شجون حول الأناشيد الوطنية

ما يزال نشيد (موطني) الذي كتبه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ولحّنه اللبنانيان الأخوان محمد وأحمد فليفل أفضل الأناشيد الوطنية برأيي وهو يصلح أن يكون نشيداً وطنياً لكل البلاد العربية لأن كلماته لا تتعرض لخصوصية معينة لبلد عربي معين وقد اعتمده العراقيون نشيداً وطنياً بعد الاحتلال الأمريكي للعراق .

والنشيد الليبي القديم والذي أعيد اعتماده نشيداً وطنياً للبلاد بعد ثورة 17 فبراير نشيد جميل غنيّ في تنوع مقاطعه ، وقد اضطر الليبيون إلى تغيير طفيف فيه فأصبحت عبارة "حيِّ إدريس سليل الفاتحين" "حيّ المختار أمير الفاتحين" ما أدى إلى خلل واضح في الوزن لا يليق أن يكون في نشيد وطني ولا أدري كيف مر ذلك على أصحاب الشأن في ليبيا.

وهذا النشيد لا يقل جمالاً عن النشيد السابق (نشيد الله أكبر) ذائع الصيت في البلاد العربية فهو نشيد جميل ولكنه مفرط في الحماسة وهو إلى كونه نشيداً من أناشيد المعركة أقرب من كونه نشيداً وطنياً.

ومن الأناشيد الوطنية الجميلة النشيد الوطني لدولة قطر وأذكر أنني سمعته أول مرة قبل مدة طويلة أثناء استعراض المنتخب القطري لكرة القدم قبل المباراة في إحدى البطولات الخليجية فشدني لحنه وعلق في ذهني بعض كلماته السلسة والعميقة التي كان يرددها اللاعبون بإتقان واضح ثم بحثت عنه بعد ذلك وقرأته كاملاً

ومنه هذا المقطع: 

قسماً بمن رفع السماءْ

قسماً بمن نشر الضياءْ

قطرٌ ستبقى حرّةً 

تزهو بروح الأوفياءْ

والنشيد الوطني لبلدي سوريا من الأناشيد الوطنية الجميلة أيضاً وهو من تأليف الشاعر السوري خليل مردم بك وألحان الأخوين فليفل ولكنّه أصبح مكروهاً عند بعض السوريين بعد الثورة مع أنه نشيد الاستقلال ولكن السوريين كرهوه لأن أول عبارة فيه هي (حماة الديار عليكم سلام) وقد رأى السوريون والعالم أجمع ما فعله (حماة الديار) بالشعب السوري من قتل ومجازر وسلب ونهب، وهم يفكرون جدياً باستبداله ولكنني لست متفائلاً في أمر إبداع نشيد وطني جديد يضاهيه خصوصاً مع كون المبدعين المنتمين للثورة السورية من الشعراء والملحنين ليسوا على مستوى خليل مردم والأخوين فليفل.

وكنت أقول إن نشيد (في سبيل المجد) هو الأَولى بكونه نشيد سوريا الوطني وهو نشيد جميل من عهد الاستقلال من تأليف شاعر عظيم هو عمر أبو ريشة ومن ألحان عبقريّي النشيد الوطني الأخوين فليفل وهو برأيي أجمل لحناً ومعانيه أكثر عمقاً من نشيد (حماة الديار) بل أكاد أجزم أنني لم أستمع إلى لحن وطني بمستواه

ومنه:

هذه أوطاننا مثوى الجدود الأكرمينْ

وسماها مهبطٌ الإلهام والوحي الأمينْ

ورباها جنّة فتّانة للنّاظرينْ

كلّ شبر من ثراها دونَه حبل الوريد.

وكنت أسمعه من الإذاعة المدرسية في باحة المدرسة أثناء المرحلة الابتدائية أيام الزخم الوطني والقومي الزائف ولكننا على أي حال عشنا ذلك الزخم بحلوه ومرّه.

وهو برأيي نشيد نموذجي لولا هذه العبارة "كلنا ذو همّة شمّاء جبارٌ عنيدْ" وقد ذم الله تعالى في كتابه "كل جبار عنيد" وإن كان الشاعر يرمي في كلامه إلى غاية أخرى.

وقد بدأت بالفعل تبرز أصوات تنادي باعتماده نشيداً وطنياً لسوريا بعد الثورة.

وعلى ذكر الأناشيد الوطنية لا بد من ذكر النشيد الوطني اللبناني (كلنا للوطن) الذي أثيرت ضجة كبيرة حول احتمال كونه مسروقاً ، وقد أثار هذا الموضوع الملحن اللبناني غسان الرحباني الذي اكتشف الأمر بالمصادفة "عندما أخبره صديقه فؤاد خوري أنه أثناء مشاهدة فيلم وثائقي عن الثائر المغربي مهدي بن بركة سمع لحن النشيد اللبناني، لكن بكلام مختلف" ، ولم يكن التشابه في اللحن وحسب بل يظهر التشابه في الكلمات وتتالي مقاطع النشيدين أيضاً.

وقد استمعتُ إلى النشيدين وظهر لي أن احتمال توارد الخواطر في اللحنين مستحيل وأن النشيد اللبناني مسروق فعلاً من نشيد جمهورية الريف خاصةً إن علمنا أن النشيد اللبناني وضع سنة 1927 وأن جمهورية الريف أسست عام 1921 وحُلّت عام 1926 وأن نشيدها وضع عام 1924 

وربما كان حلّ جمهورية الريف وبعد المسافة بين المغرب ولبنان واستحالة اكتشاف الأمر في تلك الفترة حيث انتشار الأخبار والتواصل بين الشعوب لم يكن كحاله اليوم هو الذي أغرى المؤلف رشيد نخلة والملحن وديع صبرا بـ "السطو" على النشيد بهذه الطريقة المكشوفة.

ولكنّ مديرية التوجيه المعنوي في الجيش اللبناني ردّت على غسان الرحباني عندما أثار الموضوع ببيان فيه تهرّب واضح من الحقيقة.

وكنت أتمنّى لو أن نشيد "بلادي بلادي منار الهدى" كان هو النشيد الوطني للمملكة العربية السعودية فهو بلا شك أجمل من النشيد الوطني الحالي وأبلغ تعبيراً وأعذب لحناً

وهو نشيد محفوظ ذائع الصيت بين سكان المملكة وفيه مقطع بليغ جمع كل ما في المملكة من خير:

بمكة صرحُ الهُدى عُمّرا .... ليبقى المزار المنيعَ الذُّرى

أعز بهِ الله أمّ القرى .... وطيبة حيث يضمُ الثرى

رسولَ السلام لكل الورى .... يُرى كلُّ شيء بها أخضرا

ونجدُ عرين أسود الشرى .... ستبقى لمجد العُلا منبرا

أختم كلامي بالحديث عن النشيد المصري "بلادي بلادي" الذي لا أملك حياله إلا أن أستغرب كيف أن أكبر دولة عربية تستخدم نشيداً وطنياً أقرب إلى العامية وفيه مَواطنُ يظهر فيها الخلل العروضي والنحوي واضحاً ، خاصةً إن قارنّا هذا النشيد بالنشيد الوطني القديم لمصر (اسلمي يا مصر) والذي ارتبط باسم شاعر عظيم هو إمام العربية في عصره "مصطفى صادق الرافعي" فأين الثرى من الثريا !!

كان كلامي أدبياً فنّياً بحتاً ولم أتطرق إلى السياسة إلا فيما يخص نشيد بلدي سوريا

ولكل أخ عربي سيقرأ كلامي كل التحية مع الدعاء بحفظ بلاده وازدهارها.

وسوم: 640