مصادر التناص في رواية الخاصرة الرخوة

clip_image002_61c52.jpg

ذكرت سريعا فيما سبق في تحليلي لرواية الخاصرة الرخوة لجميل السلحوت إلى توظيف واسع لمتناصات قام به الكاتب من النصوص والمرويات السابقة وضمنها في روايته. فمن أين أتى بهذه النصوص؟ ولماذا أتى بها؟ وهل بقيت في سياقها الأصلي؟ وما دلالة الإتيان بها؟

للإجابة على السؤال أورد أهم مصادر هذه المتناصات، وهي:

* القرآن الكريم

* الاحاديث النبوية الشريفة

* كتب الفقه القديمة والحديثة

* الفتاوى والاجتهادات

* الأمثال والمقولات الشعبية

وبنظرة أحصائية عددية فإننا سنجد أن المصدر الأخير أكثرها ورودا في الرواية، وإذا كانت المصادر الثلاثة الأولى لا ترد إلا على ألسنة شخصيات معدودة ومحدودة، فإن الأمثال والمقولات ترد غالبا على لسان شخصيات الرواية كلها.

أما لماذا جيء بهده المتناصات، فلذلك وظيفتان، الاولى وأعتقد أنها هي الأهم، وهو الكشف عن فكر الشخصيات، وقناعاتها ومواقفها، وطبيعة ميولها وعقليتها، وبالتالي تأسيس لقواعد الصراع، بالمعنى الفني، بين هذه الشخصيات، وتعزيز لتناقضاتها.

والوظيفة الثانية هي الإشارة إلى المستوى الثقافي والمستوى الاجتماعي للشخصيات، فلو رجعنا إلى هذه المتناصات لوجدنا أن مصادرها الغالبة على لسان أسامة وجمانة كانت هي القران الكريم، والاحاديث النبوية، والكتب الفقهية والفتاوى والاجتهادات، وكانت كلها تدور في إطار العلاقة بين الرجل والمرأة، ولأن أسامة يحمل فكرا إسلاميا أصوليا متطرفا، فإننا وجدنا اختياراته ( المتناصات) مختارة؛ لتعبر عن هذا التطرف في تفسير النصوص من جهة، والاستشهاد بآراء المتشددين المتطرفين من جهة ثانية، ورفض أو ردّ وجهات النظر الأخرى وعدم قبول الحوار أو حتى قبول وجهة نظر أخرى، وهذا بالتالي يؤدي إلى أن تكون علاقته بزوجته جمانة غير قائمة على المودة والسكينة كما يقرر الشرع، بل على القمع والتسلط وفرض الرأي بدعم شرعي عن طريق توجيه معنى المتناصات.

وفي مقابل أسامة المتشدد كانت جمانة المتفتحة شرعيا، تتعاطى مع النصوص الشرعية، المأخوذة من المصادر ذاتها نوعيا، بمرونة ومنطق وقبول لغير ما توجه وتفسير للنص الشرعي، كما أنها لا تتشنج وتلتقط الاجتهادات والفتاوى من اتجاه شرعي أو فقهي واحد، فهي توفيقية المنهج بينما أسامة كان أقصائي التفكير. ومن هنا أجرى الكاتب على لسان جمانة وأسامة ما يخدم هذه الفكرة شرعيا واجتماعيا وحتى جنسيا.

وإذا كانت هذه مصادر المتناصات الغالبة على لسان أسامة وجمانة، فإننا لا نجد شيئا منها على لسان يونس الذهبي أو على لسان صابرين، ذلك أن الكاتب صورهما بصورة تائهين ضائعين ولا يهمهما سوى الملذات الشكلية المستوردة، ومن هنا كانا خاليين من محتوى ثقافي فكري سوى ما بدا من تقمص سلوك غربي لباسا وممارسات ومواقف خارجة عن الدين والعرف والعادة والمنطق.

أمّا الأمثال والمقولات الاجتماعية المعبّرة عن الفكر الاجتماعي والسلوك الاجتماعي والاعراف المتوارثة والعلاقات الاجتماعية، فقد جاءت على لسان عائلات أسامة وجمانة وعز الدين، وبقية هذه الطبقة الاجتماعية الريفية البسيطة. وهي أمثال ومقولات يتداولها الناس لمعانيها العميقة بِجُملها الموجزة المختصرة.

وإذ أن هذه الامثال والمقولات ذات محمولات دلالية عميقة على منظومات القيم الاجتماعية بخيرها وشرها، بجميلها وقبيحها، بحُسنها وسوئها، بطيبها وخبيثها، فقد أنطق الكاتب بها شخصياته؛ ليشير إلى هذه المنظومة القيمية الاجتماعية التي تضبط سلوك المجتمع وأقواله ومفرداته وعلاقاته، والإشارة إلى المخزون القيمي لهذا المجتمع مما هو خارج التعليم الرسمي، أي خارج إطار الكتب.

هل بقيت هذه المتناصات في سياقها ومعناها الأصلي؟

نظرا لرؤية الكاتب في طبيعة رسالته ومضمونها، وحرصه على توصيلها بوضوح وبيان، فأنه لم يغير فيما قصدت إليه المتناصات في مصادرها الأصلية، واكتفي بإنطاق الشخصيات بها دون ترميزها أو تغيير معناها، أو إضفاء معاني رمزية عليها، أو الانحياز بها عمّا استعملت أصلا له، ولا يدخل في ذلك محاولة أسامة أخذ معنى النصوص للهدف الذي يريد، فهو بقي ضمن سياقها المفهومي المعروف مع أنه قد يكون نادرا ومتطرفا.

ما معنى أن نجد متناصات في نص سردي؟

ذكرت فيما سبق الوظيفة المباشرة التي يريدها المؤلف من التناص، ولكن التناصات تدل على الخلفية الفكرية والثقافية والمخزون المعرفي للكاتب، وإذا أخذنا هذا إلى التطبيق فإننا نجد مصادر ثقافة المؤلف التي استقى منها المتناصات، كما ذُكرت سابقا، ومنها نستخلص أن المؤلف كان ضد الفكر المتطرف، ومع الفكر المعتدل المستنير، ومع الخلق السليم، وضد الأقوال الفاحشة أو البذيئة أو المسيئة. وهذا كله واضح من المتناصات التي جاء بها.

وسوم: العدد 858