الثامن من آذار 1963 وليله الطويل

ssdaffda10221.jpg

لقد خلّف انقلاب الثامن من آذار من عام 1963 جرحاً غائراً ينزف دماً قانياً من أجساد السوريين على مدار نصف قرن ولا يزال ينزف، يتجرعون السُم والعلقم صباح مساء على يد حفنة من عتاة المجرمين، الذين اتفقوا على تمزيق سورية وذبح شعبها وتهجيرهم في أصقاع الأرض بحثاً عن ملجأ آمن، بعد أن فقدوا الأمن والأمان في وطنهم السليب المستعمرُ من عصابات وميليشيات وقتلة ومرتزقة واحتلال روسي واحتلال فارسي، سهّل لها حاكمها نمرود الشام بشار الأسد دخولها، لتعيث فسادا في الأرض، تذبح وتقتل وتهجر وتدمر وتعفّش وتسرق وتنهب، والمجتمع الدولي عربه وعجمه قد صك آذانه عن سماع بكاء الأطفال وعويل النساء وآهات الرجال. وكانت البداية:

‏1-تعيين وزير الداخلية العميد أمين الحافظ نائباً للحاكم العرفي بمرسوم من قيادة الانقلاب فور نجاحه، ‏يخوله ممارسة جميع الصلاحيات المنصوص عليها في قانون الطوارئ.

ssdaffda10222.jpg

أمين الحافظ

‏2-أصدر المجلس الوطني لقيادة الانقلاب مرسوماً تشريعياً يقضي بإلغاء ترخيص ستة عشر صحيفة ‏بتهمة تأييد الانفصال (انفصال سورية عن مصر)، دون أي حق بالتعويض مع ختم مكاتبها ومطابعها بالشمع الأحمر، كما ‏يقضي المرسوم بمصادرة هذه المطابع وموجوداتها لصالح خزينة الدولة ببيعها أو توزيعها بين الوزارات ‏والإدارات، كما يقضي بأن توضع تحت الحراسة القضائية الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة إلى ‏أصحاب الصحف وزوجاتهم وأولادهم ما لم تكن ملكيتها قبل 28 أيلول 1961م.‏

ssdaffda10223.jpg

الصحف السورية الساخرة

‏3-أصدر مجلس قيادة الانقلاب بتاريخ 25/3/1963م مرسومان يفرض أولهما جزاء العزل السياسي ‏على رجال الحكم السابق في سورية باعتبارهم (ركائز العهد الانفصالي). أما الثاني فيتضمن أسماء ‏أربعة وسبعين شخصاً وصمهم المرسوم بأنهم استعملوا نفوذهم أو ثرواتهم أو سخروا وظائفهم لخدمة ‏الانفصال.

ssdaffda10224.jpg

رجالات سورية وسياسييها

‏4-أصدر مجلس قيادة الانقلاب بتاريخ 15/3/1963م قرار تشكيل "الحرس القومي" على غرار ما جرى ‏في العراق بعد انقلاب 8 شباط البعثي، وقد تطوعت في هذا الحرس القيادات العليا لحزب البعث سواء في ‏سورية أو العراق، للدفاع عن حكمهم العسكري الديكتاتوري المرفوض شعبياً.

ssdaffda10225.jpg

‏5-تصفية وقمع ضباط حركة 18 تموز 1963م التي قادها العقيد جاسم علوان وعناصرها بدموية لم يكن لها سابقة في سورية. ‏

ssdaffda10226.jpg

‏6-قمع الحركة الطلابية التي قامت في مدينة بانياس الساحلية وإلقاء عدد من الطلاب في نهر ‏بانياس جثث هامدة.

‏7-قمع الجيش والحرس القومي لانتفاضة حماة عام 1964م، وضرب جامع السلطان بقذائف ‏الدبابات والمدفعية وقتله العشرات داخل المسجد.

ssdaffda10227.jpg

جامع السلطان

‏8-قمع الجيش والحرس القومي لانتفاضة الجامع الأموي بدمشق عام 1965م، واقتحام صحن جامع ‏بني أمية بالدبابات وسوق المصلين إلى السجون والمعتقلات.

ssdaffda10228.jpg

الجامع الأموي

‏9-تصفية الجيش السوري: فقد تم تسريح أكثر من (500) ضابط من مختلف الرتب من كوادر ‏الجيش المحترفة في الأيام الأولى لانقلاب الثامن من آذار، وينتمون في معظمهم إلى أهل السنة، وحل محلهم ضباط احتياط من المعلمين ‏والموظفين المترهلين الذين لا يملكون أية خبرة عسكرية، ومؤهلهم الوحيد هو كونهم ينتمون إلى حزب ‏البعث الحاكم والطائفة العلوية تحديداً.

يقول الفريق لؤي الأتاسي عضو الوفد لمباحثات الوحدة الثلاثية في نيسان 1963م في مصر، ‏وكان يشغل منصب رئيس الدولة السورية بعد انقلاب الثامن من آذار، وبالتحديد في 14 نيسان ‏‏1963م، أي بعد سبعة أيام من الانقلاب، يقول: (حتى الآن صار عندي 300 ضابط مسرح من مختلف ‏الرتب، وماشين بالتسريح، وأي إنسان لو أشك أنه ممكن لا يمشي مع الاتجاه على طول يخرج).

كما يقول: (إن عدد المسرحين من الجيش السوري بعد الثامن من آذار من الضباط وصف ‏الضباط قد بلغ الآلاف، وامتدت التصفية إلى ضباط الأمن - وزارة الداخلية - وحتى طلاب الكلية ‏العسكرية عندما صرفت دورة كاملة بحجة أن طلابها جميعاً من الانفصاليين).‏

ssdaffda10229.jpg

لؤي الأتاسي

يقول أكرم الحوراني في مذكراته - في الحلقة 33 تاريخ 3/9/1997م التي نشرتها جريدة العرب اليوم الأردنية:‏

(لقد استمر إصرار انقلابيي الثامن من آذار من العسكريين على استراتيجية تصفية الجيش ‏السوري إلى ما قبل حرب حزيران 1967م، بسبب التكالب على السلطة تحت مختلف الذرائع، ‏وبحجة تبني حرب التحرير الشعبية، مما أضعف قدرة الجيش السوري على القتال، وغلّف ذلك ‏بمختلف التنظيرات، بالوقت الذي لم يهيأ فيه جدياً لحرب التحرير الشعبية، مع أنه لا يمكن أن ‏تكون الحرب الشعبية بديلاً عن تقوية الجيش وإنما رديفاً له).‏

ويضيف الحوراني قائلاً: (وهكذا نجد وزير خارجية النظام الديكتاتوري إبراهيم ماخوس يصرح ‏قبل يوم واحد من حرب حزيران بحضور بعض الدبلوماسيين: الشعب العربي الكبير بما يملكه من ‏طاقات وقوى مصمم على أن تكون نهاية الإمبريالية في المنطقة، إنكم تعرفون أن حروب التحرير ‏الشعبية لا تحسم بالطائرات ولا بالدبابات، لأن قوتها نابعة من التصميم والإرادة والإيمان المطلق ‏بالحرية، والشعب العربي مصمم على النصر مهما كان الثمن. وقد ذكرت هذا الحديث مجلة اليوم ‏السابع الصادرة يوم 8/6/1987م).

ويتابع الحوراني قائلاً: (كان الهدف الأول بعد انقلاب الثامن من آذار للمدنيين والعسكريين على ‏السواء أن يستخدموا الجيش أداة لأغراضهم في السيطرة على الحكم، ولم يكن هدفهم تقويته وإعداده ‏لمعركة المصير).‏

لقد قال لي - والكلام للحوراني - الدكتور فيصل الركبي (إنه حاول تنبيه ميشيل عفلق بعد ‏الخلاف بين أمين الحافظ والقيادة القومية من جهة وبين صلاح جديد والقيادة القطرية من جهة ثانية ‏إلى أن هذا الخلاف سيؤدي إلى تمزيق الجيش.. فأجابه عفلق:‏

(إننا نرحب بهذا الخلاف الذي سيخلصنا من الجيش وتسلطه على الحزب وعلى الحكم).

ssdaffda102210.png

أكرم الحوراني

‏10-اكتشاف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين عام 1965م.‏

ssdaffda102211.jpg

الجاسوس كوهين (كامل أمين ثابت)

‏11-حدثت مجابهة دموية بين أمين الحافظ وحرسه من جهة وبين قادة حركة 23 شباط 1966م من ‏جهة ثانية، تم فيها اعتقال أمين الحافظ والسيطرة على الحكم.

ssdaffda102212.jpg

‏12-في الخامس من حزيران عام 1967م تقهقرت القوات السورية مهزومة أمام القوات الصهيونية دون دفع أو مدافعة، ‏لتدخل القوات العدوة بغير حرب مدينة القنيطرة وتحتل كامل مرتفعات الجولان المنيعة، وتغنم أسلحة الجيش الثقيلة التي لم تشارك في الدفاع عن الوطن، بعد أن أمر وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد قواته بالانسحاب الكيفي من الجبهات وإعلان سقوط القنيطرة التي لم تسقط إلا بعد 18 ساعة من بيان سقوطها.

ssdaffda102213.jpg

هزيمة 1967

‏13-عام 1970م حدثت مواجهة عنيفة بين القوات السورية - التي حاولت اجتياز الحدود الأردنية - ‏والجيش العربي الأردني، وتم دحر القوات السورية وتدمير واعطاب عشرات الدبابات، وإجبار القوة التي عبرت الحدود على التراجع والعودة من حيث أتت بعد تكبيدها ‏خسائر فادحة.‏

انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في

‏16 تشرين الثاني 1970م

بعد هزيمة حزيران 1967م، طُرحت بإلحاح قضية محاكمة الضباط الذين يتحملون مسؤولية ‏هذه الهزيمة العسكرية، وكان في مقدمتهم وزير الدفاع حافظ الأسد، الذي أصدر قراراً بسقوط القنيطرة ‏عاصمة الجولان قبل دخولها من قبل القوات الصهيونية، وإصداره أمراً للقوات المسلحة بالانسحاب ‏الكيفي من الجولان. وقد أدت هذه القضية إلى ظهور تيارين كبيرين يمثلهما كل من وزير الدفاع ‏حافظ الأسد والأمين المساعد للحزب صلاح جديد، والاثنان علويان ومن مؤسسي اللجنة العسكرية التي قادت انقلاب الثامن من آذار 1963.

الأول يحمل لواء الدفاع عن وحدة الجيش والدفاع عن الضباط المتهمين بالإهمال في تحمل ‏مسؤولياتهم. وقاد الأسد في وجه المعارضين والمهاجمين للجيش، حركة واسعة بين صفوف ‏العسكريين.

الاتجاه الثاني يقوده اللواء صلاح جديد، وكان يستمد قوته الأساسية من تأييد الحزب له ومنظماته ‏النقابية.

وهكذا فإن الصراعات الداخلية بين هذين التيارين طوال مدة أكثر من ثلاث سنوات تحولت بسرعة ‏إلى صراع صريح وعلني بين الجيش والحزب.

فحافظ الأسد كوزير للدفاع استطاع أن يكسب إلى جانبه تأييد معظم الوحدات العسكرية الفاشلة التي كانت وراء سقوط الجولان، في ‏حين أن صلاح جديد قد ثبّت مواقعه في الحزب ومنظماته الجماهيرية. وقد انفجرت الحرب بين هذين ‏الاتجاهين المحددين على هذه الصورة.

وفي المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي لحزب البعث الذي عقد في دمشق في أوائل تشرين ‏الثاني 1970م، اتخذ أعضاء المؤتمر المذكور جانب الأمين العام المساعد، وأيدوا بشكل إجماعي ‏قراراً بفصل كل من وزير الدفاع حافظ الأسد، ورئيس أركان الجيش مصطفى طلاس، وقائد العمليات ‏العسكرية عبد الغني إبراهيم، وقائد سلاح الطيران ناجي جميل.

ولم تتأخر ردة الفعل عند حافظ الأسد، الذي كان يعد العدة لحركته، فقد قام في 16 من الشهر ‏نفسه، يدعمه أنصاره العسكريون، بحركته ضد الحزب وضد تيار صلاح جديد. وأطلق على حركته ‏‏(الحركة التصحيحية) التي كانت رصاصة الرحمة التي أنهت وجود حزب البعث في سورية وإلى ‏الأبد. وهكذا أصبح الحزب بكل تنظيماته وقياداته على مختلف المستويات تتبع القيادة الجديدة، ‏حيث تم اعتقال عدد كبير من خصوم الحركة، في حين فرَّ عدد آخر إلى خارج القطر.

‏(موقف حافظ الأسد هذا يذكرنا بموقف حسني الزعيم الذي قاد أول انقلاب عسكري في سورية عام ‏‏1949م عندما أحس أنه سيتعرض للمساءلة القانونية تجاه الفساد التمويني وصفقات الأسلحة القديمة الفاسدة ‏والمستهلكة؛ التي أبرمها؛ فقام بتنفيذ انقلابه، وهذا ما حصل بالفعل مع حافظ الأسد عندما أحس أنه ‏سيتعرض للمساءلة عن هذه الهزيمة وسيدان على نتائجها المأساوية فسارع وقام بحركته الانقلابية ‏على رفاقه).‏

المصدر

*صحيفة البعث السورية-أعداد: (من 15 آذار إلى 18 آب 1963).

*صحيفة الأحد اللبنانية-العدد 25 تموز 1965.

*صحيفة الأوريون-23 حزيران 1963.

*صحيفة الأهرام المصرية-23 تموز 1963.

*صحيفة العرب اليوم الأردنية-مذكرات الحوراني.

*كتاب البعث-سلسلة الحياة السياسية في سورية-محمد فاروق الإمام.

*‏جريدة المناضل-عدد 94 شباط 1977.‏

*ص (200) من كتاب البعث والوطن العربي-قاسم سليمان.

وسوم: العدد 1022