اللغة العامية وإشكالية الهوية

يسري الغول

[email protected]

أرسلت زميلتي رابطاً الكترونياً لي حول كيفية كتابة الشعر باللغة العامية، حيث يتحدث ذلك الشاب عن كتابة الشعر في دقائق قليلة دون الحاجة إلى لغة أو ثقافة كبيرة، فتوقفت عند ذلك الشريط، ورجعت إلى لقاء سابق شاهدته عن اللغة العامية وتأثيرها على مستوى أداء الأطفال وحياتهم في الوطن العربي فكدت أبكي على حال الأمة التي كانت يوماً خير الأمم. فقد ذكرت تلك السيدة التي عملت في الأمم المتحدة لردح من الزمن بأن الطفل في أوروبا حين يدخل المدرسة ويكون عمره ثلاث سنوات فقط، فإنه يمتلك أكثر من ستة عشر ألف كلمة، في حين أن الطفل العربي وبسبب اللغة العامية لا يحصل سوى على ثلاثة آلاف كلمة. وهنا وجب أن نتوقف ونسأل: الإبداع إلى أين؟ اللغة العربية إلى أين؟ وهل ستصير العامية منهاجاً يوازي اللغة الفصحى وستحصل على أسماء جديدة كالزجل والشعر النبطي وغير ذلك؟ هل سنشهد أدباً عامياً من قصص وروايات وغيرها؟ وما الدافع وراء ذلك؟

للأسف، فاللغة العامية بعيدة عن الإبداع والتخيل والتطور والنضج رغم كل ما يروج لها عبر الإعلام اليوم، يقود تلك الحملات جهات مشبوهة تريد لهذه الأمة الانزواء والتفتت والتشرذم. ولقد كانت الأمة يوماً تقود العالم حين كان أبناؤها يتعلمون في الكتاتيب لغة الضاد ولغة القرآن لتصير ألسنتهم تنطق بعشرات آلاف من الكلمات المتنوعة والجديدة والمميزة، ثم يتمون بعد ذلك ألفية ابن مالك التي أجملت النحو العربي وهم لم يبلغوا السبع سنوات، فيصبح بذلك الطفل مرجع للغة العربية رغم نعومة أظفاره. بعكس ما يحدث اليوم. فقد صار المنزل والحي والمدينة عامل هدم في ثقافة الطفل، لأن المجتمع يمارس العامية ويتجاهل التحدث باللغة التي سنعبر بها إلى الجنة.

ولو نظرنا جيداً لاكتشفنا بأن اللغة الفصيحة تجمع العالم العربي والإسلامي كله تحت غطائها، في حين أن اللغة العامية متنوعة ومتغيرة وملتبسة على الجميع بما فيهم أهل البلاد ذاتها، فهناك لهجة عامية محلية (dialect) وهناك لهجة عامية بين الدول (accent). حتى صار الفرد في المجتمع يقول هذا من مدينة كذا أو مخيم كذا لأنه يتحدث بهذه اللهجة أو تلك. وقد لا يفهم ابن ذات البلاد ما يقصده رفيقه في العمل. فماذا عن اللهجات بين الدول؟ ولو نظرنا إلى منطقة المغرب العربي التي تفرنست لغتها حتى أضحت غريبة عن عالمنا، لأدركنا كيف صرنا في هذا العالم. فقد نجحوا في سياسة (فرق تسد) ليس بصناعة الأحزاب وحدها، بل بتفتيت البلاد من خلال تطعيم اللغة بالعامية والمصطلحات المتأنجلزة أو المتفرنسة أو المتأطلنة لتصير اللغة العربية هجين موبوء بحاجة لإعادة صياغته.

وعليه، فعلينا جميعاً، أن نعمل على إعادة الروح للغة العربية من خلال ممارسة الفصحى في المنزل والحي لتصير اللغة العامة للشعب والأمة.