عبدالله بن المقفع وكتاب كليلة ودمنة

مشرف قاسم

  يجدر بنا أن نذكر لمحة موجزة عن حياة عبدالله بن المقفع ، ونحن نبحث عما قيل في موضوع كتابه كليلة ودمنة ، فقد كان اسمه قبل إسلامه روزبه بن داذويه  . وتاريخ مولده على الأغلب عام ( 106 )ه والموافق لعم ( 724م ) وولد في ( جور ) في إيران لأبوين فارسيين . درس الفارسية وحضارتها ، وخالط الأعراب وتعلم اللغة والشعر ، فرقَّ لسانه وحسُنت ألفاظه ، وجمعه بين الثقافة العربية والفارسية أمكناه من الدخول في عالم الأدب والإبداع فيه . وكان ذكيا ، وفسَّر البلاغة تفسيرا يدل على ذكائه وسعة اطلاعه . ويعتبر من أوائل المترجمين إلى اللغة العربية ، وشهد له بذلك العديد من الأدباء ، يقول خليل مردم : (ما رزقت العربية كاتباً حبب الحكمة إلى النفوس كابن المقفع .. فإنه يعمد إلى الحكمة العالية فلا يزال يروضها بعذوبة ألفاظه ، ويستزلها بسلامة تراكيبه حتى يبرزها إلى الناس ، سهلة المأخذ ، بادية الصفحة ، فهو من هذه الناحية : أكتب الحكماء وأحكم الكتَّاب ) . كما أثنى عليه زكي مبارك : (وحقاً كان أمة في البلاغة ، ورصانة القول ، وشرف المعاني مع وضوح الغرض وسمو الأسلوب وهو أكبر كتاب عصره تأنقاً في صوغ الجمل ، وكان يقوم في النثر بما كان يقوم به زهير في الشعر ، وهو أحد الكتاب الذين لم يلتزموا السجع ) . كما أثنى عليه الكثيرون أمثال  محمد كرد ، وشوقي ضيف . أما بعض الباحثين فقد اخلفوا في أمر زندقته أو كفره ، وله العديد من المؤلفات :

 مؤلفاته : 

-الأدب الكبير 

-الأدب الصغير 

-أدب الكاتب

-كليلة ودمنة

-رسالة الصحابة 

ترجمته من الفهلوية إلى العربية 

* كتاب التاج في سيرة أنوشروان

* آئين نامه

*سير ملوك الفرس / من أهم الكتب التي ترجمها ولقد اندثر مع غيره من الآثار الفارسية

*تنسر نامه

المؤلفات والرسائل العلمية حول ابن المقفع : 

* (ابن المقفع الكاتب والمترجم والمصلح )  لأحمد علبي 

* (ابن المقفع صريع الفكر الحر ) لمحمد حمود.

* (تنوع الأداء البلاغي في أدب ابن المقفع(  رسالة ماجستير لنوير الثبيتي. 

وفاته : يختلف المؤرخون في قصة قتل ابن المقفع وإن كان كثيرو منهم يشير إلى أن المنصور أمر واليه على البصرة سفيان بن معاوية بقتل ابن المقفع بسبب كتاب كتبه ابن المقفع أغاظ المنصور.. وقد نفذ معاوية قتل ابن المقفع إذ كان يحمل في نفسه حقدا دفينا عليه .وكان ذلك في سنة : ( 142ه / 759م ) .

  وأما قصته مع ( كتاب كليلة ودمنة ) ، فقد أسهب الكتَّاب في هذا الموضوع  ، واختلفوا أيضا فيما زاد ابن المقفع على ترجمة الكتاب ، وهل غيَّر ذلك في أصل الكتاب ، أم أن أمر الترجمة مشكوك فيه أيضا ؟ يشير بعض الباحثين إلى أن ابن المقفع : (من المعلوم أنّ ابن المقفّع ترجم كتاب (كليلة ودمنة) من الفارسية الفهلوية، وكان تُرجم إليها من السنسكريتيّة، في زمن كسرى أنوشروان (531-579 م). وقد أشار ابن المقفّع إلى أنّ الكتاب ممّا وضعته علماء الهند من الأمثال والأحاديث، التي التمسوا بها أبلغ ما يجدون من القول، في النّحو، الذي أرادو . وقد عُثر على بعض حكايات الكتاب وأبوابه في (البنجاتنتراPanchtantra: أسفار الحكمة الخمسة، أو: الأبواب الخمسة)، وكذلك في (المهابهاراتا Mahabharata)؛ ملحمة الهند الكبرى، وغيرها من مؤلّفات الهند، وكأنما لا يعود الكتاب إلى أصلٍ واحد عندهم، ولعلّ قول ابن المقفّع بأنّ الكتاب (ممّا وضعته علماء الهند)، يوحي بذلك. وربمّا كان مستمدًا من أصول مختلفة، كان بعضها تراثًا شعبيًّا، ومُلكًا مُشاعًا في البصرة، بيئة ابن المقفّع، التي كانت تُسمّى أرض الهند؛ لحضور التراث الهندي المعرفي فيها، ولكثرة مَنْ فيها منهم. وقد يكون ابن المقفّع قرأ حكايات كتابه، أو رُويت له شِفاهًا، في ميْعَة شبابه، ورَيْعَان صباه، ثم دوّنها قصصيًّا على هذا النّحو البديع ) .‏ ويمكن تدوين بعض الأقوال المنقولة من كتابات الباحثين لتعطي ضوءًا على حقيقة الأمر ومنها :

إنَّ ابن المقفّع يريد بقوله: (وهو ممّا وضعته علماء الهند) أن يشير إلى مصادره المعتمدة في الكتاب؛ حرصًا منه على الرواية الموثوق بها، فضلاً عن رغبته في رَوَاج الكتاب، وإضفاء قيمة عليه، حين ينسبه إلى حكماء الهند؛ لمِا لهم في النفوس من جليل المنزلة، وعظيم الشّان.‏

إنَّ بعض أبواب (كليلة ودمنة) هنديّ الأصل، وبعضها الآخر من عمل الفرس، وما تبقّى من عمل ابن المقفّع وصنعته. وربما أضيفت إليها قصص أنشأها اللاحقون. ولا ينبغي لنا أن نفهم أنّ ترجمة ابن المقفّع، كانت حرفية؛ بل كانت تتلاءم مع روح اللغة المترجم إليها، وهي إلى التأليف أقرب منها إلى الترجمة، إذ تصرّف فيها تصرّفًا واسعًا، يبدو لنا جليًّا من خلال الرّوح الإسلامي، المتمثّل في مواضع كثيرة من الكتاب، فضلاً عن التحوير الذي أضفاه على أفكار الكتاب ومعانيه، لتوافق الذوق العربي، وتتفق والسياق الاجتماعي والتاريخي الإسلامي، الذي تمَّ إبداع النص في إطاره ) .‏

إنَّ الكتاب لا يختلف في فكره السّياسيّ الإصلاحيّ، عمّا كتب ابن المقفّع، من خلال استقراء مؤلفاته الأخرى. والحقّ أنّ ابن المقفّع كان كما يقول د.محمد عابد الجابري : (أوّل مَن دشّن القول في (الأيديولوجيا السلطانية) في الثقافة العربية الإسلامية، وقد انصرف باهتمامه إلى الكتابة السياسية، كما كانت في ذلك العهد (الأخلاق والآداب السلطانية)، فترجم فيها عن الفارسية، وأنشأ كتبًا من تأليفه الخاص ) . أضف إلى ذلك كلّه، أنّ المقدّمة المعروفة ب (عرض الكتاب أو غَرضه)، التي كتبها ابن المقفّع، وذكر أنّه وضع هذا الباب المقدّمة: (لمن أراد قراءته، وفهمه، والاقتباس منه)، لا تختلف في أسلوبها عن الأبواب الأخرى، من حيث تداخل الحكايات وطريقة سردها.‏ وقد أشار ابن المقفّع غير ما مرّة، في باب (عرض الكتاب)، إلى غايات الكتاب ومقاصده الخفية، التي ألحّ على قارئ الكتاب أن يتدبّرها ويعرف حقيقتها؛ ليدخل إلى عالمها الحقيقي، ويفهم ما يريده المبدع. وممّا قاله في هذا الشأن: (ينبغي لمن قرأ هذا الكتاب أن يعرف الوجوه، التي وُضعت له، وإلى أيّ غاية جرى مؤلّفه فيه، عندما نسبه إلى البهائم، وأضافه إلى غير مُفصح، وغير ذلك من الأوضاع التي جعلها أمثالاً؛ فإنّ قارئه متى لم يفعل ذلك، لم يدرِ ما أريد بتلك المعاني، ولا أيّ ثمرة يَجتني منها، ولا أي نتيجة تحصل له من مقدّمات ما تضمّنه هذا الكتاب) .

وخلاصة القول يبقى عبدالله بن المقفع أحد أهم رواد الفكر والترجمة ، فقد أدخل إلى العربية حكايات هندية أضاف عليها ، وربما أعاد صياغة أفكارها لإدخال بعض الأفكار الجديدة ، وهذا يدفع القارئ إلى تقصي الحقائق والبحث عن مواطن الإبداع ، ونختم هذا البيان فيما علمناه عن ابن المقفع بما كتبه آخرون : ( كتاب كليلة ودمنة هو كتاب حكايات قصيرة على ألسنة الحيوانات و الطير ذات مغزىً إرشادي. و الكتاب بمجمله منقول عن الفارسية, و كان قد نقل إليها عن الهندية, و قد ترجمه إلى العربية عبد الله ابن المقفع. و هي قصة عن ملك هندي يدعى ديشليم طلب من حكيمه بيدبا أن يؤلف له خلاصة الحكمة بأسلوبٍ مسلٍ . معظم شخصيات قصص كليلة و دمنة عبارة عن حيوانات برية ، فالأسد هو الملك و خادمه ثور اسمه شترية و كليلة ودمنة هما اثنان من حيوانات ابن آوى ، و شخصيات أخرى عديدة هكذا تدور القصص بالكامل ضمن الغابة و على ألسنة هذه الحيوانات . وقد ضم الكتاب تعاليم أخلاقية موجهة إلى رجال الحكم و أفراد المجتمع. و قد اعتمد ابن المقفع أسلوب السهل الممتنع في كتابه ، و انبنى الكتاب على حكايات اتخذ فيها الحيوان بديلا عن الإنسان و دليلا عليه ، فقامت على الإيحاء بأسلوب رمزي مبطن بحيث لا يثير غضب الحاكم المستبد . و قد ترجم الكتاب إلى عدة لغات , و هو يدرس حتى اليوم في كثير من جامعات العالم ).