تعريات المستهل في قصائد مشرفة على السهل

د. صدام فهد الأسدي

تعريات المستهل في قصائد مشرفة على السهل

دراسة نقدية في الأعمال الكاملة للشاعر السوري صقر عليشي

د. صدام فهد الأسدي

[email protected]

الشعر لا يأتي وأنت على انتظار-من هذه الابراقة الشعرية ابدأ مع الديوان الأول للشاعر صقر عليشي(قصائد مشرفة على السهل) الذي يسلط نغمات الروح ويتخذ من القلب طريقا ويرصف ذاته يتبع شاعرين مشهورين هما عمر بن أبي ربيعة ونزار قباني وقد وجدت شعرا فائضا بالرؤى وقد وقعت تلك الأعمال بيدي صدفة من مكرمة صديق بصري هو الشاعر احمد العاشورالذي حملني أمانة الدراسة النقدية وقد درست المجموعة الاولى المكونة من عشر قصائد ,وأقولها بصراحة قد نهمت في قرائتها حتى وأنا في الطريق وبعجالة أعطاني الشاعر نفسه ولا تنس تجربتي النقدية التي بلورت مسارات النبش في الجامعة أكاديميا ولااريد التقديم الممل فدعني أعطيك مفتاح التعري واعنيه كشف المضمون من المستهل أي ان القصيدة تقول لك في عنوانها ومستهلها ما تريد ونحن نعلم ان الشعر إيحاء وزوايا مغلقة لابد ان يشرك المتلقي بقراءة همه والبحث عن ديمومة قصده ولذا جاءت المجموعة الشعرية الأولى لصقر مشحونة بالتعري والاخفاء حينا ودعني اثبت ذلك مع قناعتي بان الأدب وجهات نظر تصيب وتجانب الصواب-والتعري يكشف في الطبيعة الخارجية كتعري الصخور عن فعل متجدد فكما قالوا يزيح التعري النقاب كل مرة عن طبيعة مدهشة واجد صقرا مولعا برسومات تعريه تكمن سياقاتها في اغواءات لذة بصرية وانبهارات بكشف الجسد كارتفاع النهود وآلا النهد واحد لماذا يصر على دالة الارتفاع واقول بقناعة تامة -والنقد التطبيقي لا يترك سرا- كما نعلم ان تجربته الشعرية تخض الذات خضا داخل نسيج يتسامى فيها المهيمن الصوتي اولا وأخرى تناسقات دلالية تمسك بالوجع الانساني والشعور الصامت خوفا من البوح واراها توجعات ذاتية تطلب المستحيل حينا وتقترح الامل غير المنشود حينا مع غياب العنصر الدرامي واكتمال المشهد الشعري بكل تفاصيله الحسية واللونية ولا تنس ان الحداثة الشعرية ثرية بالاقنعة والمرايا والدراما والسردية والومضة وتجد صقرا منوعا في انفعالات تدخل البيت من نوافذه مرة وأخرى تكسر الجدار فيثور على ربقة التقاليد البالية ويفترش الحرية الذاتية صارخا على المجتمع ويرى الزمن تنينا يقتات أفراحه ويحفر في وجهه الجميل أخاديد القهر قسرا

ولكن باختصار فشعر صقر شعر مبطن مولع بالمرأة والتوصيف الجسدي سيرا على خطى نزار فبقدر ما وصف نزار النهد بالغ صقر بل مات هياما في النهد بوصف حسي لاذبول في الدلالة وانحناء تحت استار البوح فما قولك في رصف السياقات النهدية في أقواله:

حيث كل شيء مرتفع الروابي والنهود (17)

 وتطلق الفتيات بنهود مرتجة (26)

(اذا كانت لديكم جبال مرتفعة واشجار عالية جدا ونهود شامخة جدا)49 (هل استطاع نيوتن اكتشاف الجاذبية التي تشد النهود نحو الاعلى)67

فماذا ثأر له نزار قبله قال وكم نهد انا أيدت ثورتهوقوله ( واقتحم النهد واسواره) واطلق نزار عليها رافعة النهد وقال سمراء صبي نهدك الاسمر في دنيا فمي ولو تفحصت مسيرة نزار في أعماله لوجدت فيضا من القصائد

ونسرح الآن في خيالات صقر راجعين الى سياقات تعرياته,والتي أجدها مهيمنة في بنى لا واعية تخض الذات خضا,وليست الصورة غريبة على احد فالروابي المرتفعة وشبه النهود بها دلالة مكانية واضحة وفي قوله جبال مرتفعة مثلها ووصف الشموخ المعنوي دلالة للنهود وكم جاء عتبه وتساؤله ملفتا النظر الى نيوتن الذي تناسى ارتفاع النهود في جاذبيته الم اقل لكم أن صقرا السوري خليفة نزار يتساءل بحيرة عن منظور قلبي وليس عقلي فباتت الإشارة العقلية غائبة عن تفرعات النهد ولو قرانا الأعمال كاملة لوجدنا النهود تأخذ حصة الأسد في شاعريته وماذا يوحي ذلك يكشف لنا ولع صقر ورومانسيته المفرطة في تداعيات المرأة وأسرار جمالها فلا يريد ان يرحل عن صورة الجسد الحسي فقال ما يشغله بعفوية وصراحة وأنا لا اعرف الشاعر بل أقرا فنه الشعري  .

ولو رجعنا الى التعري واستللنا من موائده الذهبية عنوانان القصائد لكشفنا ذلك واضحا انظر العناوين(شرفة7يتالق فيها صقر في شاعرية خصبة حين يقول(والروح خيم فوق خضر هضابها الق انكسار) 8 هذا شعر رائع قياسا الى ماذكرنا في وصف حسي للمنظور وفي قوله (في لحم الاشياء ام قضمت تفاحة قلبك اسنان الماء 2413 هذا صورة رائعة لو شغل صقر نفسه بخلق غيرها احلى من المباشرة المتعرية كقوله في قصيدة حيث كل شيء مرتفع التي جاءت منهكة البناء متخلخلة الرؤى خاصة في استعارته (حتى تمزقت جوارب المنعطفات)17 نحن لانرفض الاستعارة لكن ليس بهذه الصورة الممجة الجوارب ليس من شغل الشاعر صاحب الخيال الواسع ومثلها صورته (وأنا اشد شهوة لقضم الخبز وآذان الفتيات 21 فما قول صقر في هذه الصورة كيف تنازل من نهد مرتفع شامخ الى قضم اذن الحبيبة التي دار عاشقا على خيمتها البعيدة فمن نهود مرتجة وشامخة الى قضم اذن هذا غياب في نمذجة الحس الشعري والبناء المتماسك ولا ادري كيف يفسر لنا قوله (وهناك تجلس الريح على صخرة مرتفعة لتدخن سيكارا طويلا929 ولو عقلنا المجاز فكيف يصور السيكارة بالطول هذا غلو ليس مقبولا حتى وان غزت الحداثة أفكارنا بالمقلوبات ولم اسمع في حياتي وانا مختص بالأدب الحديث شاعرا قال(ان اذبح لك ثورا كاملا من النبيذ30 فمهما حاول صقر ان ينقل مجازه فقد اتلف دلالة الفكرة ولو قال بحرا من النبيذ لكانت أجمل تضخيما وأدق عقلانية ولكن ثورا لا تتناسب أبدا في تشكيل صورته وهو يريد الغلو في ولادة مجيء القصيدة فالنذر لها ثور كامل من النبيذ ولو قال بحرا لقبلنا منه الصورة وفي نوافذ تتعرى الفكرة عندما يخاطب نهر العاصي في مستهلها مع الغلو في نقل الصورة كقوله(تتوتر عضلات الباب37 والريح تريد مزيدا من المصارعة وفي قصيدة مؤهلات للعمل في وظيفة تتعرى القصيدة في مستهلها دون جهد فكر في قوله(اذا كانت لديكم نساء فانا قادر على العشق 47 فاية صعوبة للمتلقي من هذا القول وهو يباشرك بعمرية عمر وبحثه عن النساء في القصيدة نفسها( اذا كانت عندكم بنت جيران تنام على السطح أستطيع التسلل الى فراشها والالتصاق بجسدها)اما قلت لكم نزارية صقر الباحثة عن النساء فوق السطوح والأكيد قوله(اذا كانت لديكم نهود شامخة جدا فانا ماهر جدا في التسلق) هكذا تتعرى القصيدة عند صقر وتكشف عن حاجته الجنسية وبالمناسبة أقولها صريحا بعض النساء تفرح بل ترتاح لهذا الشعر ولكن ثمة صور رائعة تستحق التوقف عندها لخلقها الشعري (والماء بأي شيء يغسل وجهه صورة دالة على فكر وفلسفة لابد من جواب وقوله(تلك الصخرة لماذا تتجمع على نفسها على من تريد ان تنقض 9 هذا شعر خلاق وصورة رائعة لا تتساوى مع السابقات وكم وقفت حاذفا هذه الصور(هل يعرف هذا العاشق أن نهدي حبيبته هما أعلى قمتين في جبال العالم ونحن نعرف اعلى قمتين في العالم وقد نورنا صقر بذلك وما نفع كبرهما مثلا ولا ادري كيف استساغ صقر في ذائقته الشعرية وهو رومانسي حالم(هل القانون كعكة حتى يقضمها الشرطي مبتلة بالشاي))قول بسيط لاشعر فيه ولا اعرف ما مشكلة صقر مع القضم مرة للآذان من النساء ومرة للكعك ولاننكر عنده صورة القدحة الشعرية (أوه هل تعرف يا صديقي كم هي بيضاء خطيبة الثلج97  وان أراد النقاء لكن عليه أن يبتعد عن الغلو والتشبيه الساذج ولا ادري كيف مرت كلمة السطوح وجمعها اسطح وهي جمع قلة كما نعرف سهم اسهم وسهم سهام كثرة كيف جاءت وتكررت في قوله كيف تسطيع اسطحة المنازل71وقوله (من احدى الجبهات فان اسطحة المنازل)80 ولابد من الاشارة الى المشهد الذي اهتم به صقر كثيرا كقوله(عندما تولد قصيدة وتخرج الى الشارع جارة بريقها الف امراة بيضاء تقوم بفتح النوافذ25 انه يصر على اللون الابيض دلالة الطهر والنقاءالذي ضيعه حتما في صراع المدن وزحامها الدائمين لهذا جاءت وسائل المراة مذكورة مثل احمر الشفاه(وتغسل الشمس وجهها باكرا وتضع احمر الشفاه26 اننا نعلم الاستعارة للحبيبة الشمس وقو اخذ من لوازمه المراة فحتى القمر المذكر له مخدع عشيقة (يغادر القمر مخدع عشيقته ويتجه راكضا)28 انه عمر بن ابي ربيعة الهاجم المعشوق الذي يصور ذاته باحثا عن الشرفة التي باتت مهيمنته دائما .

مع هذه الاضاءات اتوقف وسوف اقترب من مجموعته الثانيةالاسرار واقول انه شاعر شفاف اعجبني شعره لولا تلك الهنات مع الاعتزاز والمحبة للشاعر السوري صقر عليشي-الدكتور صدام فهد الاسدي البصرة العراق .