ربنا لا تجعلنا فتنة.. اللهم لا مفتونين ولا فاتنين!!

وكل شيء عندهم جائز .. وكل شيء عندهم حرام..

والإنسان يعينه الله فيصبر على الفتنة مفتونا، وأشد البلاء أن يكون المرء فتنة، يفتتن الناس بقوله وفعله وهو يدري أو لا يدري...

وما اختلف أهل الإسلام في أمر من أمور دينهم ودنياهم، إلا وجدت طائفة من أصحاب العمائم مع هؤلاء وهؤلاء وأولئك وأولائكن..!! وعلى كل درجات المسطرة وقف أحدهم يقول ببراعة مثل براعة شيشرون: بسم الله.. والحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله، ثم اندفع يهدي أو يهذي...!! ولكن شرع الله لا يهذي كما يهذون...

وتكون المسألة أكثر صعوبة وأشد فتنة على المسلم الضعيف، عندما يكون في أحد أطراف الرأي صاحب سلطة، ولن أقول صاحب سلطان، فهل وجدتم فيما عشتم صاحب سلطة، سلطان أو جاه أو مال ...لا تحف به كوكبة من أصحاب " ...." أستحيي من الله أن أقول..

قالوا هذا حري، إن قال أن يصدق، وإن خطب أن يُزوّج ..!! حضرت مجالس كثيرة أرى فيها كيف يميل الرأي إلى كفة الرجل الملئ شحما أو لحما...!!

وقرأت في كتب الأدب أن فلانا من الملقبين زورا بالعلماء، كتب للخليفة المقتدر أو القادر - الشك مني- كتابا أباح فيه كل شيء، كل شيء يعني كل حرام، وأباح من الإباحة، أي أنه وجد أدلة من النصوص وأقوال العلماء، على تحليل كل الفواحش والآثام والمنكرات. وقدمه للخليفة ينتظر مكافأته!!

وقرأه الخليفة ودهش مما فيه، فدفعه إلى أحد العلماء الأثبات في حاشيته أيضا، ولكن بعض الشر يكون أهون من بعض، فقال له: انظر لي ما في هذا الكتاب. يقول الراوي. وبعد أيام أعاد العالم المسنصح الناصح الكتاب إلى لخليفة، وقال له يا أمير المؤمنين نشدتك الله إلا ما غسلته، وكانوا يغسلون الكلام الباطل ضنا بالورق النفيس!! أرأيت كتابا ورقه أغلى من علمه!! فسأله الخليفة: ما له، أكذب فيه؟؟ فقال يا أمير المؤمنين، إن هذا تتبع الضعيف من الأقوال، والشاذ من الآراء ، وسقطات العلماء ولم يكد يخلو عالم من سقطة، ثم جمعها في كتاب واحد، فأضاع الدين...

منذ أيام جار الله الزمخشري من مخضرمي القرنين الخامس والسادس الهجري، نظم أبياته الشهيرة الجميلة:

إن سألوا عن مذهبي لم أبح به .. وأكتمه كتمانه لي أسلم

وأي فتنة على المسلم اليوم ...

أن نرى "معمما" يقال له حدثنا عن تحديد النسل فيسأل: أبتحليل أو بتحريم أحدثكم ؟؟ عمامة تحت الطلب. وآخر يقال له حدثنا عن التطبيع مع المحتلين اتلآثمين فيفتي حسب المقتضى، وأن نجد علماء يحسبون على الإسلام يختلفون على التطبيع مع العدو المبين الصهيوني أو الصفوي أو الأسدي وهم يفتون وكأنهم يهرجون...ومفتن يحرض على أبناء ملته من المهجرين احذروهم إنهم إرهابيون، ومفتن ينادي على المنبر للجندي يقتل إخوانه: اضرب بالمليان، وثالث يقول لو فعلها ولي أمرك على الهواء فليس لك أن تنكر عليه!! وغلبني فضولي أكثر من مرة لأسأله: ولو فعلها بك أو فيك!!

هذا الإسلام الذي يبيح كل شيء، ويجيز كل شيء، ويصطف من يسمون الناطقين باسمه على كل الأبواب، ويرفعون كل الرايات، ويخطبون على كل المنابر، يحللون يحرمون، يشددون ويترخصون، ورب صغيرة تصبح في فقههم عند اللزوم كبيرة، كأن يقول: أحد لولي أمره لم؟ أو كيف..؟؟

هذه هي الفتنة التي يعيشها أبناء المسلمين اليوم، وهي أكبر من كل فتنة قذفنا بنا الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب، وأكبر من فتنة الدعوات الهدامة، بكل ألوانها وأشكالها ...

أيها المحادون لله ولرسوله.. أيها الفاتنون للناس مما تسوغون وتعللون وتحللون وتحرمون..وليس فقط مما تطولون ...

قال : أفتان أنت يا معاذ؟؟

وكان رجل قد قال: لا أكاد أصلي الصبح مما يطول بنا معاذ، ورضي الله عن سيدنا معاذ..

يا حادي الطريق جرت...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 998