الدكتور محمد ضاري: قامة علمية أخرى تودِّعها بغداد

بدايةً أعتذر منكم أستاذي الفاضل/ د. محمد ضاري حمّادي العيثاوي؛ لتأخري في رثائك، نظرًا لتأخر علمي بنبأ وفاتك، وهذا قصور أرجو أن أجد لدى روحكم الطاهرة العذر والسموحة.

إنّه الأستاذ في قسم اللغة - كليّة الآداب/ جامعة بغداد: عضوًا ورئيسًا، ثم رئيسًا للمجمع العلميّ العراقيّ، الذي وافاه الأجل في بغداد، يوم الاثنين: 15/ 7/ 2019.

لقد كان رحمه من ثلّة الأساتذة الجادّين الصامتين الهادئين في هذا القسم العتيد، الذي كان لي شرف الانتظام فيه في مرحلتي البكالوريوس، من:1984- 1988، و الماجستير، من 1991- 1993، فكنت أراه أستاذًا يشدّني هدؤه وتواضعه وطيبة قلبه وحسن خلقه، وأنّه أستاذ يشار له بالبنان في الدراسات المعجمية على وجه الخصوص.

لقد كان له العديد من البحوث والدراسات في اللّغة والنّحو والدّراسات اللّغوية ذات الصلة بالقرآن الكريم والحديث الشّريف، من أبرزها:

  • الحديث النبويّ الشريف وأثره في الدراسات النحويّة واللغوية.
  • حركة التّصحيح اللّغويّ في العصر الحديث.
  • النّحت في العربيّة واستخدامه في المصطلحات العلميّة .

هذا فضلاً على إشرافه على عشرات الرّسائل الجامعيّة في مرحلتي الماجستير والدكتوراة.

لن أطيل في سرد ما هو معروف عنه من الخصال والشمائل، وتبحره في علوم العربية؛ ما أهله حتى يكون رئيسًا للمجمع العلمي العراقي، الذي يعدّ صرحًا في خدمة العربية، يندّ على كثير من العلماء أن يمتطي ظهره.

غير أنّي سأحكي عنه هذا الموقف الذي حكاه لي، ذات يوم وأنا في مرحلة الماجستير، سنة 1992، وأنا أقلّه إلى بيته في حي العامرية، يقول رحمه الله:

عندما تخرّجت في الثانوية العامة/ الفرع العلمي، قبلت في كلية الطب/ جامعة بغداد، فرجاني والدي، رحمه الله، وكان رجلاً معيلًا، لم يؤت سعة من المال، أن أنتظم في كلية مُلتزَمة ( أي أن التوظيف بعد التخرج فيها مضمون)، ويصرف للطالب فيها معونة شهرية؛ فكان ما أراد، برًّا به وإعانة له على شظف الحياة.

فوقع الاختيار على قسم اللغة العربية – كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية، وأنا لا أعرف ما يدرّس فيه، ولم يكن يخطر ببالي ذات يوم أن أكون في غير كلية الطب، التي هي حلم الشباب في بلدان الشرق، ولاسيّما من الفقراء ومحدودي الدخل، فضلاً على الموسرين.

انتظمت في صفوفها، وكان التحدّي، إمّا أن أنجح وأثبت تفوّقي، أو أفشل ويزداد الهمّ همًّا والغمّ غمًّا فوق رأس أبي، ثم التحقت في جامعة بغداد حتى نلت شهادة الدكتوراة.

حبستُ نفسي، وأطرتُها على الجدّ والاجتهاد، والاطلاع والمذاكرة في مناهج الدراسة، والتزود بالمزيد من علوم العربية، فحزت على الدرجات العلى، وتخرّجت في القسم في الترتيب الأول.

ثمّ عيّنت معيدًا فيه، وتدرّجت إلى أن أصبحت مدّرسًا، ثم مضيت في التدرّج العلميّ حتى أصبحت أستاذًا في العلوم اللغوية، في قسم لم يكن يخطر في بالي أن أكون طالبًا فيه، فما بالك بأن أكون رئيسًا له!.

إنّ المرء يا أخي محمد لا يقف أمام نجاحه وتفوّقه سوى الهمّة والجدّ والاجتهاد، في أيّ اختصاص وفرع من العلوم كان.

وسوم: العدد 900