قراءة في كتاب "جيل العودة.. الحلم والامل"

استنهاض طاقات الشباب الفلسطيني .. مسؤولية وطنية

jelawda898.jpg

صدر قبل ايام عن شركة دار التقدم العربي للصحافة والنشر- بيروت، الفرات للنشر والتوزيع والدار الوطنية الجديدة – دمشق، كتاب جديد بعنوان "جيل العودة .. الحلم والأمل" لكاتبه يوسف احمد. يقع الكتاب في 192 صفحة من القطع الوسط ويتوزع على ثلاثة فصول وكل فصل منها يحمل عناوين يصلح كل واحد منها ليكون كتاب بحد ذاته نظرا لما ورد فيه من معطيات تستحق التوسع.

قدم للكتاب امين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الرفيق نايف حواتمة، الذي بكلماته القصيرة وجه دعوة الى "الأقلام الشابة لتتقدم الى الموقع المتقدم في رصد حاضرنا، وهي المعنية، في الوقت نفسه بتحمل أعباء الحاضر، كما أعباء المستقبل." مشيرا الى ان كتاب "جيل العودة" هو "توصيف دقيق لأجيال الشباب الفلسطيني الناهض، الذي ربط مصيره ومصير مستقبله بتحقيق حلم العودة، الذي تحول واجباً وطنياً، جنباً إلى جنب مع باقي الواجبات وركنا ثابتا من أركان البرنامج المرحلي الذي ناضلنا لأجله واعتمدته الحركة الوطنية الفلسطينية بالاجماع في العام 1974".

صاحب الكتاب لا يمتهن الكتابة والعمل الصحفي والاعلامي والبحثي فقط، بل هو فوق كل ذلك قائد شبابي معروف بميدانيته وعمله الدؤوب بين اوساط الشباب، كما انه رئيس اتحاد يعمل بين الطلبة والشباب ما يعطي الكتاب اهمية مضاعفة كون المعطيات المعلوماتية والرقمية والتحليلية الواردة نابعة من معايشة الواقع الشبابي بكل تفصيلاته، خاصة ونحن نعلم مشكلة الارقام في كل ما له علاقة بموضوع اللاجئين الفلسطينيين بسبب تعدد المرجعيات المحلية والدولية المعنية.

خصص الكاتب الفصل الاول (ص 13 – ص 55) لاستعراض الواقع التعليمي تحت عنوان: "هموم ومشكلات"، مقسما اياه الى اربعة اقسام: التعليم الاساسي في وكالة الغوث، التعليم الجامعي، التعليم المهني والتعليم في المدارس الرسمية اللبنانية مستعرضا لابرز المشكلات ومقترحا المعالجات النابعة من وحي تماسه المباشر من الطلبة ومشكلاتهم. وفي هذا القسم نسجل للكاتب ولاتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني تفردهما بالدعوة الى تأسيس جامعة خاصة بالطلبة الفلسطينيين، وهي قضية تعتبر اكثر من حاجة للطلبة وذويهم، نظرا للمعاناة التي يجدها الطلبة سواء لجهة الالتحاق بالجامعات او اختيار اختصاصهم. وان نجح الاتحاد في اقناع الاطراف المعنية سواء وكالة الغوث او الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير في هذا الامر فيكون قد قدم خدمة كبيرة للطلبة الفلسطينيين، حيث يوازي هذا المطلب مستقبل كل طالب يعاني الامرين مع انتهاء المرحلة الثانوية.

ان التعليم في الاونروا يعتبر الاساس، وهو اشبه بقطاع التعليم الرسمي المجاني في الدول، إذ بلغ عدد الطلبة خلال العام الدراسي 2017 – 2018 اكثر من 37 الف طالب موزعين على موزعين على 66 مدرسة في المراحل الثلاث الابتدائية، الإعدادية والثانوية اضافة الى التعليم المهني (سبلين).

ولا شك ان البرنامج التعليمي في وكالة الغوث قد تعرض لعدة ضربات كان اخطرها عام 2015 عندما هددت الاونروا بانها لن تكون قادرة على افتتاح العام الدراسي بشبب عجز الموازنة العامة.. وقد تمكنت الوكالة من تجاوز مشكلة العام 2015 بحصولها على تعهدات مالية، جعلتها قادرة على رسم اهدافا طموحة قالت انها ستعمل على تحقيقها في المجال التعليمي.. ويمكن قراءاة ذلك في الاستراتيجية المتوسطة الاجل (2016-2021) التي اشارت الى "تكفل الأونروا أن ينهي الأطفال في سن المدرسة التعليم الأساسي ذي الجودة والمنصف والجامع وتعزيز إمكانات وصول أطفال اللاجئين الفلسطينيين إلى التعليم على المستوى الثانوي والعالي في مؤسسات السلطات المضيفة.. وايضا حرصها على أن تكون مرافقها المدرسية ميسرة الوصول وتوفر بيئة تعليم مواتية وآمنة، كما ستعمل الأونروا مع الشركاء من أجل تحسن جودة برنامج التعليم وضمان زيادة وصول اللاجئن إلى مقدمي الخدمات التعليمية.

وفيما كانت اجهزة الاونروا تتهيأ لبدء تطبيق هذه الاستراتيجية، وغيرها في قطاعات خدماتية اخرى، جاء موقف الادارة الامريكية بوقف المساهمة الامريكية التي تزيد عن (360) مليون دولار ووقوع الموازنة بابوابها الثلاث في عجز لا زال يجرجر نفسه منذ العام 2018. وكان من نتيجة ذلك تذرع الاونروا بالعجز لتطرح استراتيجيات بديلة على برنامجها التعليمي ادت، الى جانب امور اخرى، الى تكديس الطلبة لأكثر من خمسين طالبا في الصف الواحد، واستهداف قطاع التوظيف بشقيه الثابت واليومي ووقف اي تمديد للموظفين لما بعد سن الـ (60).. اضافة الى دمج بعض المدارس واقفال بعضها الآخر، رغم ان وكالة الغوث اعلنت عن وقف عالملية نزولا عند المطالب الفلسطينية، فان ليس هناك من تأكيد على ان الاونروا لن تكرر مقترحاتها حول مسألة الدمج.

حمل الفصل الثاني عنوان:" حق العمل وتحديات الهجرة والبطالة" (ص 55 – ص 81).. وقد جاء العنوان موفقا من الكاتب لجهة الربط المباشر بين مرحلة ما بعد التعليم الجامعي وصعوبة الحصول على عمل نتيجة تشدد القوانين اللبنانية واصطدام جميع الخريجين الفلسطينيين بسوق عمل لبنانية مقفلة غالبا في وجوههم، وبين الهجرة التي تصبح خيارا وممرا اجباريا امام الشباب الفلسطيني في بحثه عن مستقبله وعن لقمة عيشه وعيش اسرته..

هل يمكن الفصل ما بين تراجع الواقع التعليمي للاجئين الفلسطينيين خاصة في المراحل الثانوية والجامعية وسياسة الدولة اللبنانية في منع الخريجين من العمل وبين مشاريع التهجير الجماعي واستهداف العديد من الشباب بالآفات الاجتماعية؟ فالادارة الامريكية استهدفت ضرب التعليم باعتباره يشكل الارضية لبناء جيل جديد، وايضا ضرب الاسرة الفلسطينية من خلال الضغط الاقتصادي الذي ادى الى نزوع عدد كبير من الطلاب الى البحث عن مصدر رزق اما وهو على مقاعد الدراسة او تركها لصالح تأمين معيشة العائلة. ويبدو ذلك واضحا من خلال الدراسة الثانية التي انجزتها الاونروا مع الجامعة الامريكية في بيروت وصدرت عام 2016، رغم ان الواقع الراهن هو اكثر سوءا ومأساوية. إذ جاء في الدراسة ان فئة الشباب تعتبر أكثر الفئات تأثرا بالفقر لدى اللاجئين ويرزح 74 بالمئة من المراهقين تحت خط الفقر، في حين يعيش 5 بالمئة منهم في فقر مدقع. اما بالنسبة اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى لبنان فالواقع اسوأ بكثير ويعيش 9.2 بالمئة منهم في فقر مدقع، في حين أن 89.1 بالمئة منهم هم فقراء.

ما يثير اكثر من علامة استفهام هو ان هذا الواقع تزامن مع دعوات من قبل البعض لهجرة جماعية بذريعة "الواقع الاقتصادي الصعب" بل ان الاكثر استغرابا هو تنظيم تحركات مدفوعة الاجر وفي اماكن تعتبر من اكثر المناطق اللبنانية حساسية، وهي عادة ما تنظم بحماية ورعاية اجهزة امنية معينة.. ما يجعل من امر التشكيك حقا وواجبا وطنيا على كل فلسطيني..

وهنا لا يمكن الحديث عن واقع الشباب الفلسطيني ومشكلاته دون الاشارة الى خلفيات مشاريع التهجير الجماعي وربطها بالمشروع الامريكي الاسرائيلي الذي اعلن صراحة سعيه لتصفية قضية اللاجئين. وحسنا فعل الكاتب في الجمع ما بين الضغوط التي يتعرض لها الشباب في صراع البحث عن عمل وبين مشاريع التهجير الجماعي، الذي من السذاجة التعاطي معها باعتبارها امر عاديا او فرديا، كما يحاول البعض تصويرها.. ومنطقيا لا يمكن مناقشة ظاهرة التهجير الجماعي الا في اطار المشروع السياسي الذي تطرحه الادارة الامريكية واسرائيل والمعروف بـ "صفقة القرن"، وهو يتجاوز في مخاطره كل ما طرح سابقا. ويمكن التعرف على بعض من هذه المخاطر من خلال المواقف الامريكية والاسرائيلية وجهودهما لتصفية حق العودة والغاء المكانة القانونية للاجئين سواء عبر استهداف وكالة الغوث او الضرب على عنصر الشباب وغير ذلك من عناوين..

ان اللاجئين الفلسطينيين ينتمون الى فئة اجتماعية تعاني تداعيات اللجوء على مختلف المستويات، وان ظروف وصعوبات الحياة، خاصة في جانبها الاقتصادي، ليست سوى نتائج للمشروع الامريكي الاسرائيلي لقناعة الامريكيين الذين يعيشون "عقدة العقوبات" بأهمية هذا النوع من الحروب، بعد ان فشلت جميع اشكال الحروب السابقة في تحقيق اهدافها، فكانت الحرب الاقتصادية وحروب التجويع.. في مسعى جديد لايصال اللاجئين الى حالة من اليأس والاحباط علها تساهم في اختراق جدار الرفض والصمود للاجئين الفلسطينيين، فكيف اذا كان المستهدف هم فئة الشباب الذين يعتبرون محور ومحرك اي مجتمع..

ان كنا نوافق على ذلك المنطق الذي يميز بين هجرة طوعية تفرضها طبيعة وتعقيدات الحياة وتطورها، وهجرة مفروضة تأتي في سياق سياسي مخط له، الا ان هذا يجب ان يدفعنا الى التحذير من ان الهجرة تحولت من ظاهرة فردية يمكن أن تحدث في أي مجتمع، إلى ظاهرة جماعية تهدد بإفراغ التجمعات والمخيمات الفلسطينية من لاجئيها.. ما يجعلنا ندق ناقوس خطر حول النتيجة التي يمكن أن نصل إليها على المستوى الوطني، إذا ما استفحلت هذه الظاهرة. فالمخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان وفي قطاع غزه تتعرض لاستهداف واضح واستنزاف لطاقاتها البشرية عبر خلخلة الاستقرار الاجتماعي للاجئين وتشجيعهم على الهجرة وإضعاف عناصر التماسك السياسي والاجتماعي داخل المخيمات، وهي النقاط التي أبقت قضية اللاجئين نابضة بقوتها حتى اليوم. وذلك في إطار استكمال التطبيقات الميدانية للمشروع الصهيوني الذي ما زال يراهن على العامل البشري باعتباره أحد العوامل الحاسمة في الصراع.

الفصل الثالث حمل عنوان: "الشباب والمشاركة ودور الاتحادات والمؤسسات في التنمية الشبابية" (ص 85 – ص 179) وهو عنوان يحمل في ثناياه الكثير من العناوين التي اشار اليها الرفيق نايف حواتمة في تقديمه حين قال: "ان اهمية الكتاب تكمن من كونه يتحدث عن الشباب، أي تلك الفئة المجتمعية في فلسطين، التي أصبحت موضع رهان على دورها في حمل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، لتبقى الراية مرفوعة، ونحن نجتاز المراحل النضالية، شديدة التعقيد والصعوبة. وفي ظل الغنى الذي يتمتع به شعبنا، بالأجيال الشابة، ننظر إلى معركتنا نظرة الواثق، أنه مهما اشتدت الصعوبات، وازدادت التعقيدات، وغلت التضحيات، فإن الأجيال الشابة، هي الذخر الغني الذي يمنح شعبنا رؤيته المستقبلية، ويعمق أصالته وانتماءه للأرض. هي تلك الفئة التي اعتادت في كل المنعطفات والمعارك والمحطات أن تتقدم الصفوف، هي التي أطلقت رصاصة انطلاقة الحركة الوطنية المعاصرة، أتوا إليها من المخيمات الفقيرة، والجامعات، وورش البناء، وغيرها، تركوا كل شيء وراءهم، تخلوا عن أحلامهم الصغيرة، لصالح الحلم الكبير، الذي ما زال يحتل مكانته في العقول، وفي الصدور.. فلسطين".

لكل ذلك وجب اعطاء الشباب دورهم والمكانة التي يستحقونها، عبر افساح المجال امامهم ليأخذوا دورهم في العملية الوطنية، خاصة وانهم اكدوا في اكثر من مناسبة انهم جديرين في حمل لواء القيادة وفي تحمل مسؤولياتهم الوطنية، ولنا في تجربة مسيرات العودة في لبنان عام 2011 خير مثال، بل لنا في مسيرات العودة في قطاع غزه النموذج الساطع.. ولنا قبل ذلك في انتفاضة الحجارة عام 1987 المثال والنموذج اللذين من خلالهما قدم الشباب الفلسطيني نفسه باعتباره جدير بتحمل المسؤولية.

وقد اصاب الكاتب حين اعتبر "إن قضية تفعيل دور الشباب والطلاب وتعزيز مشاركتهم في المجتمع الفلسطيني ليست قضية أكاديمية، بل مسؤولية وطنية بحاجة لإهتمام كبير، إنطلاقاً من أن هؤلاء الشباب هم الثروة الأساسية التي تمتلكها الحركة الوطنية الفلسطينية، بل هم مستقبل النضال الفلسطيني وضمان صيرورته وديمومته، وهم مرشحون للمساهمة بفعالية في التصدي للتحديات التي ما زالت تواجه المجتمع الفلسطيني وقضيته الوطنية. وهذا ما يحتاج الى الإهتمام بمشكلات الشباب ووضع الحلول لها وإنشاء قنوات التواصل معهم وصولاً إلى الشخصية الشبابية السوية التي تستطيع التفاعل الإيجابي مع المجتمع وتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقها.(ص 102)

نختم ونقول: كان الشباب الفلسطيني في اكثر من مناسبة سباقا في التقاط اللحظة التاريخية، حتى قبل الحالة السياسية بجميع مكوناتها، ولنا في الانتفاضة الشبابية عام 2016 في القدس الدليل، ولنا ايضا في التحركات الشعبية التي شهدتها مخيمات لبنان عام 2019 احتجاجا على اجراءات وزارة العمل خير دليل.. والنماذج النضالية لا تنتهي، ما يؤكد بأن انتصار قضية فلسطين تبقى مرهونة بجانب كبير منها بالدور الذي يلعبه الشباب، وهو دور يجب انتزاعه في ميدان الصراع المباشر مع المحتل ومع عقلية الاقصاء التي لا بد من تغييرها.. والخروج، كما قال الكاتب (ص 103)، من حالة الإنغلاق والتقوقع، نحو تعميم الديمقراطية والإنتخابات في مختلف مؤسساتنا وهيئاتنا الوطنية، وإستعادة الحياة الديمقراطية وتعميم تجربة التمثيل النسبي في كل المؤسسات والإتحادات الشبابية والطلابية، بما يكفل وضع حد لظاهرة التفرد ويفسح المجال أمام مشاركة الشباب ووصولهم الى المواقع القيادية والاعتراف بكفاءاتهم وقدراتهم، وتنظيم صفوفهم بما يضمن التوجه نحو تفعيل النضال المطلبي وتفعيل صلة الحركة الطلابية والشبابية بالقضايا المجتمعية، ليأخذوا دورا واضحاً يرتبط بقضايا التحرر الوطني والإجتماعي وصولاً إلى المجتمع الحر الديمقراطي عبر إتاحة الفرصة لهم للتأثير في صنع القرار.

كتاب "جيل العودة.. الحلم والامل" وثيقة هامة تضاف الى سلسلة الدراسات والكتب والوثائق الهامة التي صدرت عن الكاتب وعن اتحاد الشباب الديمقراطي، والتي عالجت مجتمعة مختلف قضايا الشباب والطلبة التربوية والتعليمية وايضا القضايا السياسية وقضايا الهجرة والمشاكل الاجتماعية والمشاركة السياسية وقضايا الاتحادات الشعبية التي يجب ان تشكل الحضن الوطني الاشبه بمرحلة الاعداد والتأسيس. هو كتاب جدير بالقراءة والاهتمام سواء على المستوى الفردي والشخصي او على مستوى المنظمات الشبابية والمؤسسات العاملة في اوساط الشباب الفلسطيني..

يطلب الكتاب من جميع مكاتب اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني او من خلال العنوان التالي:

[email protected]

منتصف تشرين الاول 2020

وسوم: العدد 898