بعيد يا رغدة!

وسوم: العدد 990