كلمة رثاء في الأخ عدنان سعد الدين أبو عامر، ألقيت على قبره

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

إنا لله وإنا إليه راجعون.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا تبارك وتعالى..

قال تعالى:(كل نفسٍ ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) (185). صدق الله، هذه هي الدنيا دار ممر للعابرين، وليست لأحد بدار مقر.. دارُ فناءٍ ولا بقاء، فيها إلا لله.. الواحد الأحد.. الحي الذي لا يموت..

سبحان الله.. هكذا يذهب أبو عامر رحمه الله إلى رحمة ربه.. يقدم بين يديه رجاءً واسعاً وديناً صادقاً، وخشية وإنابة.. كم كان رحمه الله يذكر هذا اليوم ... ويذكّر به إخوانه الذين حوله.. وكم كان يرجو ألا يقف أمام ربه وعليه مظلمةٌ لأحد أو حق لفرد من الناس، فقد كان شديد المحاسبة لنفسه، حريصاً على دينه، مشفقاً من لقاء ربه.. وهذا عزاؤنا فيك أيها الأخ الحبيب، ورجاؤنا إلى الله سبحانه أن يقبل دعاءنا لك، وأن يعوض الأمة عنك خير العوض...

لكن فقد الأحبة يصدع القلب، ويدمي الفؤاد، ويملأ النفس أسى وحسرة.. وأبو عامر من هؤلاء الأحبة الأبرار الذين تُجرح لفقدهم القلوب وتجزع لغيابهم النفوس، وتدمع عليهم العيون.. بل إن أبا عامر ممن نفقدهم هذه الأيام ونحن بأمس الحاجة إليهم، وبخاصة ونحن نواجه الخطوب المدلهمة، والظُلَم الحالكة التي تزلزل العزائم حتى تتغير المفاهيم، وتنحرف الثوابت، وتتميع المواقف، ويصبح عناق الأعداء كلقاء الأصدقاء.. لأن التنازل الرخيص أصبح في رأي بعضهم وجهة نظر، والارتماء في الأحضان المجرمة مرونة وذكاء، والاستخذاء المهين سياسة ودهاء..

تفقدك يا أبا عامر اليوم المجالس الإخوانية، وتبكي عليك المحافل الدعوية، وتأسى لغيابك منابر الرأي والحسم والتوجيه..

ولك عند الله ما أعد للصابرين المجاهدين من الأجر.. يوم بقيت ثابتاً بين إخوانك حتى الرمق الأخير، تريد أن تساعد في الحل، وأن تجبر الكسر، وأن تقدم النصح، وأن تدفع الركب إلى الأجدى والأصلح والأرشد.. وعلى الرغم من شدة المرض وقسوته أبيت إلا أن تحضر آخر عمل في ميدان دعوتك معرضاً عن كل المحبين، مخالفاً كل المشفقين في ثنيك عن عزيمة المشاركة إلى رخصة الراحة والنقاهة التي كنت بأمس الحاجة إليها.. قائلاً: إذا كتب الله عليّ قدره.. فأرجو أن أنال جوار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أيوب الأنصاري.. رحمك الله يا أبا عامر.. فلقد كانت الخاتمة وشيكة مما طلبت.. فعسى الله أن ينيلك الأجر والقرب والجوار مما ابتغيت..

لقد كان الفقيد الراحل رجلاً فذاً قلّ أن تحظى الدعوات بمثله في العاملين.. كان رحمه الله ذلك المؤمن الذي امتلأ قلبه بيقين راسخ بدعوته، وثبات متين على مبادئه، وعزم في العمل والدأب والنشاط.. حتى كانت سيرته نبراساً لأصحاب الرسالة، ومسيرته مشعلاً لحملة الدعوة.. إيمان في ثبات وعزيمة على رشد، ووعي بمنطق سديد ورؤيا بوضوح بلا جمجمة ولا التباس..

لم تغير في لهجته النكبات، ولم تصدع في بنيانه الحادثات، ينظر إلى المستقبل بأمل وهو يعاني المرض المزمن، والألم الممض، وعلى الرغم من طول الغربة وتوحش العدو.. كان يبشر بالنصر القريب، وأنه على يقين ثابت بأن الله ناصر دعوته، ومعز جنده، وأن مستقبل هذه المحن إلى خير وفلاح، وعزة ونجاح.. فإما حياة تسر الصديق.. وإما ممات يغيظ العدا..

كان كلما تقدم به العمر، أو تحالفت عليه الظروف، أو ادلهمت بوجهه الخطوب.. شدت من عزيمته وزادت من إصراره، ومدت في عطائه، فما غاب حتى قدم لهذه الدعوة درة مؤلفاته عن جهاد الجماعة في سوريا في خمسة مجلدات ناجزة.. ترك السادس منها أوراقاً مبعثرة لم يمهله الأجل أن يضمه إلى مجموعته التي أثرت مكتبة الجهاد السوري عبر نصف قرن من الزمان..

رحمك الله أبا عامر.. كنت صادق اللهجة، عالي الهمة، كثير المروءات، موفياً العهد، باراً بالوعد، سديد الرأي، كيساً فطناً حلو الحديث.. حريصاً على لم الشمل وجمع الكلمة.. ومنذ أن عرفناك قبل أربعين سنة، ما عرفنا فيك إلا ذلك الجندي المخلص، والمقدام الذي يحقق لإخوانه ولدعوته النجاح في العمل والخير للناس ...

جزاك الله عنا كل خير.. ورحمك الله في الصالحين.. وعوض الدعوة والدعاة خير العوض.. وإلى جنان الخلد يا أبا عامر.. سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وسوم: العدد 850