تنشئة جيل النصر
آن أوان تنشئة جيل النصر على أنقاض جيل الهزيمة، هذا الأخير الذي ترعرع في ظل العلمانية المتوحشة التي عملت – وخلافا لادعاءاتها وشعاراتها – على تخدير الشباب وتغييب الوعي مستعينة في العشريات الأخيرة بالوهابية التي تفعل نفس الشيء، الأولى باسم الحداثة والثانية باسم قراءة حرفية سطحية متشنجة للقرآن والسنة...جيل الهزيمة أدار ظهره لمعالي الأمور ونشأ في أحضان الغناء والرقص وكرة القدم والتدخين وصولا إلى المخدرات والمهلوسات، أو – بالنسبة لفئة أخرى من المسلمين – في أحضان تديّن شكلي لا يبرح الحيّز الفردي، بعيدا عن شؤون الأمة ومقاصد الإسلام، ويمر إعداد جيل النصر عبر إعادة تشكيل شخصية المسلم تشكيلا جديدا يبدأ بعلاج الهزيمة النفسية والخروج من عقلية الانهزام والمستحيل والتعويل على الأنظمة الحاكمة والمجتمع الدولي، والتسلح بدل ذلك بقوة الشكيمة والاعتماد على الله وعلى الذات الفردية والجماعية وعودة الوعي الذي غيّبته العلمانية والوهابية والطرقية سواء.
ومن المفروض أن البداية تكون بالمدرسة بمختلف أطوارها، فمتى يفهم المقررون أن تدريس الموسيقى والفن بدل القرآن والحديث النبوي لن يمنع الشباب من الحرڨة واستهلاك المهلوسات والمخدرات ولن يحقق الاكتفاء الذاتي ولن يطوّر البنية التحتية للبلد بل سيزيدنا تخلفا وتفسخا ويجلب لنا مزيدا من المآسي؟ من الأفضل لنا استنساخ تجربة غزة في التربية والتعليم، فهي حرية بتنشئة جيل النصر، ففي القطاع – وبإشراف حركة المقاومة الإسلامية - الرجال رجال والنساء نساء، لا وجود للحركات النسوية التي يتلخص دورها في كل مكان في إفساد الفطرة وتمرد المرأة على الدين والأخلاق والرجل، ليس هناك تبرج ولا تخنث، بل هناك زوجات وأمهات، ليس هناك تغريب ولا تغييب لشرع الله بدعاوي الحرية الشخصية، وهذا عين ما نحتاجه لتدارك السير في الطريق الخطأ الذي دأبت عليه أنظمة ما بعد الاستقلال، وأسوأ نموذج له هو دول الطوق في المشرق العربي، فما عليه شعوبها – أكثر من غيرها من الشعوب العربية والمسلمة الأخرى – من عجز وسلبية وهوان وانسحاب من الحياة ورضا بالتصهين والاستبداد وعدم إغاثة الإخوة - أثرٌ مباشر للتنشئة على إسلام مزيّف، حصروه في العبادات الفردية وأفرغوه من معاني الأمة الواحدة والأخوة الإيمانية والجهاد والأمر والنهي ومعالي الأمور، ولولا هذه التنشئة المخالفة لقيم الدين والأخلاق والإنسانية ما رأينا دول أمريكا اللاتينية - و آخرها نيكاراغوا- تقطع كل علاقاتها مع كيان العصابات الصهيونية ، و بالمقابل تقوم بعض الدول العربية – على رأسها دول الطوق – بإمداد العدو بالخضر و الفواكه و شتى السلع الاستهلاكية، أي تساهم في المجهود الحربي إلى جانبه وتشارك بالتالي في تقتيل المسلمين، وهكذا يكون أقوى سلاح يمتلكه الكيان الغاصب هو هؤلاء الحُكام وهذه الأنظمة وهذه الشعوب.
وبعد التعليم وتزامنا معه يأتي دور إصلاح الخطاب الديني الذي كشفت الحرب على غزة عواره، فشيوخ الوهابية والطرقية والموظفون "المحايدون" صدعوا على مدى سنوات رؤوسنا على المنابر والإذاعة والتلفزيون والصحافة بقصص الحق وصراعه مع الباطل وسنة التدافع، وعندما جاء وقت كل ذلك وجدّ الجدّ قالوا بلسان الحال "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده"...منهم من اختفى ومن اختار الاعتكاف في غير رمضان ومن ملأ الدنيا بالحديث عن الزهد وحوادث الطرقات وفوائد التشجير، ومنهم من اصطف جهارا مع العدو تحت ذريعة طاعة الحُكام ومزاعم العقيدة والتوحيد !!!وسوّق خطابا دينيا مبدّلا هو عكس ما ورد في القرآن والسنة، هؤلاء يبيعون الوهم للناس، وبعض الناس يصدقون الوهم حتى لا يصدموا بالحقيقة التي عرّتها المقاومة... وقليل من الشيوخ الفحول واكبوا الأحداث وقالوا كلمة الحق وأناروا الطريق للأمة وجلبوا التأييد للمجاهدين والمرابطين.
فأيها المسلم، في سبيل تنشئة جيل النصر ابق واقفا في وجه الباطل ولو وحدك، إن لم تستطع تغيير أي شيء بوقوفك هذا فعلى الأقل لا تتركهم يغيرون منك شيئا من دينك، من أخلاقك، من إنسانيتك...ابق إنسانا مستيقظا...احذر كل أنواع المخدرات والمنوّمات والملهيات، فهم يملكون الكثير منها، من الكرة إلى "الفن" مرورا بالخطب المعلبة التي تسمعها في أكثر المساجد.
واعلم أن أكبر مصيبة تنزل بالمسلم ألا يساند المجاهدين في غزة لا بدينار ولا منشور ولا كلمة قوية ولا مقاطعة لسلع الأعداء، وربما يخدع نفسه بسراب "الجهاد بالدعاء"، فهذا هو الخسران المبين.
وسوم: العدد 1098