الاتجاه الاسلامي في شعر محمد ضياء الدين الصابوني

كان للشاعر محمد ضياء الدين الصابوني عدة نشاطات منها الأدبية ومنها الدعوية :

حيث شارك في عدة مؤتمرات ومهرجانات وأمسيات شعرية في سورية، والسعودية، والكويت، ولبنان، ومصر، وتركيا، وبنغلادش، وليبيا، وله مؤلفات عديدة في اللغة والأدب ودواوين شعرية ( قدم لها علماء ورجال أفاضل وشعراء كبار) .

ونُشرَ شعره في الصحف، والمجلات العربية، والإذاعة) .

وكانت له مشاركات شبه دائمة في الاثنينية التي كان يديرها الشيخ عبد المقصود خوجة...ويلقي فيها قصائده في الثناء على العلماء المكرمين أمثال الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ عبد الفتاح أبو غدة والشيخ محمد علي الصابوني والأديب د. محمد علي الهاشمي ...وغيرهم.

بعض مما قيل عنه:

أثنى عليه العديد من العلماء والشعراء، والنقاد،  منهم:

  • قال عنه أديب العربية الكبير فضيلة الأستاذ الشيخ: علي الطنطاوي - رحمه الله- :

ما وددت أن أكون شاعراً إلا في هذه الليلة، لأرد على الأستاذ الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني، وأنا أشهد له بالارتجال، وأنه يقول الشعر عفوا، وينظم القصيدة في أقل من نصف ساعة .

  • وقال عنه الدكتور شكري فيصل (رحمه الله):

لقد أصبح الشعر مطواعا لشاعر طيبة، ينساب في عفوية ويسر، لا يتكلفه، وإنما يأتيه عفو البديهة والخاطر .

  • وكتب عنه الدكتور عبد المنعم خفاجي :

شاعرنا محمد ضياء الدين الصابوني الشاعر الإسلامي الكبير مفخرتنا ومفخرة جيلنا.

  • وكتب عنه الأستاذ حفني عبد الله حفني في أحد الكتب المقررة بوزارة المعارف في المملكة العربية السعودية :

الأستاذ محمد ضياء الدين الصابوني: أديب سوري معاصر، وشاعر مطبوع، عمل بالتدريس في مدارس المملكة العربية السعودية عدة سنوات، في شعره رقة وجزالة، وتبدو فيه الروح الإسلامية .

* وقال عنه أ.د.عبد الرزاق حسين أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران في السعودية في دراسة له بعنوان: (من ألقاب الشعراء.. شاعر طيبة) في العدد 76 من مجلة الأدب الإسلامي:

وجدت في هذا الشعر – شعر محمد ضياء الدين الصابوني شاعر طيبة- من العذوبة والسيرورة والسلاسة؛ ما وجدت من حرارة العاطفة، وصدق التوجه، مما يجعله شعرا سائغا قريب التناول، سهل الفهم. ولم يضر أبا العتاهية ما قاله النقاد عن شعبية شعره الذي يصل إلى حد النثرية، بل لا زال شعره يتردد في حكمه وأمثاله، وسهولة استقباله.

الاتجاه الاسلامي في شعره:

والأستاذ محمد ضياء الدين الصابوني شاعر اسلامي النزعة، وليس هذا بدعا من القول فهو من بيئة اسلامية ملتزمة، فوالده عالم واخوته محمد علي ، ود. عبد الرحمن كانوا من العلماء الذين اختصوا بالتفسير والفقه ...وكان لنشأته في موكب الدعوة الاسلامية المعاصرة، وصحبته للعلماء من أمثال : الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ طاهر خير الله، والشيخ أحمد عز الدين البيانوني ...

تناول الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني موضوعات شتى في شعره منها الاسلامي، ومنها السياسي، والوجداني...

فكتب عن نفحات الحرم، ونفحات طيبة، وتحية رمضان، ونشيد الايمان ...

وكانت دواوين شعره تعج بالنزعة الاسلامية فالألفاظ والتراكيب، والأفكار، والصور تتحلى بروح اسلامية شفافة، ...وتتأثر ببلاغة القرأن الكريم.

طيبة:

حمل الشاعر لقب شاعر طيبة لكثرة ما أحبها وذكرها في شعره، وهاهو يقول عن المدينة المنورة بعنوان: (بطيبة طاب لي المقام):

بطيبة طاب لي المقام         

وكم قبلي من العشاق هاموا

فهو يبدأ جل قصائده بالتصريع كما بين (المقام - هاموا)، فهو اتباعي يقلد القدماء في ذلك.

والتصريع كما هو معروف يكسب النص رقة وعذوبة وموسيقا محببة تشوق المتلقي لسماع أفكار الشاعر ...

ويعلل الشاعر سر اعجابه بطيبة الطيبة، فيقول:

وما لي لا تطيب النفس فيها 

وكل الزائرين بها كرام

ألا ياجيرة الهادي سلاما     

لكم عهد المودة والذمام

وكم نحت مشاعرنا الخزامى   

بنفشي الشيح فيها والخزام!

فهو يحب طيبة لأنها بلد الحبيب ومثوى الصحابة وسكانها من خيرة الناس وهي مأرز الايمان .

وكتب الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني مصورا أنوار طيبة في قصيدة أخرى جميلة يقول فيها:

قلب المتيم هائم بهواها

هي طيبة عم الوجود سناها

زرها وقبل تربة قد مسها

قدم الحبيب من الجنان براها

كم ذا يكابد من يفارق مرغما

ويحب من أجل الحبيب ثراها

(من ديوان رباعيات من طيبة)

الأخوة في الله:

لقد ربط الاسلام بين المؤمنين برابطة مقدسة هي رابطة الأخوة في الله...

وقد برع الشاعر ضياء الدين الصابوني في تصوير مشاعر الأخوة والمحبة، ومن ذلك شعره في الثناء على الشاعر الدكتور عدنان النحوي في حفل تكريم النحوي في اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه:

عدنان..إنَّك للإخوان بهجتها:

(قدّمها إليَّ الأخ الكريم الشيخ الفاضل محمد ضياء الدين الصابوني "شاعر طيبة" أثناء حفل تكريمي في الإثنينية التي يقيمها الشيخ الفاضل الأستاذ عبد المقصود خوجة)

"عدنـانُ" إنَّكَ لِلإخْـوان بَهْجَتُها

وأَنْـتَ أكـرمُ مَنْ يُرْجَى ويُنْتظـرُ

هـذي مآثركمْ تَـرْوي  فَضائِلكـمْ

أَيُكْتَـمُ الطِّيـبُ  والأَشْذَاء ينْتَشـرُ

بيني وبينـكَ يا "عدنـان" آصرةٌ

من المودّة ما في  صَفْـوِها كـدرُ

نـرى المآسيَ لا تَهْتَزُّ جارحـةٌ

والقلبُ من حُرْقةِ الأحزان  يَعْتَصِرُ

نـرى المآسيَ والأحداث تَطْحَننـا

ونحن نهـزل والأشـلاء  تَنْتَشـرُ

وتشتكي أنفـسُ الأحرارِ مـن ألمٍ

فـلا يقـرُّ لـهـا بـالٌ فتَعْتَصِـرُ

لمثلِ هذا يذوب القلـب من حُـرَقٍ

لـمثل هذا يـكاد القلـب يَنْفَطِـرُ

ولاينسى وهو في غمرة الأفراح أحزان وجراح اخوتنا في فلسطين، فيقول:

فأينَ أنتَ "صلاحَ الدّين"  تُنْقِذَنـا

وتمسحُ العار عن قدسي وتَنْتَصرُ؟

إنْ كان للشِّعْرِ أن يَزْهُـو بشاعره

فـإنَّما بـكَ يا "عدنانُ" يَزْدَهِـرُ

ورداً على قصيدة شاعر طيبة: "عدنان إنك للإخوان بهجتها، وديوانه: "نشيد الإيمان" أجابه الشاعر الدكتور عدنان علي رضا النحوي بهذه القصيدة:

إلى الأديب الداعية الشيخ محمد ضياء الدين الصابوني حفظه الله ردّاً على قصيدته إليَّ، وديوانه "نشيد الإيمان":

نِعْـمَ النَّشيدُ نشيـدٌ مِنْكَ يَزْدَهِـرُ

بِالصِّدقِ، بالحُسْنِ، بالإيمان يُشْتَهَرُ

غَنَّيْتَ طيبةَ حتى صِرْتَ شاعرَهـا

وكُـلُّ ساحاتها تُـصْغي فَتَنْبَهِـرُ

تصـوغ أمْجَادَها ذِكْـرى مَعطَّرة

لآلـئاً نُـثَرَتْ من بيـنها الـدُّررُ

جَعَلْـتَ منها أناشيدَ الهُدى فَزَهَتْ

لَحْناً ومعنىً وطابَ الفكرُ والصُّوَرُ

فأنتَ حقَّاً " ضياء الدِّين " مِنْ خُلُقٍ

سَـمْحٍ ومن هـمّةٍ تَعْلُـو فَتَبْتَدِرُ

وإنَّ في الشِّعْرِ سَلْوى حين تفجؤنا

هـذي المآسي بِشَرٍّ بَـاتَ يَسْتعِرُ

والنَّاس مِنْ حولها في اللهوِ قد غَرِقوا

كأنَّما لـم يكُنْ مـن حولِنا غِـيرُ

ماتت عزائمنا ! ضاقتْ حَوافزُنا !

وطلعةُ المجْدِ في الساحات تَنْحسِرُ

خُلْفٌ أَضرَّ بنا ! حُبُّ الحياة طغى !

كَراهةُ الموت! هذا الوهْنُ والسَّكرُ

فلا الفواجع ، لا الأحداث توقـظها

ولا المواعظُ والآيـاتُ والـعِـبرُ

لا تَنْظُـرنَّ "صلاح الدين " ينقـذنا

وكيف ينقذُ مَنْ أردى بـهم خَـوَرُ

فكلُّ نفـس مع الإيـمان صـادقةٍ

تَهبُّ للسَّاحِ يُرْجى عندهـا الخَـبَرُ

ميدانُنا أنفسٌ يطغى الهوى شططاً

فيها فضاعت على أهوائها الأثـرُ

أيقِظْ إذنْ أنْفسـاً حتى إذا انتصرت

على هواها أتى من بـعده الظفـرُ

نصراً من الله يـوفيه لمن صدَقوا

عهداً وأَوْفَوْا بعهـد الله وانتصروا

إنْ لـم تَـقمْ أُمَّةُ الإسـلام واحدةً

صَفّاً يُرَصُّ وعَـزْماً ليـس ينكسرُ

فليسَ يُرْجـى لنا نَصْرٌ نُعَـزُّ بـه

وكلُّ ما قدْ نَرَى من زُخْـرُفٍ خَدرُ

الرياض/1/4/1427هـ، 11/5/2006م

حب رسول الله:

وشعر المديح النبوي يعد من أغزر الأغراض الشعرية في القديم والحديث..بدأ على أيدي حسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك الأنصاري وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم أجمعين.

ثم توالى الغيث عبر العصور حتى وصل الى صفي الدين الحلي مرورا بالشاعر البوصيري ..الذي عارض بردته أكثر من خمسمئة شاعر.

وكان من شعراء المديح النبوي في العصر الحديث محمود سامي البارودي وأمير الشعراء أحمد شوقي..

ونجد قصائد المديح مبثوثة في ديوان نجاوى محمدية للأميري، وفي ديوان محمد الحسناوي (مولد النور)، وفي شعر عبد القادر حداد، وفي شعر محمد منلا غزيل، وعثمان قدري مكانسي......وغيرهم.

ولقد كان شاعرنا الصابوني مكثرا من المديح النبوي، وقد كتب الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني قصيدة تحت عنوان ( حب رسول الله) يقول فيها:

بحبِ (رسولِ اللهِ) قلبي مُتيَّمُ

وإني في حُبِّ الحبيبِ لَمغرمُ

وحبُّ رسولِ اللهِ رأسُ سعادتي

أفوزُ بها عندَ الصراطِ وأسْلَمُ

ولا يكمُلُ الإيمانُ إلا بحبهِ

وحُبُّكَ يا (مختارُ) للقلبِ بَلسمُ

تقرَّبْ إلى مولاكَ في حُبِّ (أحمدِ)

ففي حبّهِ جنّاتُ عدنٍ وأنعمُ

وتحدث الشاعر فيها عن محاولات الأعداء تشويه صورة رسول الله :

وأيُّ امرئٍ يجفو أخاهُ فمجرم

ُ فكيفَ بمنْ يؤذي النبي،ّ ويُجرِمُ؟

حبيبي (رسولَ اللهِ) إنّا فِداؤُكم

فإنّكَ شمسٌ والصحابةُ أنجُمُ

مقامُ (رسولِ اللهِ) حيّاً وميتاً

مقامٌ عظيمٌ، عظّموهُ وكرّموا

ان حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الأخرين، وليس من الحرية أن يشتم الناس المقدسات والأنبياء:

وسَبُّ (رسولِ اللهِ) كُفرٌ بشرعِنا

فيا علماءَ الدينِ ثوروا وحَطّموا

ألا غضبةٌ مضريّةٌ (لنبينا)

فكلُّ امرئٍ منكم لدى الحقِّ ضَيغَم

ثم وجه الشاعر الخطاب الى العلماء والأمراء لكي يثوروا على هذه الاهانة:

ويا علماءَ العصرِ هذا نبيّكم

فمن يسكُتنْ عن شتمهِ فهو مجرمُ

ويا أيها (الحكّامُ) أينَ دفاعُكمْ؟ 

فأنتم حماةُ الدينِ والأمرُ فيكمُ

فثوروا على من سبَّ شخصَ (محمدٍ)

فإنْ أنتمُ قصّرتمُ فجهنَّمُ

حرامٌ علينا إنْ رضينا مَهانةً

لسيدنا (الهادي) أيرضاهُ مسلِمُ؟

ويوجه الشاعر كلامه بشكل مباشر الى الأعداء الذين كتبوا الرسوم المسيئة، فيقول:

ويا عُصبةَ الأوغادِ مالي أراكمُ

ركبتمْ مُتونَ الغدرِ والجهلُ مظلمُ؟

سخرتم بشخص (المصطفى) وهزئتمُ

سينتقمُ الجبّارُ منكمْ ألا اعلموا

فأنتم لئامٌ حاقدونَ ودأبكمْ

إثارةٌ شحناءٍ غدتْ تتضرّمُ

ألا لعنةُ القهّارِ دوماً عليكمُ

ولابدَّ يوماً أن تذِلوا وتندموا

لئن كانَ (عيسى) أحيا ميتاً (بإذنِهِ)

فإنَّ حنينَ الجِذعِ للحبِ أعظم

رأوا سيدَ الساداتِ تعشقُهُ الدُنى

فجُنّوا وراحوا يسخرون،َ وقد عَموا

وقد رأوا التقصيرَ والضعفَ فيكمُ

فساروا على نفسِ الطريقِ وأجرموا

وراح الشاعر يستلهم من التاريخ، ويبعث شخصية البطل صلاح الدين الأيوبي الذي قهر الصليبيين، فقال:

فأينَ (صلاحُ الدينِ) يحمي رسولَهُ

يُذيقُهمُ كأسَ الردى، وهو علقم؟

وإني لأرجو أن نقاطعَ دولةً

طغتْ وبَغتْ والمكرُ عشَّشَ فيهمُ

ودعا الشاعر الى مقاطعة صناعات تلك الدول؛ لكي يعرفوا أن هناك من يدافع عن مقدسات المسلمين، وأن حرمات الدين ليست كلأ مباحا...

ومن شعر ( محمد ضياء الدين الصابوني ) الاسلامي قوله عن مكة المكرمة هذه الأبيات الرائقة في مدح ماء (زمزم):

وزمزم ماؤها عذب فرات   

ترى فيها الشفاء وخير طِبَّ

وكم نهلت على ظمأ قلوب   

وكم هنئت بها من دون ريب

فهل لي رشفة منها قريباً

أداوي مهجتي وأبل قلبـي

فلا تحرم إلهي من تمنــى

ولا تمنع إلهي أي صـــب

إذا ما قلت: ذا ماء قراح

يقول السائغون: بلى وربـي

فحسبي جرعة أطفي أواري

وأنفــع غلتي وأزيل كربي

شهر الصيام:

ومن شعر محمد ضياء الدين الصابوني الاسلامي قوله في فضل رمضان:

رمضان ما أحلى لقا رمضان

شهر الهدى والعفو والغفران!

رمضان إنّك للقلوب سكينة

ومنارةٌ للتائه الحيران

شهر تفتحت القلوب ونُـوِّرَتْ 

غُمرت من النفحات والإحسان

كم في لياليك الجميلة بهجة

للقائمين ونفحة الإيمان

كم في رحابك رحمة ومودة

كم في لياليك الحسان معاني!

صفت النفوس فليس أيُّ مكدر 

وسَمَتْ على الأحقاد والأضغان

لا ظالم فيه ولا متكبر 

وغنيهم وفقيرهم سيان

ما أسعد الإنسان في أيامه

فكأنّه في جنة الرضوان

الصوم سلوى النفس من آلامها

فيه العزاء وبلسم الأشجان

الصوم طبٌّ للقلوب وفرحة

للبائسين ويقظة الوجدان

الصوم نبراس الرشاد وجُنَّةٌ

ورياضة الأرواح والأبدان

الصوم مدرسة تربي أنفساً

وتقودها للخير والإحسان

أعظم بمدرسة الصيام فإنها

تسمو وتطفي لاعج الأشجان

فلتهنؤوا بصيامه ولتسعدوا

بقيامه في صحة وأمان

والمحسنون لهم على إحسانهم

أضعاف ما بذلوه للرحمن

ان شهر الصيام هو سر السعادة في حياة المسلم، فالطاعة تسعدنا والمعاصي تشقينا:

رمضان إنّك بهجة لنفوسنا

فيك السعادة والنعيم الهاني

يا فوز من قد صامه يا بشر من

قد قامه بتلاوة القرآن

صلى الإله على النبي محمد

والآل طرَّاً في مدى الأزمان

ولنستمع الى شاعر طيبة “محمد ضياء الدين الصابوني” فيسوق لنا نبعة ثرة من نبعات الحياة، وخفقة من خفقات القلب النابض، في “رباعيات من مكة” حيث يقف بباب الكريم راجيًا فضله ونداه.. فيناجي كعبة الحسن بقوله:

“كعبة” الحسن تبدت سحرا

ما أحلاها بوقت السحر

تغمر الأرواح من نفحاتها

تتملى من شذاها العطر

كلما طفت بها في لهف

هزني الشوق للثم الحجر

فرسول الله قد قبَّله

كيف لا أهنا بلثم الحجر

فهي الأرض التي بارك الله ثراها وسماها، لا يفزع طيرها، ولا يعضد شجرها.. وهي سقيا زمزم.. طعام طعم، وشفاء سقم.. فهنيئًا لأهلها حيث يناجيهم شاعر طيبة:

يا أهل (مكة) ماء زمزم عندكم

يشفي في الألام والأسقام

وطعام طعم – لا مراء بفضله

وشفاء سقم في مدى الأيام

وعلى طريق الحب في الله.. وعلى خطى رسول الله.. يتدفق نهر الإيمان بين مكة والمدينة.. ومع وفد الرحمن من أهل مكة والزائرين.. يحييكم الصابوني:

يا أهل مكة حيا الله معدنكم

أنتم كرام وفيكم يزهر الأمل

ما فكر القلب يومًا في سلوكم

وكيف أسلو ونار الشوق تشتعل؟

ولي (بمكة) إخوان عرفتهم

وقلبهم برسول الله متصل

إن تحتفل أمة في ذكر قائدها

فاننا برسول الله نحتفل

ليل مكة:

وكتب الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني يقول موجها خطابه لأهل مكة الذين لهم في نفس شاعرنا مكانة سامية:

يا ليلَ (مكةَ) أنتَ الـنـورُ مَنْبَعـهُ

فطبتَ ليلاً وطابَ الخيرُ دفّـَاقا

غرّدتُ في (مكةٍ) أرضِ الهدى وهَوى

كلِّ النفوسِ وذابَ القلبُ أشواقا

سَقْياً ورَعْياً لأيـامٍ لـنـا سَلَفَـتْ

بمكةٍ ما أحيلى العيشَ مِغـْداقـا

ويفتخر الشاعر بأنه وهب النبي جل قصائده، فيقول:

يا (شاعراً) وهبَ الهـادي مدائِحَهُ

يفنى الزمانُ ويبقى الشعرُ رقراقا

الشـعرُ وحي وإلهـامٌ وعاطـفـةٌ

والشعرُ ما حرَّكَ الوجدانَ إنْ ضَاقا

إنـّا عشـقـنا الهُدى ذقـنا مَحبَّتَهُ

حتى دُعينا لدى الأحبابِ عُشَّاقا

لولا المحبـةُ ما راقـتْ عواطِفُنـا

ولا سَعِدْنا، وعادَ العيشُ إرهاقـا

ما أبهجَ العيشَ في ذكرِ الحبيبِ وقَدْ

صَفَا الزمانُ، وكان القلبُ مشتاقا

وكَمْ شربنا كؤوسَ الحُبِّ صافيةً

وأورَقَ الحبُّ في الأضلاعِ إيراقا!

فَتَسْكُنُ النفسُ في نُعْمى وفي رَغَدٍ

ولا تُفَكِّرُ في الأعبـاءِ إطلاقـا

ويعود الشاعر الى مناجاة أهل مكة الكرام ، ولايمل من التكرار والاصرار على حبه لهم :

يا (أهـلَ مكةَ) حيّـا اللهُ مَعْدِنَـكمْ

لازلتـمُ مَوْئِلاً للـنفسِ أعْلاقـا

يا (أهـلَ مكةَ) إني قـر عَرَفتُكـمُ

وقَدْ  لَمَسْتُ بكم حُبّاً وإشفـاقـا

أنا المقيمُ على حِـفـظِ الـودادِ إذا

تكدَّرَ العيشُ للأحبـابِ أو راقـا

يا ما أحيلى ليالي الأنسِ عامرةً

في (مكةٍ) حيثُ جَوُّ الأنسِ قَدْ راقا

أخـي (محمدُ) قَدْ راقتْ شمائِلُـهُ

وطابَ جَـوْهَـرُهُ للخيرِ سَبّاقـا

تَهـتزُّ للشعرِ والألحـانِ في جَذَلٍ

لا زلتَ للشعـرِ والآدابِ ذَوَّاقـا

ويشيد الشاعر بمبدأ الأخوة الاسلامية مرة بعد أخرى، فهي سر السعادة والأنس في هذه الحياة:

أُخـوةٌ نَسَجَ الـرحمـنُ عُـرْوتَها

وأشرقتْ في رياضِ الحُبِّ إشراقا

فنحنُ في (جَلْسَةٍ) بالأنسِ حَافلةٍ

والعيشُ صَافٍ ونَجْني الودَّ تِرْياقا

فعشْ سَعيداً (ببيتِ اللهِ) مغتبِطاً

تَصونُ عَهْداً، وتَرْعَى الودَّ أخلاقا

حيّـوا معي ذِكْرَ أيامٍ لـنا سَلَفَتْ

كالشّهدِ طيباً وكالآمالِ إشـراقـا

ما كـانَ أطيَبَها مَرَّتْ على عَجَلٍ

فاعذرْ فؤاديَ مِنْ شكواهُ ما لاقا!

صلّى الإلهُ على الهـادي وعِتْرَتِه

ِ ما حَرَّكَتْ نَسَماتُ الرَوْضِ أورَاقا

وهذه أبيات رائقة في مدح ماء زمزم للأستاذ الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني الحلبي (شاعر طيبة ) بعنوان:  ( زمزم ):

وزمزم ماؤها عذب فرات

ترى فيها الشفاء وخير طِبَّ

وكم نهلت على ظمأ قلوب

زكم هنئت بها من دون ريب

فهل لي رشفة منها قريباً

أداوى مهجتي وأبل قلبـي

فلا تحرم إلهي من تمنــى

ولا تمنع إلهي أي صـــب

إذا ما قلت : ذا ماء قراح

يقول السائغون: بلى وربـى

فحسبي جرعة أطفي أوارى

وأنفــع غلتي وأزيل كربي

( ما أعذب الماء  ):

ويقول الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني في قصيدة أخرى يؤكد على عذوبة ماء زمزم وأنه طعام طعم وشفاء سقم، فيقول:

ما أعذب الماء ما أصفى مناهله

فماء ( زمزم ) يشفى كل ذي سقم

وقد أتانا حديــث في فضائلها

وعن فوائدها من سيـــد الأمم

( طعام طعم ) وهذا لا مراء به

( شفاء سقم ) لمن يشكو من الألم

فاشرب على الريق وادع الله مبتهلاً

يشفيك فهو جواد واسع الكــرم

رمضان مدرسة القلوب:

وها هو ذا شهر رمضان قد هل علينا باليمن والبركات، إنه ربيع النفوس والقلوب، وكان لرمضان في وجدان الشعراء تدفق وفيض روحاني..

ويبرز الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني (شاعر طيبة) الجو الروحي الذي يسيطر على الصائمين في رمضان من خشوع وتقوى، وذكر وتسبيح، فيقول من قصيدة طويلة:

وفي رمضان كم خشعتْ قلوبٌ

بذكر اللهِ، والسبعِ المثاني

وفي رمضانَ كم غُفرتْ ذنوب 

تفتح فيه أبوابُ الجنانِ

وما أحْلَى ليالي الذكر فيه   

تبيتُ وأنت موصول الجنان

وتسبح في معارج من كمال 

وتتلو فيه من غُرر البيان

نعم رمضان هو ربيع القلوب والأرواح، ومعلم السلوك السوي الإنساني من تراحم وتكافل وتعاون وصلة الأرحام.

وللشاعر الصابوني - رحمه الله - ديوانين من الشعر عن رمضان:

الأول: تحية رمضان.

والثاني: في رحاب رمضان.

تضرع، ومناجاة :

ويرسل الشاعر الداعية زفرات التوبة والندم، ويطلب من ربه المغفرة، فيقول:

ربّاه إني غارقٌ بذنوبي   

وجميلُ عفوِك ِغايةُ المطلوب ِ !

عينايٓ غٓرقى بالدموع مخافةً

مِن هول يومٍ صاخب وعصيب !؟

ربّاه مالي حيلةٌ إلا الرّجا

في كشف ضُرّي وانجلاء كُروبي !

بكٓ أستغيثُ وأنت  أكرمُ راحم 

يامٓن يُفرّجُ  كربة ٓ المكروب !!

ياخير ٓمرجوّ وأكرمٓ سامع 

وملاذٓ مُضطر  وغٓوثٓ غريب !

ياعُدّتي في النائبات وعُمدتي 

في الحادثات وفي السقام طبيبي !

رباه إني في ظلام حالك

فأنِرْ إلهي في الحياة دروبي

قد جاءك الأبرارُ في حسٓناتهم

وأتيتُ  بابٓك مُثقٓلا ً بذنوبي !؟

فإذا دعوتُك كنتٓ أقربٓ سامعٍ

وإذا رجوتُك كنتٓ خير ٓ مُجيب ِ!

رثاء المجاهد العالم د. عبد الله عزام:

كتب الشاعر محمد ضياء الدين الصابوني عدة قصائد في الثناء على العلماء والأدباء الاسلاميين، وقد ألقى قصيدة في الثناء على الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وشبهه بأبي حنيفة في الفقه والعلم مما أبكى الشيخ رحمه الله.

كما ألقى قصائد أخرى في حفل تكريم الشيخ محمد علي الصابوني، وفي حفل الأديب محمد علي الهاشمي ...وغيرها.

وها هو يدبج قصيدة جميلة في رثاء الشيخ د. عبد الله عزام - رحمه الله - يقول فيها:

دعني أرق يا صاحبي عبراتي

أطفئ لهيب الحزن من زفراتي

دعني ولا تعذل فليس بنافع

عذلي وصبرا ان أطلت شكاتي

وبعد هذه المقدمة المخضلة بالدموع والعبرات حزنا على الشيخ الشهيد يعمد الشاعر الى تصوير فداحة الخطب والمصيبة التي نزلت، فقال:

خطب جليل قد ألم بأمتي

فغدوت معه دائم الحسرات

ويصور مكانة ومنزلة الشهيد عزام في نفوس المؤمنين فيقول:

لله درك من شجاع باسل

دوخت أهل الكفر بالأيات

لك في قلوب المؤمنين مكانة

من سيرة محمودة وصفات

وسمعت في الأردن أنة موجع

ولمست في الحرمين دمع ثقات

الشام تندب والحجاز جريحة

والقدس تنعي أكرم السادات

ثم راح الشاعر يعدد صفات الشهيد من شجاعة وتواضع وعلم وكرم، وبين مدى حزنه على رحيله، وأكد على منزلة الشيخ وأخلاقه وقدر حبه له بقوله:

أبكي الشمائل والشجاعة والنهى

أبكي التواضع في فناء الذات

أبكي العزيمة والمروءة والندى

ومكارم الأخلاق والحسنات

والتكرار ( أبكي) يدل على التوكيد والاصرار على حبه.. ويمضي الشاعر، فيقول:

قد كان عبد الله ليثا ثائرا

فكأنه الطود العظيم العاتي

قد كان عبد الله مشعل أمة

شهدت له الأعداء في الجبهات

وأشاد الشاعر  بجهاد عبد الله عزام في أفغانستان ودوره في الاغاثة، ودعم أسر المجاهدين، وفي توعيته للمجاهدين، وتأليف الكتب، واصدار المجلات مثل مجلة الجهاد، ولهيب المعركة ...وغيرها، فقال:

قد كان حقا أمة بجهاده

فقد لمسنا الصدق في الكلمات

قد كنت في الأفغان خير مجاهد

عرفوك في عزم وصدق ثبات

شهدت لك الأبطال في ساح الوغى

اذ كنت فارسها لدى الهجمات

وغدوت تعلي للجهاد صروحه

بأشد ما قاسيت من نكبات

وصور الشاعر أحزان المؤمنين لرحيل عزام، فقال:

ولقد فتقت جراحنا وأثرت من

أحزاننا، وبعثت من زفرات

يبكيك كل المؤمنين بحرقة

يبكون عزاما بكل صلاة

يبكون أزهارا ترقرق بالندى

ولدين كانا للربيع لدات

فهو يصور مقتل ولدي عزام معه، ويتمنى الشاعر لو أنه راه في مكة أو المدينة أو في عرفات، ولكن القدر لا يرد والموت لا يدفع، ثم حذر الشاعر محمد ضياء الصابوني قادة المجاهدين من النزاع والفرقة...فقال:

قد حل بينكم النزاع توزعت

تلك الجهود لفرقة وشتات

عودوا الى القرأن، واحموا دينكم

من كل تضليل وكيد سعاة

نم في أمان الله يا علم التقى

قد نلت حقا أرفع الدرجات

وللشاعر أشعار اسلامية كثيرة نأمل أن تتوفر بين أيدينا لنتوسع في الدراسة أكثر ...وهناك أشعار عديدة في فن الرثاء ولا سيما رثاء العلماء والدعاة سوف نعود اليها بالبحث والتنقيب ان كان في العمر بقية ان شاء الله.

- يتبع -

وسوم: العدد 943