المصلحة

د. حامد بن أحمد الرفاعي

المصلحة

د. حامد بن أحمد الرفاعي

يقول رسول الهدى والرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:"خير الناس من نفع الناس"ويقول صلى الله عليه وسلم:"لئن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا "ويقول صلى الله عليه وسلم:"الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله"ويقول صلى الله عليه وسلم:"إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس حبّبهم إلى الخير وحبّب الخير اليهم أولئك هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة"أجل أحكامُ الإسلامِ تَدورُ مع مًصلَحةِ الإنسانِ تَحّلِيلاً وتَحّريماً..تُحلَّلُ الأمورُ وتستباح الأشياءُ عند الضرورة لِمصلَحتِهِ..وبالضرورة تُحَرَّمُ وتقيد لِمصلَحتِهِ لقوله تعالى:"فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"والإسلام تحدث عن مصالح الناس ومنافع حياتهم وأمنهم قبل أن يشرع العبادات الروحية..فكانت"اقرأ"أول آية يتلقاه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم من الوحي..ومسألة تحرير الإنسان وغذاءه والعناية بالأيتام والفقراء كانت من أولويات رسالة الإسلام لقوله تعالى:"وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ، فَكُّ رَقَبَةٍ،أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ،يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ،أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ"وأكد الإسلام على الأمن وتحرير الإنسان من الخوف والذعر والرعب كما في قوله تعالى:"الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ"وفقهاء المسلمين قرروا قاعدة ذهبية في فقه المصالح وهي:"حَيثُما تكونُ المَصلَحةُ فَثمّا شَرعُ اللهِ"ولكن ما هي المَصلَحةُ..؟وما هي معاييرُها..؟المَصلَحةُ:كُلُّ أمرٍ يَتفِقُ مع مَقاصدِ قِيمِ الإسلامِ ومبادئِه..ويُحققُ للنّاسِ المنافع..ويَصرفُ عنهم المفاسد..ويجلُّ قُدسيةَ حياةِ الإنسانِ وحريته وكرامته وممتلكاته ومنافعه الشرعيِّةِ..ويصون سلامة البيئة بشقيها المكاني والاجتماعي..والمبادئ والمصالحُ هي التي تُحددُ نوعَ ومستوى العلاقةِ بينَ الأفرادِ والمجتمعاتِ..فكُلُّ مَصلحةٍ أو منفعةٍ تتفقُ وتنسجمُ مع قُدسيِّةِ حياةِ الإنسانِ وحريتِه وأمنه وكرامتِه..وتصونُ ممتلكاتِه وبيئتَه الاجتماعيِّةِ والجُغرافيِّةِ..هي بكُلِّ تأكيدٍ مصلحةٌ معتبرةٌ تَستحقُ الاحترامِ والتعزيزِ والالتزامِ..أما ماعدا ذلك..وما يتناقضُ مع ذلك..فليسَ من المصلحةِ بحالٍ من الأحوالِ..بل هو من الفسادِ والمفاسد والإفسادِ في الأرضِ..ينبغي رفضهُ ومحاربتُهُ لقوله جلَّ شأنُهُ:"وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا "ولقوله تعالى:"وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ"والفساد والإفساد في المجتمعات والبيئة وتدمير مصالح الناس خطب جلل..يُوجبُ على النَّاسِ أفراداً ومجتمعاتٍ التعاون لِدفعِ شُرورِهِ وتطهِّيرِ الأرضِ من مفاسدهِ لقوله تعالى:"وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ".