نظرة في ديوان على ضفاف الأيام

clip_image002_a5c26.jpg

clip_image004_88240.jpg

clip_image006_639d0.jpg

الديوان للشّاعرة نائلة أبو طاحون، في طبعته الأولى لهذا العام 2020 الصّادر عن دار النّشر (مكتبة كلّ شيء حيفا)... يقع في أكثر من تسعين صفحة، وأخذ الدّيوان اسم القصيدة العموديّة على ضفاف الأيام والتي مطلعها:

ما أنت إلا الشّمس تشرق في غدي ... وسناء فجر رائع متجدّد

والديوان فصلان: الأوّل للشّعر العموديّ، التزم بحور الشّعر العربيّة المعروفة، ومجموع قصائدة سبع وعشرون قصيدة، عدد غير قليل منها من المقطوعات التي لم يبلغ معظمها عشرة أبيات... وثلاث قصائد منها تجاوزت العشرين بيتا. أمّا الفصل الثاني فكان لشّعر التّفعيلة، وربّما كانت فيها الشّاعرة أطول نفسًا.

وبجمع الشّاعرة بين هذين الصّنفين من الشّعر، مع توفر الخصائص الفنّيّة المتعارف عليها في الشّعر الجيد، نكون أمام شاعرة مُجيدة. ومن حيث الموضوعات نجد الشّاعرة قد جمعت بين أغراض عديدة منها: الرّثاء في قصيدة (أمّاه) والتي بلغت خمسة وعشرين بيتا. وقضيّة فلسطين والقدس، من مثل قصائد: عنقاء فلسطين، وخلف الجدار، وعلى شطآن يافا، وقصيدة لأسرانا البواسل، وقصيدة لا تساوم. وقد أبدت فيهما التشبّث بالوطن والقدس، ورفض المساومة عليهما، والحنين والأمل بالعودة والاستبشار بالتّحرير، ولوم العرب لتخاذلهم عن نصرة القدس. وهناك التّأمّلات الفلسفيّة من مثل قصيدة الموت، وعمري أنا، وجذوة العشق. وكذلك قصائد عاطفيّة في الشوق وشكوى بعد الحبيب وغيابه، من مثل قصيدة أيّها البعيد، وضفاف الأيام وغيرها.

وأول ما امتاز به شعرها هو جمال اللّغة، ومهارة اختيار الألفاظ اللّطيفة التي توافق الغرض، وتشكّل البناء الموسيقيّ الدّاخليّ الثّر، والتي توحي بطبع لا تكلّف فيه. فلا غرابة في ألفاظها ولا ابتذال، ويبدو عليها التّأثر بلغة القرآن في ألفاظ كثيرة. أمّا التّصوير والخيال والتّشبيهات والاستعارة فبدت رائقة بعيدة عن الغرابة أيضا، وإن كان بعضها بسيطا يصدر عن طبع بريء بعيد عن التّكلّف والتّعقيد. ومن أمثلة التّصوير البديع: تقول في قصيد ضفاف الأيام:

أطلقت في بهو الضّلوع فراشة ... زهو الفراشات الجميلة ترتدي

لتمرّ في غابات شوق جارف ... يصطاد ما بالقلب من نبضٍ صدي

وتقول في قصيدة ترثي فيها أمّها:

حزن يغلّف خافقي

كمحارة...

ألقى بها الموج على شطّ غريب

لا الموج يذكرها ولا

قلب حبيب.

ومن الميزات الملحوظة بكلّ وضوح في شعر الشّاعرة الغنى الموسيقيّ الذي جعلها أو جعل معظمها غنائيّا بحتا، وسرّ هذا في اختيار البحور الأكثر غنائيّة، كالبحر الكامل أو الوافر مثلا، والتّفعيلات في شعر التّفعيلة كـ (متفاعلن)... وسرّه كذلك في اختيارها الألفاظ الرّقيقة الخفيفة التي تتكاتف في صنع موسيقى داخلية آسرة، مثال ذلك في قصيدة غرّد الطير وهي من الوافر:

غرّد الطّير بأفنان الزّهر ... والخرير العذب ألحان النّهرْ

في نسيم الصّبح ريح خلته ... من شذا الشّوق تمادى وانتثرْ

رفّ قلبي وزها من وجدي ... حين مرّ الصّبّ فيه وعبرْ

وانظر في قولها في قصيدة رفيق الرّوح، وهي من بحر الهزج:

رفيق الرّوح لو تدري بأنّي بتّ ملتاعةْ

أبثّ الليل أشواقي إلى لقياك لو ساعةْ

تجدّد للهوى عهدا بأمر السّمع والطاعةْ

وعلى بساطة المعنى والصّورة تجد في هذه الأبيات فيضا موسيقيّا غامرا، بل قد وفّقت الشّاعرة في اختيار التّاء السّاكنة ليتناسب الصّوت مع الغرض والسّياق.

ونجد في كلّ هذه الميزات أنّ الكاتبة كانت صادقة العاطفة، ففي رثاء أمّها بدت في حزن ومشاعر غير متكلّفة، وكذلك فيما تعلّق بالقدس ويافا أو في أشعارها العاطفيّة المضمّخة بالشّوق والحنين والشّكوى، إذ كانت بعيدة كلّ البعد عن المبالغة والتّواري خلف استعارات وأخيلة غريبة متكلّفة، وهي شاعرة غير بكّاءة، يملؤها الأمل والاستبشار بالفرج. ولا أجانب الصّواب إن قلت أنّي أشتمّ فيها رائحة الشّعر العباسيّ، وبخاصّة أشعار المطبوعين، ولكن ينقص شاعرتنا المجيدة النّفس الطويل في شعرها العموديّ الرّائق، كي تلحق بهم، ولا أظنّ هذا يعجزها.

وأخيرا أشير إلى أنّني كنت مررت بالمقدّمة التي كتبها الدكتور المصري علي أبو عميرة، مرور غير مدقّق فيما يقول، لأعود له بعد أن قرأت الدّيوان بإنعام نظر وتذوّق. فوجدته قد قال فيه حقّا، وكان فيه صاحب نظرة دقيقة وتعبير بليغ.

وسوم: العدد 866