فن الرثاء في شعر مصطفى عكرمة

clip_image002_2f395.jpg

يعرّف النقاد فن الرثاء في اللغة بقولهم: إنه الثناء على الميت سواء أكان شعراً أم نثراً .

أما تعريف الرثاء في الاصطلاح: فهو فن شعري يقوم على البكاء والتفجع على الميت والحبيب الراحل عن دار الفناء، وتعداد سجاياه .

أغراض الرثاء :

تتعدّد أغراض الرثاء في الشعر العربيّ، فمنها ما هو مختصّ بالأقارب كالأخ والأخت والابن والأم والأب، وهناك ما هو مختصّ برثاء الزوجة، وقد كان هذا النوع في الجاهليّة غير منتشر؛ لأنه كان يعتبر نوعاً من الضعف عند الرجل، لكنه انتشر فيما بعد، وأصبح من أبلغ الشعر الذي قِيل في حقّ الزوجة، وأيضاً هناك رثاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أبرز شعراء هذا النوع من الرثاء هو شاعر الرسول حسان بن ثابت، إذ قال أروع الكلام في حق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما فُجع المسلمون بوفاته عليه الصلاة والسلام، بالإضافة إلى ما تمّ ذكره سابقاً يضاف رثاء فَقْد الأوطان والدول إلى أغراض الرثاء؛ لما له من شهرة واسعة في أشعار العرب؛ نظراً للأحوال السياسيّة والاجتماعيّة المتقلبة التي مرّ بها العرب عبر التاريخ، ومن أشهر الحوادث التي مرّ بها العرب فقدان الأندلس، والحوادث العظيمة التي حصلت لهم على يد المغول.

خصائص الرثاء :

يعتمد الرثاء على مشاعر صادقة وأحاسيس معبّرة، فلا يمكن للشاعر أن ينتج قصيدة رثائيّة جيّدة إن كان المرثي ليس له علاقة مباشرة معه، فيجب أن يكون كلام الشاعر نابعاً من القلب حتى ينتظم معه الكلام والوزن الشعريّ بشكل جميل يعطي للقصيدة رونقاً خاصّاً بها، كونها نُظمت لأجل رثاء شخص له علاقة مباشرة مع الشاعر، لهذا يتميّز الرثاء بالعديد من الخصائص والمميّزات ومنها:

نشر الشاعر لحزنه وشكواه إلى من يسمعه. يجب على الشاعر أن يلقي قصيدته بشكل تفاعليّ حتى يشعر به المتلقي، ويتفاعل معه، وتصل إليه القصيدة بكامل مضمونها العاطفيّ المُحزِن. ثناء الشاعر ومدح الميت وذكر خصاله الحميدة. يحمل الكثير من المشاعر الصادقة والمؤثّرة في النفس عند سماعها. عدم التصنّع في الشعر حتى لا تخرج القصيدة عن مغزاها الأساسيّ وهو رثاء الميت. تبدأ القصائد الرثائيّة غالباً بمخاطبة العين، وطلب البكاء منها على فراق الميت.

اتجاهات الرثاء :

يتعرّض الإنسان لمواقف صعبة خلال حياته سببها الموت، ولم يستطع إيجاد حل لها سوى ندب مصيبته وذكر الميت، ومع تعدّد أسباب الموت واختلاف الظروف والأشخاص تعدّدت اتجاهات الرثاء ويُذكر منها:

الرثاء السياسيّ: ظهر مع توسّع رقعة الدولة الإسلاميّة نتيجة لكثرة الحروب والقتلى.

رثاء الرجل زوجته: أول من نظم قصيدة رثى فيها زوجته هو جرير بن عطية عام 116 هجري، ويمتاز هذا الاتجاه من الرثاء بكثرة مشاعر الاشتياق والحنين والحسرة على فقد الرجل زوجته.

الرثاء لأجل فكاهة:

هو أن يكون القصد من الرثاء السخرية والفكاهة لا التحسّر والحزن على فقدان الميت.

ألوان الرثاء :

يُعتبر الرثاء من التراث العربيّ الأصيل، ومن أكثر فنون الشعر صدقاً وعمقاً في التعببر، وغالباً ما تكون ألوان الرثاء مجتمعةً معاً لكن يغلب أحدها بشكل ظاهر، فيُسمّى العمل الشعريّ به، ويمكن التعبير عن الرثاء بثلاثة ألوان، وهي:

1-النُدب: وهو البكاء أثناء احتضار الميت، أو بعد وفاته.

2- التأبين: وهو ذكر الميت وتعداد خصاله الحميدة في جمع من الناس، ويُعدّ التأبين نوعاً من التكريم للميت.

3- العَزاء: هو التفكير في ما وراء الموت، والتأمل في الموت والحياة بشكل يصل إلى أعماق فلسفتهما.

وهناك عيوب تُضعف شعر الرثاء :

مما لا شك فيه أنّ لكل نوع من أنواع الشعر خصائص تميّزه وأمور تُضعفه، وبما أنّ الرثاء نوع من أنواع الشعر التي اختصّت بمدح الميت فلا بد من وجود عناصر تعطيه بعض العيوب التي من الممكن أن تُنقص من قيمة الشعر الرثائيّ في حق الميت، ويُذكر من عيوب هذا النوع الشعري: عدم ذكر الميت بشكل يوفي حقه، والتقصير في ذكر مناقبه وصفاته وخصاله الحميدة، والتصنّع في الشعر، وعدم الصّدق في كلام الشاعر، ونظم الرثاء فقط للمجاملة والنفاق.

وأمّا (فن الرثاء في شعر مصطفى عكرمة)، فهو مدرسة تعتصر القلوب، وتثير الأشجان ، وتفيض بالألم والحسرة، والشاعر مكثر في موضوع الرثاء، فقد رثى أباه ( محمد عدنان عكرمة )، كما رثى العلماء والشهداء نذكر منهم: الشيخ حسن خالد مفتي لبنان، والشهيد أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والقائد صلاح شحادة، كما رثى العالم محمد علي دولة، والعلامة د. محمد أديب الصالح، والإمام محمد مهدي عاكف ( سجين كل العصور) ، .. والشيخ ملا رمضان، .. وهناك قصائد رثاء أخرى ..غير هذه وتلك .

مالي سوى الله :

كتب الشاعر الإسلامي  (مصطفى عكرمة) هذه القصيدة ساعة رحيل والده - رحمه الله - ليلة 29 / 12 / 2003م يقول فيها :

أفردتني يا أبي للهم والحزنِ       من بعد أن كنتَ بالتحنان تغمرني

أفردتني وفؤادي يا أبي تعبٌ            في كل آنٍ بما تخشاه يُنذرني

أوهى عزيمة قلبي ذلُّ أمتنا        واهاً له كم غدا يشكو من الوهنِ

لقد تعب قلب شاعرنا بسبب كثرة هموم الأمة وعظم مصابها وفداحة الخطوب التي أحاطت بها، فجعلتها أمة ذليلة يطمع فيها الشرق والغرب، ويتابع الشاعر رثاءه، فيقول:

هلاّ تذكرت أمي كيف قبلُ مضتْ       وجوعُ ثغري يرجّي قطرة اللبنِ

وخلفتني لأحيا اليتم في زمن ٍ            وا ألفَ أواه ما أقساه من زمن ِ!!

قد كنت لي بعدها أماً وكنتَ أباً         وكنتَ باللطف تنهاني وتأمرني

لقد فقد الشاعر أمه حين كان في المهد رضيعاً، ولم يتسنّى له رؤيتها والتمتع بحنانها فكان الوالد له بمثابة الأم في الرعاية واللطف والحنان يدعو له، ويحسب جماله كجمال يوسف عليه السلام:

وكنت تحسب أني يوسفٌ، وأنا          وابعُدَ نفسي عما كنتَ تحسبني !

كم كنتَ تحسب صوتي حين تسمعه   بعضَ الشفاء وبالدعوات تمطرني !

جداً أنا يا أبي أصبحتُ من زمنٍ             ولم أزل طفلك الغالي تدللني

ويعتذر الشاعر لوالده لأنه شغل عنه بالكدح أمام العيال، فلقد أصبح أولاده السبعة همّاً يضاف إلى همومه الكثيرة :

شغلتُ عنك بعيشٍ كم نسيتُ به   نفسي وكم كنتَ تدعو لي، وتعذرني !

أسعى مجدّاً بدنيا كلها رهقٌ                      لسبعةٍ بهم الرحمن أكرمني

عانيتَ قبلي أضعافاً مضاعفةً              من الشقاء ولم تضعف ولم تهنِ

ولم تضقْ يا أبي ذرعاً إذا بعدت          بنا الليالي، وعنك السعي أبعدني

وكم كان يرجو لو أنه ودع أباه قبل الرحيل، لقد ترك رحيله غصة في حلق شاعرنا:

فكيف كيف أبي للهم تتركني              بلا وداعٍ وتمضي كيف تتركني ؟

عجلتَ لما دعاك الله منطلقاً                 فاهنأ بدعوة ربّ واسع المنن ِ

كنتَ الشفيق ويعفو الله عن رجل          كان الشفيق فسله أن يصبرني

لقد كان الأب الرحيم هو كهف الآمال، وهو الوطن الذي يظلله، ويحميه:

ستون عاماً مضتْ قد كنتَ لي وطناً      أوي إليه إذا ما ضاق بي وطني

واليوم أنت وآه كيف أذكرها                وذكرها بلظى الآهات يغرقني !

ما لي سوى الله أرجو منه مغفرة        عسى بك الله في الفردوس يجمعني

بفقد أمي وفقدي فيك ملتجأ              أرجوه بينكما في الخلد يحشرني– معارج: 214.

الشيخ ملا رمضان :

وعندما رحل الرجل الصالح الشيخ ملا رمضان عن هذه الدنيا الفانية رثاه الشاعر مصطفى عكرمة بهذه القصيدة التي بدأها بالتصريع:

فاضت إلى الله روحٌ كانت الأنقى         طارت ملائكة المولى بها ترقى

أبوابُ فردوس رب العرش قد فتحت   والحور صفت سعيدات بمن تلقى

الشيخ ملا أتاها، وهي عالمةٌ                بأنه كان من بين الورى أتقى

قرنٌ وعقدٌ تلاه، وهو في ورع ٍ            لم يعرف الزيغ فعلاً لا ولا نطقا

قد أخلص الدين للرحمن مجتهداً              وعالماً وحكيماً ينشد الحقا

وحسبنا منه أن الله كرّمه                فعاش يزداد ما ازداد المدى صدقا – معارج : 211 .

لقد خرجت روح الشيخ ( ملا رمضان) النقية الطاهرة تحملها الملائكة إلى السماء، فرحبت به الحور العين في الفردوس الأعلى -إن شاء الله-؛ لأنه كان العالم التقي الورع الذي لم يعرف الزيغ والنفاق، ونحسبُ أنه كان من المخلصين لله، يمتاز بقدر كبير من الرشد والحكمة وقول الحق .

عهداً أبا سعدٍ :

رثى الشاعر الإسلامي مصطفى عكرمة  فضيلة الشيخ المفتي الشهيد حسن خالد - رحمه الله- الذي كان رمزاً للسماحة والتوحيد، وعدواً للتعصب والخلاف، فكتب قصيدة في تمجيد سجاياه والإشادة بأخلاقه وصفاته، فلنستمع إلى الشاعر، وهو يقول :

وجاء موتك للتوحيد توحيدا        يامن قضيت وعشت العمر محمودا

سبحان من جعل الأسماء معربةً        عن المسمّى ..وزاد الجودَ تمجيدا

فكنتَ حقاً وصدقاً بيننا ( حسناً )    و(خالداً ) زاده الإخلاص تخليدا

يا أحسن الناس أخلاقاً، وأخلدهم      ذكرى وفاتك أمست بيننا عيدا

ما غبت عنا ..يمينَ الله أنت بنا        حيٌّ ..وتبقى بما خلّفت موجودا

ويعدد تلك الصفات النبيلة التي تحلى بها الراحل الكبير، ورفرفت فوق رأسه الشريف من أخلاق ومآثر خالدة وإخلاص وصبر، فالشيخ لم يعرف الحقد إلى قلبه سبيلاً، وكان داعية التوحيد في بلد التعددية لبنان:

أخلصت دينك للرحمن محتسباً      لديه صبراً عليه صرتَ محسودا

لم تعرف الحقد لم تقبل به أبداً        وكنت للحق مرجواً ومقصودا

أنفقت عمرك للتوحيد داعية     وكنتَ في ساحة التوحيد مشهودا

وبقي سماحة المفتي وفياً لقيم التسامح، ولم تغيره الأهواء، ولم يحد عن سبيل الحقّ:

لم تُغرِ نفسك أهواءٌ بها شقيتْ     منا الملايين ..لكن كنتَ صنديدا

ولم تحد عن سبيل الحقّ حين غووا        ولا قبلتَ لنهج الحقّ تحييدا

ويفضح جريمة القادة السياسيين الذين استباحوا دمه الطاهر، وحرضوا على قتله، فاغتالوه في (عائشة بكار)، وهو من أشدّ شوارع بيروت ازدحاماً:

هيهات ممن بغوا والحقد في دمهم     أن يُمهلوا من يزيد البغي تفنيدا !

فأجمع الحقد أن ترديك غضبته      كي يستريح ..ويبقى الوغدُ معبودا

ظنوا مماتك يُنسي ما وهبت له       عمراً ..فخابوا وكنت اليوم مولودا

ويعاهد الشاعر مع جموع المؤمنين الشيخ العلامة حسن خالد بأنهم سوف يبقون أوفياء للمبادئ التي رسخها ونادى بها وضحى من أجلها الشهيد الراحل:

يا من مماتك قد أحيا عزائمنا     عهداً ستبقى تزيد العزم تجديدا

شاؤوا الممات وأخزى الله ما زعموا   فكان موتك للتوحيد توحيدا

عهداً أبا سعد أن تبقى بأعيننا    وأن يكون ربيب الحقد محصودا

وأن نذلّ لإسرائيل رايتها           وجيش أحقادها تلقاه مطرودا

وأن تظل على الأيام رائدنا            حتى نعيد ليالي عمرنا عيدا

ويعزي الشاعر مصطفى عكرمة لبنان حكومة وشعباً بهذا الفقيد الغالي بل يعزي العالم الحرّ أجمع، ويدعو للشهيد بأن يبقى محمود السيرة والسريرة في الدارين، ويدعو على القتلة الظالمين بالذل والتنكيد والعذاب الشديد :

عزاء لبنان والدنيا برمتها     ما قد تركت أيا من زدتنا جودا

فيا أبا سعد طب نفساً بمنزلة ٍ  بها ستخلد في الدارين محمودا

أغنى بك الله في الحالين أمتنا    وزاد من ظلموا ذلاً وتنكيدا – معارج : ص 202 .

أيها الشيخ الشهيد :

تحتَ هذا العنوان كتبَ الشاعر الإسلامي ( مصطفى عكرمة ) من سورية قصيدة  كان قد ألقاها في حفل العزاء والتبريك الذي أقامته (حماس) في النادي العربي بدمشق في اليوم الثاني لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله - يقول فيها : 

حيّاً وميتاً أنت أنتَ المرشدُ     يا من بروحي تفتدى يا أحمدُ

بدأ قصيدته بالتصريع بين ( المرشد وأحمد ) على عادة القدماء، وهي تكسب النص جرساً موسيقياً محبباً يجذب إليه انتباه ومشاعر المتلقي، ويتابع قصيدته، فيقول:

وتعزّ روحي إن فدتك َ وإنني    لأحس إذ أفديك أني الأسعد ُ

لقد كان الإمام أحمد ياسين مرشداً وهادياً في حياته وبعد مماته، فهو حين يفديه بروحه يشعر بالبهجة والسعادة الغامرة، ويشيد الشاعر بجهاد الياسين، فيقول:

عزّ الجهادُ بما فعلتَ لمجده             فبكَ الجهادُ ومجده متجّدد

أرضيتَ ربك إذ رآك مجاهداً          ثبتاً برغم الضعف لا تتردد

تزداد إقداماً وتهزأ بالردى              وبلا جهاد مدعوه أجهدوا

كنت الأمين على رسالة ربنا    وبها استقمت وعشتَ فيها ترشدُ

لقد دفع الشهيد مهر الجنان، فضحى بروحه في سبيل الله، وأطال القيام والصيام تقرباً إلى مولاه، وتحلى بالإخلاص فحاشا أن يخيبه الله :

أمهرت حور الخلد عطرَ شهادة ٍ      لتنالها كم طال منك تهجّد ُ

هيهات ربك أن يخيب مخلصاً        حبُّ الجهاد بقلبه متجسدُ !

ودعاك عند الفجر ربك طاهراً     ليكون فجر النصر ذاك الموعد

أوما شهيداً قد تخيّرك الذي         سوّاك تشكر في البلاء وتحمدُ

إن الشهيد أحمد ياسين لقد أدى الأمانة، واستقام على شريعة الله، وعاش حياته يرشد إليها، ويدعو إلى تطبيقها في الحياة وفي السياسة وفي المجتمع والاقتصاد، لقد دفع مهر الجنان ثمناً باهظاً من دمه الطهور، وهيهات أن يخيب الله من كان مخلصاً مثله، لقد اختاره الله عند صلاة الفجر، وهذه من أكبر البشريات له بالقبول .

أخلاق الإمام وسجاياه النبيلة :

وأشاد الشاعر الإسلامي مصطفى عكرمة بأخلاق الشهيد أحمد ياسين التي تحلى بها من الصبر، والمهابة، وطلب العلم، والجهاد، فقال:

وحباك لما أن صبرت مهابة           منها الطغاة إذا ذكرتَ تنهّدوا

لأكاد أبصر أن أملاكا سعت         ترقى بروحك للخلود وتصعدُ

يا صابراً لله يحسب ضرّه  نعمى ..     فيقوى في الخطوب ويصمد

إنها مفارقة كبيرة فهذا الشيخ القعيد يمتلك قوة قلب جبّارة ترعبُ الأعداءَ، فيحسبون لها ألفَ حساب:

شللٌ رباعي بليت َ به فتى                وبرغمه أنت القويّ الأجلد ُ

كم ذا رحلتَ إلى الكنانةِ طالباً            علماً وما ألهاك عنه تشرّدُ

حتى غدوتَ معلّماً يسعى له               وبه إلى مولاك كنتَ تعبدُ

وبما هديتَ الناس َ للوثقى صحا  من كان حسبهمو إليك أن اهتدوا

أنشأت في حب الجهاد كتائباً          هم للعدو هم االعدوّ الأصلد ُ

لقد كان الإمام داعية للوحدة الوطنية والإسلامية، لهج بها لسانه في حياته، وحثهم عليها بعد وفاته :

وحّدتهم حيّاً على سنن الهدى      واليوم وحدتهم بأن يستشهدوا

لكأن ذكرك مسجدٌ صلّت به        أوما يضمّ المؤمنين المسجد ُ !

ورحاب روحك جمّعتها فالتقى          رغم الحدود قريبها والأبعدُ

لقد وحّدت المصيبة شمل الأمة المتفرّق، فالآلام توحّد الشعوب المقهورة :

لم يبق قتلك َ فرقة ما بينها         أوما ترى كيف الجميع توحدوا ؟

ودع الكبار َ وكبرهم في غيهم        فكأنما كبروا لكي يستعبدوا !

ماذا عليهم لو أفاق ضميرهم       لو لحظتين وللشعوب توددوا ؟

لله شيخ لا يدبّ ذبابة ٌ                  بيقينه الدنيا تقوم وتقعد ُ

والمرهبون عوالماً بعتوهم                يتصاغرون لديه، وهو المقعد ُ

هي عزّة الإيمان تهزأ بالقوى        ولها قوى الطاغي تذلُّ وتسجدُ

ويخاطب الشاعر ( فرعون العصر ) الذي صمّتْ آذانه عن سماع الحق، فيقول:

يا أيها المتفرعنون رويدكم              إن التفرعن بالفناء مهدّدُ

أو ما عصا موسى أذلّت قبلكم   من ظن بالجبروت سوف يخلُدُ

لأحس أقرب ما يكون فناؤكم     وعليه أعتى الظلم منكم يشهدُ

شيخٌ يهاب الورد قبلة َ خدّه        يصلى جحيماً خدّه المتورد !

وبقتله غدراً تفاخر قوّة ٌ             لتكاد منها الراسيات تمهّد ُ !

ويا خيبة الحضارة المادية الجاهلية التي حشدت أفتك الأسلحة لقتل شيخ عجوز مقعد:

هذي حضارتهم وأعيا مقولي               أنّا نقرهمُ على ما فنّدوا

حسب الطغاة مذلّة ومهانةً            أن الطغاة على قعيد ٍ تحشد ُ

ويظل حسبك أن تكون لحقدهم هدفاً ، وليس لديك رجل ٌ أو يد ُ

ويستخدم الشاعر الجناس بين (قدماك – الإقدام ) فيكتسب النص جرساً موسيقيا عذباً :

قدماك كرسيّ وأنت بحضنه           ثاو ٍ ..وفي الإقدام أنت المفرد ُ

لم تثن عزمك عن جهادك فاقة ٌ          يوماً ولم يضعفك فيه توعد ُ

كلا ولا أغراك ما لو بعضه                لمح الكبار لهرولوا وتهوّدوا

وكلما زاد بطش الأعداء والصهاينة يزداد الشهيد بأساً وصموداً وثباتاً:

وتزيدُ بأساً كلما زادوا أذى              وتزيد ُ هزءاً كلما هم أرعدوا

والناعمون على اليهود استنمروا     في قومهم وعلى الشعوب تنمردوا !

ويستخدم الشاعر مصطفى عكرمة الطباق والتضاد بين ( العبد والسيد) ليكسب النص جلاء ووضوحاً، فبضدها تتميز الأشياء :

ولدى الطغاة هم الأذلّ وما لهم           إلا كما للعبد يرمي السيّد ُ

وذوو الجيوش على الأرائك رُقد ٌ          ويسرهم إن قيل عنهم رُقّد ُ

ما أرهبت يوماً ذباباً جندهم        يا قبحهم، يا قبح َ من هم جنّدوا

ماذا سيحكي الجيل عنكم في غد  ٍ أيقال : غيرُ أتوا بكم كي تفسدوا

فاق العدوّ عداوة من سالموا            أعداءهم ولدى المذلّة أخلدوا

يا ويح من صدقوا وعودَ عدوّهم          وعلى مزاعمه قصوراً شيّدوا

لقد جدد الإمام أحمد ياسين سنن الجهاد وفرائضه، فعشقت الأمة الفداء والتضحية:

يا أيها الشيخ الشهيد تحية ً       يكفيك أنك للجهاد مجدد ُ

حبُّ الجهاد بعثته في أمتي        فكان قتلك للجهاد المولد ُ

اليوم قد ولدت بقتلك أمة ٌ      بجهادها أعتى الطغاة ستوأدُ

شيخ الجهاد ِ شهيدنا يا أحمد     عذراً إليك فلا يطال الفرقد

فإذا ذهب الإمام الشهيد إلى ربه راضياً مرضياً، وخلى مكانه فارغاً، فإن في أبناء  (حماس ) من يخلفه، فقادة الأمة كثر، والمخلصون السائرون على درب الشهيد لا يحصيهم العدُّ :

ذكراك تنجب كلّ آن قائداً           ولغير من أنجبت َ ما كان الغد ُ

لن يُخلفَ الرحمنُ وعد َ جنوده            فالنصر منه لمن أعدّ مؤكد ُ

وحماس تبقى بالجهاد منارة              فشبابها أصفى اليقين تزوّدوا

عشقوا الشهادة وهي غاية ما ارتضوا إمـــــــــــــــــــا دُعوا لا لن يُرى متردّد

فاهنأ بما أسست وارقد آمناً          فلأنت أنت َ على الزمان مخلّد ُ

لا لن نحيد عن الجهاد ولا نرى      إلا الجهاد لما قصدت َ ونقصدُ – وطني وطفلي: مصطفى عكرمة، اتحاد الكتاب العرب ، 265 ، 272 .

إنها عزة الجهاد :

ولم يمض أقل من شهر حتى يلحق بالإمام أحمد ياسين خليفته ورفيق دربه الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وتوقع الناس أن تكون هذه هي الضربة القاصمة لحماس، ولكن خاب فألهم، حيث بقيت حماس حاملة لواء الجهاد والتوحيد تزداد مضاء باستشهاد قادتها، ولقد تفاعل الشاعر مصطفى عكرمة مع هذا الحدث الجلل، فألقى هذه القصيدة في مخيم اليرموك في دمشق 19 / 4 / 2004م في حفل التبريك والعزاء باستشهاد القائد البطل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله في اليوم الثاني لاستشهاده:

قائد إثر قائد يتقدم              لا يبالون فالشهادة مغنم ْ

هكذا أثبتتْ حماس لدى     الجلّى بعهد مع المهيمن مُبرمْ

شاءها الله للشهادة لما     ألفُ جيشٍ عن الشهادة أحجمْ

كلما ربّنا أحبّ لقاءً               بشهيدٍ رأيت ألفاً تقدّمْ

رفعت راية الجهاد حماسٌ          ما لها غيرُ ربها مستعصمْ

وبعد هذه المقدمة التي أشاد فيها الشاعر بجهاد حماس يخلص إلى رثاء الشهيد الرنتيسي، فيقول:

وأتانا عبد العزيز إماماً            إثر ياسين فاستعدّ ودمدمْ

إننا الصامدون للبغي مهما       حشّد البغي من عتاد ولملمْ

حقّنا حقنا ولا من محيدٍ     عن فداء الأقصى الطهور المعظّم

دونه أعشق الممات وحسبي     أن شيخي قد كان قبلي تقدّم

قائداً إثر قائد سوف نمضي       وسوى البغي لن يذلّ ويُهزمْ

وكلما عاش صادقاً يتمنى              قد أتى ربّه بأكرم مقدّمْ

لقد كان الرنتيسي بطلاً صامداً لم يتنازل عن ذرة من ثرى فلسطين، ولم يفرّط بحقّ من حقوق شعبها:

إيه عبد العزيز طبتَ شهيداً         خجلاً منك حُقّ أن أتلعثمْ

يخجلُ القول وهو جدّ هزيل           حينما الدمُ وحده يتكلمْ

كيف يا سيد البيان بقومٍ           ليس فيهم غيرُ العيي المكمّمْ

فانهض الآن ما كقولك قولٌ         حقك اليوم أن تقول ونفهمْ

عفو ما قلتُ كيف تلقى فهيماً     إن يكن رأسنا الأصمّ الأبكمْ

لقد كان الشهيد الرنتيسي مجاهداً وطبيباً للأطفال وقائداً محنكاً جسوراً وشاعراً أديباً وحكيماً مجرباً:

كنتَ في حومة الجهاد عليماً      وبطبّ الأطفال قد كنت أعلمْ

يا لك الله قائداً وأديباً                   وحكيماً إذا البلاء تحكّم

ما ثنى حبّك الشهادة وعدٌ           أو وعيدٌ فإن حبك أعظمْ

ويبشره بما أعدّ الله له من المكرمات في الخلد، ومنها لقاء الأحبة محمداً وصحبه وقوافل الشهداء من أمثال الإمام أحمد ياسين وغيره من الأفذاذ :

يا لبشراك والإلهُ يناديك لتــــــــــــــــــلقى في الخــــــلد مـــــــــــــــــا هو أكرمْ

شاقك اليوم أن ترى الشيخ      ياسين فأسرعت كي تراه تبسّم ْ

ياله الله من وفاءٍ عجيبٍ           ألف هيهات مثله من ترجّمْ !

كنت للشيخ في الحياة وفيّاً          ولدى الخلد أنت أوفى وأرحمْ

قبّل الشيخ ، قل له : إن جيشاً          قد بنته يداه لا لن يهزمْ

وسوف يبقى دم الشهيد الطاهر نبراساً تهتدي به الأجيال الثائرة :

إيهِ عبد العزيز طبت شهيداً            بوعودي إليك لن أتلعثمْ

دمك الطاهرُ الزكي سيبقى         قبسةَ النور كلما الليل أظلمْ

ولك العهد أن نظلَّ كما شئت    جهاداً حتى ترى البغي مُرغمْ

جندك الجندُ لن تملّ جهاداً         أو ما كنتَ من لها قد علّمْ

لقد تخرج على يدي الشهيد عبد العزيز الرنتيسي الأبطال والمجاهدون، وها هو الأستاذ الداعية المجاهد خالد مشعل، يحمل الراية، ويتابع المشوار:

حسبك اليوم أن ترى (مشعل)          على نهجك الأعزّ الأقومْ

حاملاً راية الجهاد أميناً               كلما اشتدّت الخطوب تقدّمْ

فلك العزّ يا حماسُ ونصرٌ                  لا أرى مثله قريباً مُحتّمْ – لبيك يا أيها الأقصى – ط1- دار عمار في الأردن عام 2015م: ص 48 ، 49، 50، 51 .

موت الشهيد صلاح شحادة:

وحين ارتقى الشهيد القائد صلاح شحادة كتب الشاعر مصطفى عكرمة قصيدة رائعة في تمجيده والإشادة بمآثره الحميدة وخصاله المجيدة، فقال:

لله موت به للحق إعلاءُ                 وفيه للقوم بعد الذل إحياءُ

وفيه ترقب فجر النصر مبتسماً           عليه تبدو ليُمنى الله سيماءُ

أراده الله توحيداً لفرقتنا                      وإن بدا أنه فقدٌ وبأساء

خطبٌ جليلٌ جلاه من دم ٍ قبسٌ    كما انجلت بضياء الفجر ظلماءُ

وحكمةُ الله جلّ الله ماضيةٌ                   وليس يدركها إلا الألباءُ

ويهنئ الشهيد بهذه الميتة الطاهرة المشرّفة، التي جددت همم الرجال، وشحذت عزيمة الأبطال، فيقول :

فانعم بموت به جدّدتَ همتنا            وفيه حظّك في الفردوس آلاءُ

فوحدة القوم أنت اليوم صانعها        وقبل موتك كم ضلّ الأشقاءُ

آمنتَ أن إله العرش كرّمنا               بمنهج فيه حبّ الموت نعماءُ

وفيه أكرم من في الأرض من دمهم        قد كان في بذله لله إرضاءُ

لقد أصبح الشهيد صلاح شحادة قدوة وأسوة لغيره من الأبطال، ويذم الشاعر دعاة الاستسلام الذين وضعوا أيديهم بأيدي الأعداء :

فيا صلاحاً مضى لله محتسباً              دماً طهوراً به للنصر إرساءُ

لأنتَ أنتَ بما قد كنتَ قدوتنا         لكي تزول من القدس الألداءُ

وكلّ من سالموا أعداءنا سفهاً          فإنهم قبل غازي القدس أعداءُ

فحزبهم وحده أفضى لذلتنا                لولاهمو ليس في قومي أذلاءُ

لقد كان للشهيد صلاح شحادة حظ من اسمه المبارك، فهو صالح ومصلح:

فيا صلاحاً به إصلاح من فسدوا      ما ضرّ أهل الهدى يوماً أرقاءُ

سمّاك ربي صلاحاً فاستقمت على    نهج الصلاح ولم تضعفك ضرّاءُ

أراد في موتك الرحمن جمعتنا            على الجهاد الذي إهماله الداءُ

محيّاك مثل ممات عشت تعشقه              ففيهما أنت للأمجاد بنّاءُ

ولقد سجل الشهيد اسمه في سجلات الخالدين وفتح باب الجهاد على مصراعيه، ودفع مهرَ الجنان روحه الزكية الطاهرة :

لك الخلود الذي ناداك بارئنا                 إليه فهو لما عانيتَ إبراءُ

وللجهاد الذي أذكيتَ شعلته          صبحٌ قريبٌ سناه الدهرَ وضاءُ

أمهرته مثل من بالأمس قد سبقوا           إلى الخلود فأنتم فيه أحياءُ

– لبيك يا أيها الأقصى: ص 117،  118 .

وداعًا أبا سليم:

كتب الشاعر قصيدة في يوم رحيل الناشر العلم محمد علي دولة -رحمه الله تعـالى وغفر له – نظمها عشية  29/1/2016 فور سماع النبأ الفاجع، يقول فيها :          

مـضـى وخـلَّـفَ فـينا طـيبَ ذكـراهُ     ...     من عاشَ يرضى بما يرضى به اللهُ

وعــاشَ يـنـشرُ ديــنَ اللهِ مُـجتهِدًا     ...         لــم يُـثـنِهِ عـنـه مــا قـد كـانَ يـلقاهُ

نَـمَـتْـهُ لـلـديـنِ آبـــاءٌ لـــه صـدقـوا     ...         ولــم يَـحِدْ عـن صـلاحٍ كـانَ مـرباهُ

لقد رحل الشيخ العالم محمد علي دولة، وترك خلفه ذكراً حسناً وسمعة طيبة، فلقد عاش ينشر دين الله في ربوع الأرض:

"أبــو سـليم" الـذي أفـعالُهُ سـلِمَتْ     ...     مـن كـلِّ مـا ديـنُ ربِّ الـعرشِ يأباهُ

وكــانَ لـلـخيرِ فـعّـالاً فـمـا بـرحـتْ     ...         تـثـيرُ فــي الـنَّاسِ ذكـراها وذكـراهُ

هـيهاتَ أنْ ذُكِـرَتْ فـي نـادٍ مـزاياهُ     ...         إلا وفــــــازتْ بــإكــبــارٍ مـــزايـــاهُ

قـد أُشـبِعتْ نفسُهُ من هدي فاطرِهِ     ...     فـمـا اسـتُـميلَ لـمـا تـأبـى سـجاياهُ

ويشيد الشاعر بالشيخ نايف عبّاس- رحمه الله- الذي كان لا نظير له في العلم والتقوى والإخلاص، وكان قدوة حسنة للشيخ محمد علي دولة ولجميع تلاميذه :

الـشـيـخُ "نــايـفُ عـبَّـاسٍ" مـعـلِّمُهُ     ...       وهـل "لـنايفَ" فـي التعليمِ أشباهُ!

عــلـى خُــطـاهُ مـضـى لـلـه غـايـتُهُ     ...         تـجـديدُ عـلـمٍ لــهُ قـد كـانَ مـحياهُ

وكـــلُّ مــا كــانَ مــن آثــارِ رحـلـتِهِ     ...         تـلـقـى بـهـا وبــه مــا الـحـرُّ يـهـواهُ

رحـمـاكَ ربّــي فــزدهُ مـنكَ مـغفرةً     ...           وانــفـعْ إلــهـي بــمـا مــنـه ورثـنـاهُ

حُـزنـي عـليهِ وحـزنُ الـعارفين بـهِ     ...           أنَّـــا بــمـا حـــلَّ فـيـنا حـسـبنا اللهُ

وسوم: العدد 710

الأديب الصالح، دمعة قلم على فقده الأليم :

لقد رحل الأستاذ الدكتور الداعية محمد أديب الصالح إلى الله في 13 تموز 2017 م بعد حياة علمية حافلة بالتأليف والدعوة والتعليم والبذل والعطاء، فكتب شاعرنا الإسلامي مصطفى عكرمة يقول:

كـنت الأديـب، وكـنت فينا الصالحا      .. يـا مـن عـن الإسـلام عشت منافحا

فـي دوحـة الـتوحيد طـبت مـنشأً      ...      ولمجده في الأرض كنت الصادحا

سـبـحان مــن ســواك عـالـم أمــة       ...       ثـبتاً مـقيماً فـي الـحمى أو نـازحا

عــن عـهـد ربــك لـم تـحد وبـدينه      ...        ولـديـنـه كــنـت الأمـيـن الـنـاصحا

وأبـيت غـير رضـا المهيمن مطمحاً     ...      هـيهات غـير رضـاه شئت مطامحا

لقد كان أديباً وصالحاً يدافع عن حمى الإسلام وتعاليم القرآن، وينصر عقيدة التوحيد ولم يحد عن الشريعة قيد أنملة وكان هدفه رضا الله سبحانه، ويتابع الشاعر في وصفه، فيقول:

هـيـهات مـثـلي أن يـحـيط بـيـانه      ...     في بعض فضلك أو يكون الشارحا

سـتـظل سـكـناك الـجـوانح راحـلاً      ...      يـا من سكنت مدى الحياة جوانحا

ويستند الشاعر مصطفى عكرمة إلى مقولة قديمة للشيخ علي الطنطاوي فيقول :

قــد قــال (طـنطاوي) شـيخ بـياننا     ...     عـنك الـذي قـد جاء سهلاً واضحا :

(كنت الأديب الحق كنت الصالحا)      ...    ويـقـيـننا كــنـت الأديــب الـصـالحا

رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 728

أيها المرشدُ :

وكتب الشاعر مصطفى عكرمة قصيدة نشرها في رابطة أدباء الشام بتاريخ 19 نيسان 2018م كانت دمعة قلم جدّ خجولة أمام فقد المرشد المجاهد محمد مهدي عاكف الذي لم تشفع له تسعونه أن يداوى أو أن يخرج من معتقله إلا إلى جوار ربه، يقول فيها:

كـيـف أرثـيـك وأنــت الـمـرشد     ...     ولــدى الـداريـن أنــت الأخـلـدُ

مــــــــــا أنــــــــــا      أبـــــــــداً     ...             كـــل تـاريـخـك مـثـلـي يـشـهدُ

ويشبه الإمام محمد مهدي عاكف بالفرقد (القمر) ، وهي صورة فنية تقليدية تقوم على التشبيه البليغ :

أيــهــا الــمـهـدي يــــا عـاكـفـنـا     ...         أنــت فـيـما كـنت فـينا الـفرقد

إنـــك الـمـرشـد لـلـحـق الـــذي     ...     لم يظهر مسعى لنا من جحدوا

ويستخدم الشاعر التجسيد حيث يجعل الحسنى غرساً يزرع، كما يرى الصلاح زرعاً يُحصد، والصورة مستمدة من بيئة الشاعر :

نـزرع الـحسنى ولا نـرضى بها     ...       فـيـرى الـنـاس صـلاحاً تـحصد

ألــــب الــكـفـر عـلـيـنـا جــنـده     ...         ولــه نـحـن الأولـى قـد جـندوا

لقد كان سجين كل العصور، وتحمل جميع أصناف الأذى، وكان صبوراً صامداً لا ينحني إلا لخالقه، ولا يركع إلا لله :

ألـــف ظـلـم ، وعــذاب عـشـته     ...        وبـــه أنـــت الـصـبـور الأجــلـد

هـــان مـــا تـلـقـاه لــلـه الـــذي     ...          أنـت فـي الـبوح لـديه الـمرشد

قــد هـدى الـخلق إلـى مـصيره     ...         وبــهـا قـــد شـــاء كـــل يــفـرد

ولـنـا اخـتار الـهدى، واخـتارنا     ...      لـلـهدى فــوق لـقومي الـمقصد

حــسـبـنـا مـــنــه بــأنــا أهــلــه     ...           وبـنـا عـاش هـداهم مـن هـدوا

فـــلـــك الله أيــــــا مــرشــدنـا     ...                ولـــنــا كـــــل فــعــال تــحـمـد

عـهـدنا الـعـهد الــذي نـحـيا لـه     ...        إنــه مـنـجى الــورى والـمسعد

أومــــــا الله لـــهـــذا شـــاءنـــا     ...           وبـمـا نـسـعى لــه يـرجى الـغد

وحـــده الـمـنـفذ مــمـا شـــاءه     ...      كـل من في عصرنا قد أفسدوا

وأشاد الشاعر بتقواه، ويبشره بالجنان، فيقول :

أيـهـا الـمـهدي يــا رمــز الـتقى     ...     إنـــك الأرشـــد مـهـمـا فــقـدوا

فــاهـنـأ الــيـوم بـجـنـات بــهـا     ...         رســـــل الله جـمـيـعـاً حــشــدُ

وســيــلـقـاك بـــهـــا أحــمــدنـا     ...       طــاب مــن يـلـقاه فـيها أحـمد

وسوم: العدد 768

وهكذا نرى أن فن الرثاء عند الشاعر الإسلامي ينبع من قلب فياض بالمشاعر تجاه الأهل والأقرباء الراحلين، واتجاه العلماء والشهداء الربانيين ، الذين لم يبخلوا بالمداد الطاهر والدم الزكي، وكان الشاعر محلقاً بالألفاظ فجاءت جزلة قوية، تمتاز بالفصاحة والوضوح، وكان بعضها موحياً معبراً، ملائماً للغرض .

ومما يلاحظ على قصيدة الرثاء لديه قلة الدموع، فهي إشادة بالمآثر، وتعداد لمحاسن الفقيد، وأما التراكيب فهي قوية متماسكة مترابطة يأخذ بعضها برقاب بعض، حافظ الشاعر في قصائده على قانون الوحدات الثلاث: وحدة البيت، ووحدة الوزن والقافية ..

وكانت القافية المطلقة هي المسيطرة، ولم يستخدم الشاعر القافية المقيدة سوى مرة واحدة في رثاء الرنتيسي حيث استخدم روي الميم الساكنة ..

وسيطرت عاطفة الحزن والأسى والألم على معظم قصائد الرثاء، وصنعت مناخاً نفسياً ساعد على وحدة القصيدة، ولم يغرق الشاعر في الخيال حيث بقي واضح المعاني والأفكار، وكانت الصورة الفنية تقليدية حافظ فيها على الموروث الشعري، ولم يسعَ وراء التجديد والابتكار، فهو من مدرسة البعث والإحياء المحافظة ....

مراجع البحث :

1-             رابطة أدباء الشام – موقع يشرف عليه عبد الله طنطاوي .

2-             ديوان معارج – مكتبة العبيكان .

3-             لبيك يا أيها الأقصى – دار عمار في الأردن .

4-             مواقع على الشبكة العالمية .

وسوم: العدد 805