تعلّقونهم «بسراب يحسبه الظمآن ماء»

هل سنفي بتهديداتنا ونحترم كلمتنا ونطبق قراراتنا ونقطع العلاقات بدولة الاحتلال، ونسحب الاعتراف بها، ونوقف التنسيق الأمني معها. باختصار هل حقا حان الوقت لكي ننفذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير العالقة منذ نحو سبع سنوات وتكررت في دوراته لأعوام2015 و2017 و2018 وأيضا فبراير 2022. المؤشرات الواردة من رام الله لا تبشر بالخير، ولكننا رغم ذلك سنلاحق العيّار لباب الدار، وننتظر حتى سبتمبر المقبل كما طالبوا.

يشعر المستوى السياسي الفلسطيني بحالة إحباط شديد من نتائج زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي اختتمها يوم السبت الماضي في السعودية، بشبه قمة عربية شاركت فيها معظم دول المشرق، باستثناء فلسطين، ولم تفض إلى شيء تقريبا، إلا إذا اعتبرنا قرار السعودية بفتح أجوائها أمام الجميع، بما فيها دولة الاحتلال، التي ترى في هذه الخطوة، خطوة نحو التطبيع الذي تطمح إليه.

وسبب حالة الإحباط الفلسطيني لأنهم «علقوهم بحبال الوهم والأمل» و»بسراب يحسبه الظمآن ماء». الزيارة لم تنجز أياً من التعهدات التي وعد بها بايدن أثناء وبعيد حملته الانتخابية. وسبب الإحباط الشديد يكمن في أن المستوى السياسي الفلسطيني كان يتوسم خيرا من هذه الإدارة، التي أثبتت أنها تشابه بالسوء جميع الإدارات السابقة، لاسيما إدارة دونالد ترامب، التي وصفت بأنها كانت الأكثر سوءا من كل الإدارات التي سبقتها مع الفلسطينيين. والتزمت إدارة بايدن بكل قرارات وخطوات إدارة ترامب، ويجد صعوبة الآن في التراجع عنها، أو لنقل إنه لا يريد أن يتراجع عنها، حتى تكون ورقة ضاغطة على السلطة الفلسطينية في المستقبل القريب، وحتى يبدو إنجازها، لو أنجزت، كبيرا تهلل السلطة وتكبر له. وأكثر ما خيب ظن السلطة ليس نتائج الزيارة التي لم تتطرق إلى القضية الفلسطينية، إلا عابرا، أو مرور الكرام فحسب، بل ما قاله مسؤول أمريكي (محجوب الهوية) الذي قطع فيه الأمل في تحقيق حل الدولتين وهو أن واشنطن: لن تفرض خطة سلام على الفلسطينيين والإسرائيليين. بعبارة أخرى فإن احتمال أن تطرح الإدارة تصورا، أو خطة للسلام، حتى بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة مطلع نوفمبر المقبل، بعيدة الاحتمال، هذا إن كانت ستطرح أصلا، أو إن كانت لديها أفكار وتصورات لتحقيق السلام عبر حل الدولتين. وقال المسؤول أيضا، «نحن واقعيون، لم نأتِ إلى هنا لنفرض خطة سلام على الفلسطينيين والإسرائيليين، لا نعتقد بأن هذا هو التوجه الصحيح، إذا كان هنالك استعداد من الجانبين للحديث في ما بينهما فسيجدوننا هنا لمساعدتهما. بعبارة أخرى سيبقى القرار بيد حكومة إسرائيل كما هو قرار إعادة فتح القنصلية في القدس الشرقية، الذي ترك بيد حكومة الاحتلال.

وقال المسؤول الأمريكي، إن اللقاء بين الرئيسين بايدن ومحمود عباس سيركز على القضايا الاقتصادية، وإمكانية منح الفلسطينيين مشغّل الجيل الرابع للهواتف النقالة.

وقال قائل ساخرا، إن الاحتلال تجاوز بنجاح مرحلة الأرض مقابل السلام، التي كانت مطروحة في تسعينيات القرن الماضي، ممثلة بمؤتمر سلام مدريد عام1991 ثم اتفاق أوسلو عام 1993 الذي رعاه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، كما تجاوزت مرحلة الأمن مقابل السلام عام 2000 التي رعاها لاحقا جورج بوش الابن، لنصل إلى مرحلة إنترنت4 G وجلوكوز لمستشفى المقاصد، مقابل السلام. طبعا ليس ثمة مجال هنا للحديث عن جميع التنازلات التي تواصلت فلسطينيا وعربيا منذ عام1967 أي بعد هزيمة يونيو. قد تبدو الصورة مشهدا كوميديا، لكن للأسف الشديد هذا هو الواقع الذي نعيشه، وجسدته زيارة بايدن لمستشفى المقاصد. والأسوأ من ذلك، كما قال الكاتب اليساري الإسرائيلي جدعون ليفي، إن الرئيس بايدن: «اختار من بين كل الأماكن مستشفى «اغوستا فيكتوريا» (المطلع) في القدس الشرقية، ليوقع وثيقة وفاة حل الدولتين. ويقول ليفي المعروف بالتعاطف في كتاباته مع القضية الفلسطينية «إن حل الدولتين توفي قبل زمن. والآن توفي أيضا الخيار الفلسطيني الاستراتيجي في الاعتماد على دول الغرب في نضالهم من أجل حقوقهم الوطنية. وإذا كان المستوى الفلسطيني يشعر بخيبة الأمل والإحباط، فإن خيبتنا نحن المواطنين من هذا المستوى السياسي أضعاف أضعاف».

إن زيارة بايدن لا تختلف في جوهرها كثيرا عن زيارات سابقيه وآخرها زيارة دونالد ترامب: انحياز كامل لإسرائيل وتجاهل القضية الفلسطينية. ويشيرون إلى أن بايدن عمليا سيصب الماء البارد على السلطة الفلسطينية، بعدما تبين في اتصالات مسبقة أنه وبخلاف وعود أمريكية متكررة فإنه لن يعيد القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، ولن يعيد فتح مكتب المنظمة في واشنطن، ولن يشطب اسم منظمة التحرير من قائمة الإرهاب، واستئناف الدعم المالي الملغى للفلسطينيين، وهو الشيء الوحيد الذي وافق عليه. وهو ما يؤكد مواصلته لسياسات ترامب، أي الحل الاقتصادي. ولم يتعهد بايدن حتى بإلزام إسرائيل بسياسة الولايات المتحدة المعلنة بوقف الاستيطان، والحفاظ على الوضع الراهن في القدس. كل ذلك بحجة أنه لا توجد حكومة مستقرة في إسرائيل.

ألا يمكن أن نتعلم درسا ونأخذ عبرة من تعامل الإدارة الأمريكية مع القضية الفلسطينية وتراجعها عن وعودها؟ أليس هذا درسا؟ أن التراجع هو من شيم هذه الإدارات الامريكية المتعاقبة منذ خمسة عقود ونيف، وأثبتت خلالها مرارا وتكرارا أنه يمكن أن تدوس على كل شيء وأي شيء لا يخدم دولة الاحتلال وسياساتها. ما زال الرؤساء الأمريكيون وسواهم يتحدثون عن السلام في الشرق الأوسط، ولكن على الأرض يتواصل الاحتلال والفصل العنصري «الأبرتهايد» ينمو ويكبر، في ما يمضي العالم الغربي بتسجيل انتقادات لفظية، لا تكترث بها حكومات الاحتلال المتعاقبة، حتى زيارته للأراضي الفلسطينية، كانت على غرار زيارة ترامب لبيت لحم وليس رام الله العاصمة السياسية للسلطة، لما تتضمنه من معاني الاعتراف بالسيادة الوطنية الفلسطينية، لوجود مقر الرئاسة الفلسطينية فيها.

وأخيرا يا خوفي أن يجعل بايدن من النقاط الست التي وعد بتنفيذها لحظة تسلم الإدارة لتحريك الوضع السياسي ومنها، عدم إعادة فتح القنصلية في القدس، وإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، ورفع اسم المنظمة من قائمة الإرهاب، وبقية النقاط الست هي أقصى طموحات الفلسطينيين، وسقف المطالب وتضيع بقية المطالب والحقوق الوطنية الفلسطينية وحلم الدولة.

ولا غرابة في ما أقول، ألم تختزل مطالبنا وحقوقنا منذ انطلاقة الثورة من تحرير كامل التراب الفلسطيني من نهر الأردن وحتى البحر الأبيض المتوسط، وإقامة الدولة الديمقراطية، ينعم فيها جميع مواطنيها بجميع الحقوق المتساوية، يهودا كانوا أو مسلمين أو مسيحيين، ألم تكن هذه طموحات الشعب الفلسطيني ولاجئيه ولا تزال. وتقلصت هذه الطموحات مع الوقت إلى برنامج النقاط العشر والقبول بما هو مطروح. واستمر مسلسل التنازلات حتى وصلنا إلى اتفاق أوسلو المشؤوم، الذي قبلت فيه منظمة التحرير بالاعتراف المتبادل، اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير، وقبول المنظمة بحكم ذاتي على22% من الضفة.

وأختتم بتساؤل مطروح على الساحة السياسية وهو، هل كانت القضية الفلسطينية ستجد طريقها إلى الحل لو لم يقع الانشقاق المشؤوم بين غزة والضفة؟ لا أظن لأن الانشقاق حصل عام2007 أي بعد14 سنة على اتفاق أوسلو، الذي لم يحرز فيها أي إنجاز. الانشقاق سيظل حبل الغسيل الذي ينشر عليه أعداء الشعب والفلسطينيون والمزاودون فشلهم.

وسوم: العدد 990