العبوا غيرها!

العبوا غيرها!

آيات عرابي

سنوات طويلة قتل فيها قرابة الربع مليون شهيد في سوريا. سنوات طالت حتى ظن الجميع أنها لن تنقضي. كان السفاح بشار هو أسرع الطغاة تعلماً. وكان جيشه هو أسرع الجيوش انفضاحاً. فما أن قامت الثورة السورية حتى بدأت كل مؤسسات القمع من جيش ومخابرات وداخلية في محاولة كسر عنق الشعب، وصمد السفاح بشار أمام الشعب السوري بغطاء سياسي صهيوني أميركي، وكان أسوأ ما حدث أنه قدم مثالاً للطغاة العرب في قمع الثورات الشعبية.

هكذا بدا أمام الجميع، حتى أن صمود النظام السوري نسبياً أمام الثورة ألهم فئران المعونة الأميركية في مصر محاور الحرب النفسية التي شنوها فيما بعد على الشعب المصري بعد الانقلاب؛ فانتشرت مقولة (حتى لا نكون مثل سوريا أو العراق)، ورغم كل ذلك فالثورة السورية هي أنجح الثورات العربية على الإطلاق. فهي رغم بطئها الشديد في التقدم نحو هدفها فإنها تقدم نموذجاً للحل الجذري، وهو قطع رأس النظام وكيل الاحتلال واقتلاعه من جذوره.

تطورت الثورة في سوريا في حاضنة من القمع الوحشي الذي لم يعرف التاريخ مثله إلا في ظل احتلال المغول لبغداد، وكان ذلك القمع بمثابة التطعيم للثورة، تماماً كخام الحديد الصلب الذي يُطرق فينفي خبثه ويشتد.

بعد أربع سنواتٍ من الثورة أصبحت دعاوى إصلاح هياكل المؤسسات تاريخاً؛ الثورة الآن لا تمزح، تتحرك وسط بحر من الأعداء في الداخل وفي الخارج ولكنها تنجح وتقتلع الجذور، ومهما بدا للناس من عداوة بين روسيا وأميركا فبقاء نظم الاحتلال بالوكالة هي الأرضية المشتركة التي تجمعهما، ففي سوريا سمحت إدارة أوباما لروسيا وإيران بالعبث دون أي رادع، بينما امتنعت الحكومة الأميركية عن اتخاذ أي قرار جاد من شأنه تكبيل يد المجرم بشار عن المذابح التي يرتكبها في حق الشعب واكتفت بالإدانات الرقيقة والكلمات الرنانة.

الشعوب تتعلم من بعضها البعض كما أن الأنظمة تتعلم من بعضها، فكما انتقلت الثورة من تونس إلى مصر، ثم انتقلت بعدها إلى سوريا وليبيا واليمن، تعلمت الأجهزة الساقطة في مصر من عصابات السفاح بشار، وكانت النتيجة المباشرة هي المذابح الوحشية التي شاهدناها في مصر في رابعة والنهضة ورمسيس وغيرها، وتعلم نظام بشار من عصابة الانقلاب في مصر؛ فنفذ واحدة من أبشع المجازر ضد الشعب السوري وقتل حوالي عشرة آلاف (حسب بعض المصادر) بالأسلحة الكيماوية. ومرة أخرى وبعد تلك المجزرة أثبت نظام بشار أنه يتمتع بغطاء دولي قوي فلم تزد ردود الأفعال الدولية عن الإدانة ومطالبته بتسليم الأسلحة الكيماوية.

وكان من أهم النجاحات التي حققتها الثورة في سوريا أنها تجاوزت الغطاء الدولي للسفاح بشار ولم تعد تكترث به وتواصل نجاحتها على الأرض، بل وتجاوزت حتى تلك الدعايات المضحكة التي جرت العادة منذ نشأة النظم العسكرية في الخمسينيات على بثها، فالعداوة المضحكة والحشد الإعلامي ضد الكيان الصهيوني لم يكن سوى فيتامينات تستخدمها الأنظمة العسكرية في سوريا ومصر للبقاء. ومن المضحك أن الصهاينة أنفسهم يصرون على التعاون مع شركائهم من الحكام العرب في استخدام نفس الموضة القديمة من دعايات المقاومة والنضال.. إلخ. أضحكتني كثيراً الأنباء الخاصة بقصف الطيران الصهيوني لمواقع تابعة لبقايا جيش بشار ولحزب الله المشارك في ذبح السوريين، بعد تحرير جسر الشغور، وقالت وكالات الأنباء العالمية: إن الغارة الصهيونية استهدفت (أسلحة كاسرة للتفوق الإسرائيلي كانت في طريقها لحزب الله)!!

كلما حقق الثوار نجاحاً يتصل بشار بالرفاق في تل أبيب لتنفيذ قصف جوي، ليجعجع إعلامه بالمزيد من دعايات الخمسينيات المكشوفة.

أيها الحمقى.. لم تعد تلك الألاعيب الساذجة تخدع أحداً؛ العبوا غيرها!

الثورة السورية مستمرة، وإن شاء الله سنرى الثوار يدخلون دمشق واللاذقية وسنرى بشار يُجر من قدميه وهو يولول ويُقتل كالقذافي.