عن الاغتراب والغمام والأسئلة

عن الاغتراب والغمام والأسئلة

إبراهيم جوهر

( الصباحية ) ! صباح أعقب فجرا هادئا .

الأيام عادية ، والساعات محايدة . إحساسنا بالوقت هو المتغيّر . ليس اليوم كما أمس ، وليس المساء كما الصباح ...فهل أنا أنا في الصباح كما في المساء ؟!!

صباح الأسئلة .

أسئلة تغطي وضوح الأفق الذي يجذب ناظريّ وأفكاري وخيالي .

الأسئلة بداية المعرفة ؛ الخطوة الأولى في طريق طويل . قالوا ( طريق الألف ميل ) ، ألا يوجد مسافة أبد ؟

أميل إلى ضرورة مراجعة بعض المسلّمات ، والأقوال ، والمفاهيم .

سألني زميل ( لئيم ) أيام الطلب الجامعي : ما هي السعادة في رأيك ؟

قلت مفلسفا الأمر ببساطة : كل ما يجلب الشعور بالسعادة ! فحين أتناول وجبة لذيذة قد تكون لحظة سعادة ...ودار نقاش ، وحوار ، وتنظير .

يومها كنت مقبلا على الحياة ؛ شابا يمتلئ بالنشاط والأمل ، وحب الناس .

أسئلة هذا الصباح تراجع مفاهيم ، وعلاقات ، ونوايا ، وأحاديث ...فتعمّق الشعور بالاغتراب .

الاغتراب مفهوم ، وشعور ...الاغتراب يطحن النفس ويلقي بظلاله السوداء على جدار النفس ، واللغة ، والجغرافيا ؛ جغرافيا الروح .

صديقي ( عاشق المياه والجغرافيا ؛ جاد دراوشة ) حدثني اليوم حديث الجغرافيا ؛ جغرافيا الفضاء ، والرمز المادي الذي يحرص مهندسو الأبنية ، ومهندسو الفكر والسياسة على إعلائه ، والتباهي به ، وضمان رؤيته من أماكن عديدة ...وضرب أمثلة على واقع بناء قائم في جامعات ، ودور عبادة ، ....

للروح جغرافيا ، كما للفكر جغرافيته ، ولهذا الصباح جغرافيته .

يؤلمني الجهل بأنواعه ، وألوانه . الجهل الأكثر إيلاما ذاك الذي يلبس لبوس الحرص ، والواقعية ، والتبرير ...ف ( الأرض مائلة !! ) .

حين دخلنا غرفة المعلمين في واحدة من مدارس رام الله ذات مرة ، كان المعلمون يناقشون مسألة نحوية ....

اليوم ناقشنا الكلمات وتأثيرها ، والشعر وأنواعه .

للكلمة ذاكرة ، للكلمة مرايا ؛ توارد المعاني مرايا الكلمة . اليوم قلت لطلابي : هيّا ( نلعب ) لعبة ( توارد المعاني ) ؛ حين أذكر كلمة ( عصفور ) اكتبوا ما يخطر لكم من معاني ، ومتعلّقات به ...فكانت كلمات : عش ، شجرة ، فراخ ، قطة ، جمال ، تغريد ، تعاون ، صياد ....

( في مكان آخر سيكون معنى آخر ، وكلمات أخرى ، وحياة ، ولعب ,,,)

الحياة لعبة ؛ لعبة أسئلة ، ولعبة اغتراب ، وجنون ، ووجع .

لا أحد يفهم معنى ( الوجع ) غير من جرّبه ، أو يتوقعه بخيال مسؤول .

هل بتّ أخفي ( وجعي ) وراء الرمز ، والذاكرة ، وتداعي المعاني ؟؟؟

( أنا لست لي ) ؛ اختيار ذو دلالة لنشاط مدرسي يقف وراءه وعي ثقافي للطالبة الطموحة ( مريانا دخل الله ) ابنة الصف التاسع الأساسي .

زميلاتها سيعرفن ( درويش ) والشعر ، والأنا بمعناها الفني لا الأناني السائد ...

فكّر بغيرك ؛ قالها الدرويش ، وفصّل : لا تنس قوت الحمام ،

لا تنس من يطلبون السلام ،

من يرضعون الغمام ....الخ .

( من يرضعون الغمام ) ؛ هل قصد المعنيين ؟ من يرضع الغمام ( بفتح الياء وضمّها ) ؟؟

أشعر في يومي أنني أرضع الأسئلة ، والضياع ....( قل : ليتني شمعة في الظلام ).