الخاصرة الرخوة رواية اجتماعية محورها المرأة

clip_image002_4c9e7.jpg

clip_image004_3fff9.jpg

صدرت رواية "الخاصرة الرخوة للكاتب جميل السلحوت نهاية العام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 260 صفحة من الحجم المتوسط.

الخاصرة الرّخوة عنوان لافت لرواية اجتماعيّة محورها المرأة في الزّواج والحياة الزّوجية، وهي واقعيّة محضة، فأحداثها ليست من صنع خيال الكاتب، وإن كان له الفضل بيّنا في إعادة صياغتها من النّاحية الفنّيّة؛ لتكون رواية. والعنوان هو مصطلح عسكريّ ابتداء، ويعني المنطقة الضّعيفة غير الحصينة التي قد يدخل منها العدوّ، أو التي لا نعتمد عليها في مواجهة العدوّ، وقد نقل الكاتب هذا المصطلح من عالم العسكريّة والسّياسة إلى عالم الحياة الاجتماعيّة، التي تشكّلها العلاقة بين الرّجل والمرأة، ليقصد به المرأة، فهل المرأة الخاصرة الرّخوة في المجتمع؟ ومتى تكون المرأة خاصرة رخوة؟ وكيف تكون خاصرة رخوة؟ الرّواية في مجملها تجيب عن هذه الأسئلة وعن غيرها، والرّواية ليست أحداثا خياليّة مفترضة أو مفروضة لابتداع قضيّة نسويّة، وإنّما هي وقائع خالصة وأحداث شهدها الكاتب في مجتمعنا، ولها في ذهن كلّ منّا أشباه ونظائر، والرّواية أيضا لا تشكّل ابتداعا لصراع بين رجل وامرأة، فالصّراع فيها هو صراع بين مفاهيم من جهات مختلفة، في كلّ جهة رجال ونساء، والرّواية ليست أكثر من دعوة لتصحيح مفاهيم متعلّقة بزواج المرأة، ودعوة لنبذ الجهل في أحكام الإسلام المتعلّقة بالحياة الزّوجيّة، وهذا هو السّرّ في إيراد الكاتب للكثير من الآيات والآحاديث وآراء الفقهاء في الزّواج ومتعلّقاته والعلاقة الزّوجيّة، وفيها أيضا دعوة لتصحيح بعض المفاهيم المجتمعيّة التي تدفع لزواج البنت دون تريّث، وتصحيح تصوّر خطير يعتري البعض من رجال ونساء في أنّ الحياة الزوجيّة حياة معاشرة ومتعة وإشباع شهوة ورغبة فقط. فقد أورد الكاتب على ألسنة الشخصيّات حشدا من الأمثال والمقولات الشّائعة في مجتمعنا المتعلّقة بالزّواج والحياة الزوجيّة، التي تعكس نظرة أو عقليّة يكمن فيها على الأغلب سرّ الإخفاق في الحياة الزّوجيّة، من مثل: (العرض لا يحمى بالسّيف)، والذي يعني في نهاية المطاف أنْ زوّجْها لأيّ كان لإشباع رغبتها التي قد تدفعها لارتكاب الفاحشة، ومن مثل: (دوّر لبنتك قبل ابنك)، والذي يعكس النظرة الخفيّة بضعف البنت والنّيابة عنها في اختيار الزّوج، ومن مثل مقولة والدة الدكتور الذي تقدّم لخطبة بطلة القصّة جمانة: "ابني يريد فتاة صغيرة ليربّيها على يديه"، وقد كان لنقلها بلغتها المحكيّة، دون تطويعها للّغة الفصيحة، أثر ملحوظ.

قامت الرّواية على ثلاثيّة من المشاهد أو القصص، القصّة الرئيسة هي زواج جمانة التي مثّلت شخصيّة البنت المتعلّمة المثقّفة ذات الخلق والدّين البارّة بوالديها، التي ضعفت شخصيتها أمام أهلها، فقبلت اختيارهم على كره ومضض، فمثّلت شخصيّة المتعلّمة المثقفة ضعيفة الشّخصيّة، فتزوّجت من أسامة الشّاب المتعلّم الذي يحمل شهادة في العلوم الشّرعيّة، ويعمل في (السّعوديّة) وينتمي للفكر الوهابيّ السّلفيّ، ويغلب عليه أمور منها: التشدّد في أرائه الفقهيّة وردّ أراء العلماء من غير الوهابيّة، والتّمتع بفيض من الشّهوة، والنّظرة إلى المرأة على أنّها موضع شهوة ومتعة وما عليها إلا تنفيذ الأوامر والنّواهي دون نقاش. كانت حياتها معه عناء وشقاء، فلم ينجحا في بناء أسرة، وكان مآلهما الطّلاق والفراق.

الحدث الثّاني أو اللّوحة القصصيّة الثانية هو زواج صابرين ابنة الحاجّ عزّ الدّين عمّ أسامة، وقد مثّلت شخصيتها المرأة التي تخرج على العادات والتّقاليد والأخلاق وتنبذ الالتزام بأحكام الدّين، وتبحث عن شهوتها، فتقع في براثن يونس الذّهبيّ مهندس من أسرة ثريّة، لا يقيم للحياة الزّوجيّة ولا للأخلاق شأنًا، تحمل منه سفاحا، وتكتشف أنّه كان شاذّا جنسيّا، ثمّ تجده ينام في بيتها مع فتاتين فيقع الطّلاق.

الحدث الثالث في الأهمّيّة الروائيّة والذي يكاد يُرى، وعلى أهمّيته وخطورته، عابرا، هو البنت عائشة التي تزوّجت في سنّ صغيرة، فاكتشف زوجها ليلة الدّخول بها أنّها ليست عذراء، فطلّقها بعد ثلاثة أشهر من المعاملة السّيّئة والاضطهاد، وقد ترك ذلك فيها عقدة نفسيّة أذلّتها، ورضيت بحياة عبوديّة وخنوع، فتقدّم لها شاب من قرية بعيدة فتزوّجها وحملت، وعندما المخاض وجد الأطباء أنّها ذات بكارة من غشاء مطاطيّ، لا يفضّ إلا بمشرط الطّبيب. أراد الكاتب من هذا المشهد، أن يبيّن مدى الجهل في الرّجال والنّساء على حدّ سواء، بصحة المرأة أو تكوينها الجسديّ. والذي يؤدّي أحيانا لظلمها أو إيذائها، فالحياة الزوجيّة تحتاج أيضا لوعي صحيّ طبّيّ، وما قضية عائشة إلا مثال على جوانب صحيّة أخرى عديدة.

كانت الموازنة بين حالتي جمانة وأسامة من جهة وصابرين والمهندس يونس في الجهة المقابلة أمرا لافتا وجديرا بالوقوف عليه، فجمانة المتعلّمة المثقّفة ذات الدّين والخلق يختار لها أهلها الزّوج أسامة المتعلّم المتديّن، المتشدّد في اتباع فهم متطرّف للحياة الزوجيّة، ونظرة متخلّفة للمرأة، لا علاقة لها بالإسلام، فتخضع لاختيارهم وتعاني حياة صعبة تؤول إلى الطّلاق. فهذه حالة فيها: اختيار الأهل زوج البنت من باب الحرص على زواجها وسعادتها وإلزامها بخيارهم، والفهم المغلوط للحياة الزوجيّة في الإسلام، والنظّرة الشهوانية للعلاقة بالمرأة. أمّا الحالة الثانية فهي صابرين وهي متعلّمة أيضا، ولكنها تخرج من التزامها الخلقيّ والدّينيّ، وتتّبع شهوتها، وتسلم نفسها لوحش شهوانيّ، فتفرض خيارها على أهلها، فهي من زوّجت نفسها، وكانت الحياة الزوجيّة بينهما لا تقوم على خلق ولا دين، وتعمّها النّظرة الشّهوانيّة لذا سرعان ما انتهت هذه الحياة.

لذا يترك الكاتب للقارئ أن يتصوّر المطلوب في اختيار الزّوج من كلا الطّرفين، فلا الأهل يختارون فيُلزِمون، ولا البنت يترك لها الحبل على الغارب فتختار دون مشورة أهلها أو دراسة واعية لشريك الحياة، والكيفيّة التي يجب أن تقوم عليها الحياة الزّوجيّة، وهي أنّها ليست حياة تقوم على الشّهوة والمتعة، ولا تقوم على فهم مغلوط لأحكام الإسلام المتعلّقة بالمرأة والعلاقة الزّوجيّة. فأحكام الإسلام سمحة تقوم فيها الحياة الزوجيّة على قاعدة عظيمة هي قوله تعالى: "ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة."

ومن الوقوف على شخصيات الرّواية نجد الكاتب يعرضها دون مبالغة أو تكلّف، فقضيّة المرأة ليست قضيّة صراع مع الرجل، وإنّما هي أفهام يشترك فيها الطّرفان سلبا وإيجابا، فقد كانت شخصية أبي جمانة وشخصيّة الحاجّ عزّ الدّين وشخصيّة أبي أسامة وشخصيّة الشّيخ الذي عقد لهما شخصيات إيجابيّة في نظرتهم للمرأة وتقديسهم للحياة الزوجيّة وتفهمّهم لحاجاتها، في حين كانت وفي الطّرف المقابل شخصيّة أمّ أسامة كأمّ وزوجة وحماة شخصيّة سلبيّة، ترى المرأة آلة إنجاب والحياة الزوجيّة تقوم على إشباع الشّهوة، فهي تعتدّ بأنوثتها وتفخر بأنّها امرأة ولّادة، وترى زوجة ابنها شرّا ولعنة، ويجب أن تكون جارية لابنها لا تعرف إلا السّمع والطّاعة له.

وقد أثار الكاتب قضايا كثيرة تتعلّق بالزّواج والحياة الزّوجيّة، منها ما هو متعلّق بأحكام الدّين التي اختُلِف فيها، أو وجدنا من تشدّد فيها من غير سند أو فهم صحيح، من مثل النّقاب، ومن مثل الغناء في الأعراس والخطوبات، ومن مثل حقّ الزوجة في العمل الشّريف كالتّعليم، ومن مثل حقّها في امتلاك وسائل الاتّصال الحديثة، وحقّها في اختيار الزّوج والقبول أو الرّفض، وغيرها.

وهكذا تكون المرأة خاصرة رخوة إذا لم يكن لها الخيار في الزّواج، وقد تكون خاصرة رخوة إذا وقعت في أحضان زوج جاهل أو شهوانيّ أو ذي فهم عقيم لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الزّوجيّة، وتكون خاصرة رخوة إذا خرجت من أخلاقها واتبعت شهواتها وساء اختيارها للزّوج، وتكون خاصرة رخوة إذا ربّت أبناءها تربية مغلوطة في النّظر إلى المرأة على أنّها جارية وموضع شهوة، وإذا كانت غيورة حسودة.

وفي الختام أرى في الرّواية تصويرا حيّا ومباشرا ونزيها لبعض ما عليه مجتمعنا في مثل هذه القضايا، والمتمعّن فيها لا يجد فيها أيّة نظرة سوداويّة، بل هي حالات تقع في مجتمعات بشريّة، اختلطت فيها الأفهام في أمور حياتية كثيرة. وما الرّواية إلا دعوة لإصلاح العلاقات الزّوجيّة وتقديسها في أسرة ناجحة. خرجت في عمل أدبيّ فنّيّ رفيع.

وسوم: العدد 858