كانت هنا مدينة اسمها (جنديرس)

sdsfgsfgs1021.jpg

تقع مدينة جنديرس وسط حديقة غناء من شجر الزيتون الذي يفترش بساطاً أخضراً سندسي على مد البصر أينما يممت وجهك، تزود سكانها وكثيراً من المدن السورية بزيتها الذي ينساب من معاصر الزيتون المنتشرة في ربوع المدينة، وقد فاجأ هذه المدينة الرائعة والجميلة زلزال مدمر يوم الإثنين السادس من شباط 2023 بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس رختر، بعد الساعة الرابعة صباحا انطلق من مدينة غازي عنتاب التركية، تبعته هزة ارتدادية لاحقة بنفس الدرجة تقريبا، ووصل امتداد الزلزالين إلى محافظات حلب وإدلب واللاذقية وحماه وطرطوس السورية، وكان نصيب جنديرس الدمار الأكثر دموية وخرابا.

أحد الناجين واسمه أدهم يقول: “كانت ثلاث دقائق حسبتها دهراً، إنها القيامة، لقد نجونا بمعجزة، فمع ارتفاع وتيرة الاهتزاز قفزتُ من الشرفة ممسكاً بطفلتي، والحمد لله انقضت بكسور في ساقي، بينما لم تصب ابنتي بأذى”.

يقول أدهم الذي يسكن مع عائلته في منزل قديم في مدينة جنديرس، سماكة الجدران المبنية من الطوب والحجر لم تكن لتقاوم شدة الزلزال التي بلغت 7.8 درجات على مقياس ريختر، “قفزت من شرفة البيت محتضناً طفلتي، وقد أصبت بكسر في الساق، الحمد لله هكذا انتهى الأمر، لم أتوقع أن أنجو وعائلتي من الموت تحت الركام، لقد كانت لحظات عصيبة، إنه كابوس مؤلم”.

تقع مدينة جنديرس بالقرب من مدينة عفرين، شمال حلب، هناك وقعت أكبر الخسائر البشرية والمادية التي سببها الزلزال، فالبناء الذي لم يتهدم بات اليوم غير صالح للسكن، كما تمكن المجلس المحلي في مدينة جنديرس من توثيق 756 اسماً لضحايا تم انتشال جثامينهم.

وما زال عدد كبير من الضحايا عالقين تحت الأنقاض، فيما تتضاءل فرص العثور على ناجين مع مرور أيام على وقوع الكارثة.

غادر أدهم المدينة تاركاً أمتعته تحت ركام المنزل المهدم، ليتابع علاجه في منزل والده في مدينة إدلب، يقول وهو يحدق في ساقه الملفوفة بالجبس: “لا يمكنك التفكير في الخسائر المادية أمام حجم الخسائر البشرية، الأثاث يمكنك تعويضه طالما أنك على قيد الحياة، لكن ماذا عن الأرواح التي أزهقت؟”.

بلغ عدد الأبنية المتضررة في جنديرس 1100 بناء، منها 257 بناء مهدم بشكل كامل، بحسب ما أعلن المجلس المحلي في المدينة، وتوزع جزء من الناجين على مخيمات ومراكز إيواء، بينما لجأ آخرون إلى أقاربهم في مناطق أخرى، أقل تضرراً.

يستقبل مستشفى جنديرس العسكري المصابين، إضافة إلى تحويل المستشفى النسائي في المدينة إلى نقطة طبية لاستقبال المصابين الناجين، فالعدد الكبير للمصابين والمتضررين، أدى إلى صعوبة نقلهم إلى مستشفيات اعزاز وعفرين وإدلب.

وأعلن المجلس المحلي في مدينة جنديرس المدينة منكوبة بشكل كامل، مناشداً المنظمات الإنسانية المساعدة فوراً على انتشال العالقين تحت الأنقاض، إذ بلغ عدد العائلات المتضررة بدون مأوى والمسجلة لدى المجلس المحلي 3900 عائلة، ولم يُؤمّن المأوى سوى لـ500 عائلة فقط، فيما حوالى 2500 عائلة بقوا دون سكن يبيتون في العراء، و في الشوارع.

لن يتمكن أدهم من العودة إلى جنديرس، حتى وإن عادت إليها الحياة مجدداً، فالأثر النفسي الذي تركته ليلة الزلزال عليه وعلى عائلته ما زال كبيراً، وهو بحاجة إلى فترة طويلة للتعافي، كما يقول.

محاولاً التغلب على الآلام التي يعاني منها نتيجة الكسر في ساقه، أثناء نهوضه ليعدل وضعية نومه، يضيف: “نحن بالأساس نازحون، يمكننا اللجوء إلى أقاربنا الموزعين على مختلف قرى وبلدات الشمال السوري، ولكن أين يلجأ أبناء المدينة وسكانها المحليون، الذين لا أقارب لهم”.

وصل المجلس المحلي في مدينة جنديرس إلى مرحلة العجز، بين محاولات العثور على ناجين، وإنقاذهم من تحت الركام، وانتشال الضحايا، وتأمين المأوى للمتضررين، وأعلن أنه يعاني من مشكلة في تأمين مأوى للأهالي والعائلات المتضررة من الزلزال، إضافة إلى نقص في تأمين الاحتياجات الغذائية والإغاثية المستعجلة”.

وفيما كانت المدينة المنكوبة في أمس الحاجة إلى مساعدات بمختلف أنواعها، من فرق إنقاذ، وكوادر ونقاط طبية، ومساعدات غذائية، وخيام، كانت مناطق أخرى تعيش أوقاتاً عصيبة مشابهة، في ظل عدم دخول أي مساعدات أممية تقلل من حجم الكارثة.

مر اليوم الثالث بعد الكارثة ولم تدخل أي مساعدات خاصة بالزلزال، وأن 6 شحنات من المساعدات الأممية الدورية من منظفات وإسفنج وأغطية دخلت الخميس (9 شباط)، كان من المقرر وصولها قبل وقوع الزلزال. أي أنه حتى الآن لا مساعدات للمتضررين من الزلزال تحديداً.

تصريحات كثيرة تطلقها جهات دولية عن إرسال المساعدات إلى سورية، بينما واجه السوريون في الشمال الغربي للبلاد مأساتهم بمعاولهم البسيطة وأصابعهم المتشققة وأظافرهم المتكسرة، محاولين البحث عن أقارب لهم بين الركام، غير مكترثين بتلك الوعود والتصريحات التي لم تعرف طريقها إلى المحتاجين.

في المقابل، يحتكر النظام المجرم كل المساعدات التي تصله عبر مطاراته، من الجزائر والإمارات وإيران، وغيرها من الدول التي عبرت عن تضامنها مع ضحايا الزلزال، في الوقت الذي كان فيه سكان شمال غربي سورية وحيدين يضمدون جراحهم بأيديهم، عبر مساعدات بسيطة مما توفر من مؤوناتهم وأثاثهم، وبمبادرات فردية، لا تسد الحاجة وسط الكارثة الإنسانية الكبيرة.

حصل أدهم على حقنة ديكلون المسكنة، والتي بدأت تخفف من ألمه رويداً رويداً، وتركه الفريق الطبي الذي أسعفه، بعدما غط في نوم عميق، بينما ما زال الآلاف من المتضررين والمصابين يبحثون عما يمكن أن يخفف آلامهم، الجسدية منها والنفسية التي خلفها هذا الزلزال المدمر الذي فاجأهم على حين غفلة، وهي آلام تضاف إلى مآسيهم الممتدة منذ 12 عاماً من الموت واللجوء والقمع والتشرّد على يد النظام المجرم، وحلفائه الروس والإيرانيين وحزب اللات اللبناني والميليشيات الرافضية التي جندتها إيران لذبح السوريين.

وسوم: العدد 1021