رحلتي إلى جيجل- الحلقة7.. الأستاذ حسين بوبيدي كما رأيته أوّل مرة

clip_image002_75b69.jpg

في اليوم السّابع من رحلتي لجيجل وبتاريخ: الثلاثاء: 5 ذو الحجة 1440هـ الموافق لـ6 أوت 2019 كان اللّقاء مع الأستاذ حسين زبيدي كما رأيته أوّل مرة:

1. اتّصلت بالزميل الأستاذ حسين بوبيدي عبر الخاص لأخبره أنّي في جيجل أقضي عطلتي الصيفية رفقة الزوجة والأولاد. وطلبت منه أن نلتقي إذا سمحت ظروفه ووضعت رقم هاتفي وهاتف أكبر الأبناء وليد تحت تصرفه. وبعدما منحني رقم هاتفه اتصلت به وأخبرني أن اليوم وكان يوم الأحد لا يمكن أن يلتقي بي لارتباطاته العائلية وأجلّ اللّقاء إلى يوم الثلاثاء أو الأربعاء.

2. صباح يوم الثلاثاء يتصل بي الأستاذ ليخبرني أنّنا سنلتقي على الساعة التّاسعة صباحا قرب مكتبة المتحف التي تشهد معرض الكتاب بوسط مدينة جيجل وطلبت منه أن يطيل في موعد اللقاء ويجعله إلى ما بعد التّاسعة صباحا.

3. على السّاعة التّاسعة والنصف اتّصل بي عبر الهاتف لأخبره أنّي في المكان المحدّد أنتظره. وإذ بدقائق معدودات فيحدث اللّقاء بين الزميلين لأوّل مرّة بعد مدّة من الزّمن وهما يعيشان عبر الصفحة وعالم الافتراض.

4. بمجرّد مارأيته من بعيد عرفته وأنا الذي رأيته لأوّل مرّة أسرعت لملاقاته وبادلني بنفس التحية فأسرع نحوي بعدما تأكّد أنّني معمر صاحب الموعد واللّقاء. وهذه الصورة في كيفية اللقاء وحرارته وصدقه وإخلاصه تدل على حبّ عميق متبادل ظهر جليا في الخطوات المسرعة ودون شعور من صاحبيها حيث يُسرع كليهما للآخر وتعيش الأقدام على تحقيق مابداخل القلوب.

5. كان طويل القامة وأعترف أنّي لم أكن أعتقد أنّه بذلك الطول من خلال صورته المنشورة عبر الصفحة. يميل إلى السمنة من خلال بطْنه المتقدم، وبشرته إلى البياض أميل، ولحية ليست بالكثيفة وحمراء اللون، وعيون زرقاء كأغلب الجيجليين.

6. يتحدّث بلغة عربية فصحى جميلة سليمة، لم ألحظ عليها صبغة التراث وهو الدارس لكتب والوثائق التاريخية.

7. واضح جدّاً تحكّمه الجيّد في قراءة ونقد ماظل يسميه بالتاريخ الوسيط. وأعترف أنّي جلست أمامه جلوس التّلميذ أمام أستاذه، ولم أكن في مستواه الرّفيع وفضلت الصّمت والاستماع بأدب وخشوع.

8. ظلّ يحدّثني عن المراجع وأمهات الكتب في مجال التاريخ الوسيط، ومنطقة جيجل وذكر أسماء المؤرخين والكتب، وراح يقوم بشرح بعضها ونقد بعضها، ونصحني بقراءة ما يجب قراءته ومتابعته في هذا المجال.

9. طلب منّي رأيي فيما أسميه أحداث الجزائر، ويسميه هو بالحراك باعتباره وحسب نظره لست منغمسا بعمق في أحداث الجزائر وأنا الطالب في العلوم السياسية، فأبديت موقفي من الأحداث فقلت:

10. أنا الآن مع الجيش الوطني الشعبي ومع قادة الجيش الوطني الشعبي ولا أفرّق حاليا بين أحد من جنوده، كما ذكرت ذلك في مقالاتي. وكل الدول العظمى تمسّكت بوحدة جيشها ووحدة قادتها، والدول التي انهارت وتفكّكت كانت بسبب تفكيك منظومتها العسكرية وقادتها.

11. ضربت لذلك أمثلة من الدول العربية وفنزويلا فقلت عن فنزويلا: قوتها في تماسك جيشها والتفاف قادتها حول الرئيس وقائد الأركان، رغم أن 54 دولة أوروبية وأمريكا اللاتينية اعترفت بالمعارض "ﭬوايْدو"، وفنزويلا محاطة بقوة عسكري أمريكية هائلة من ناحية البئرّ والبحر والجو، وجيران يسعون لهدم فنزويلا وتفتيتها بما يملكون من قوّة عسكرية على أهبّة الاستعداد لاحتلال فنزويلا وإيواء للمعارضة، وتقديم كافة الوسائل وتحريض إعلامي لا يتوقف لحظة ضد فنزويلا. ورغم ذلك ما زالت فنزويلا دولة قوية بسبب تماسك الجيش الفنزويلي وقادة الجيش الفنزويلي حول رئيسهم وقائدهم الأعلى، ما يدل على ضرورة التمسّك بوحدة الجيش الوطني الشعبي وقيادة الجيش الوطني الشعبي.

12. حدّثني بما حدّثني به الكثير حين قال: من واجب الجيش أن يحمي الشعب وما يقوم به هو واجب يقوم به وليس منّة منه. أعترف أني أجبت على السؤال لأوّل مّرة وبهذا البيان الجلي فقلت: حسين بوبيدي أستاذ جامعي لو أقمنا له حفل تكريم بمنسبة مرور 10 سنوات على عمله بالجامعة وذكر الطلبة والأساتذة والإداريين فضائله ومحاسنه وتفوّقه طيلة 10 سنوات من العمل. أيرضيك أن يعتلي المنصّة أحد من الحضور أو بعض من الحضور ويرفعون أصواتهم قائلين: من واجب الأستاذ بوبيدي أن يقدّم محاضرات ويكتب المقالات ويشارك في الندوات وما يقوم به الأستاذ زبيدي هو واجب يقوم به وليس منّة منه.

13. وافقني الأستاذ في المثال الذي يبيّن موقفنا من الجيش الوطني الشعبي وقادة الجيش الوطني الشعب . وبما أننا كنّا نتبادل فنجان قهوة على مقهى بوسط جيجل قلت وقد قدّم لنا "القهواجي" ما طلبنا من قارورة ماء وفنجان قهوة: ألا يستحق منّا الشكر والثناء على الخدمة التي قدّمها لنا بأدب وإتقان. ماذا لو قال لي أحد: إنه واجب يقوم به وليس منّة منه ومن واجبه أن يقدم لنا ما نطلبه من خدمة؟ ! زدت الأمر توضيحا فقلت: لو خاطبنا الجيش الوطني الشعبي بأنّ: لولاه لانهارت الجزائر وأنّ الشعب عالة على الجيش الوطني الشعبي وأنّه بمقدوره أن يتخلى عن حقن دماء الجزائريين وحماية الحدود والممتلكات وليس مطالب بحماية الجزائريين والدولة الجزائر لأن الحماية ليست من واجبه؟ ! حينها نواجه الجيش الوطني الشعبي وبقوّة: أيها الجيش الوطني الشعبي من واجبك أن تحقن الدماء وتحمي الأرواح والممتلكات وتسهر على صون الحدود والدفاع عنها بالدم وبما يستلزم من ضمان الحفظ والصون. وبما أن الجيش الوطني الشعبي لم يذكر بأنّه صاحب المنّة والفضل فنظلُ غير نادمين ولا آسفين نقف مع الجيش الشعبي الوطني الشعبي ومع وقادة الجيش الوطني الشعبي.

14. طلب منّي زميلي أن أذكر له انتماءاتي السياسية والحزبية فأجبت غير نادم ولا آسف: لا انتمي لحزب ولا طائفة وانتمائي للجزائر التي أظلّ أفتخر بها وبفضائلها علي وبانتمائي للعرب والمسلمين إذا لم يسيئوا للجزائر ولم يلحقوا بها أضرار.

15. أخبرته أنّي متقاعد مذ جوان 2016 وذكرت له بعض الأسباب. لم يستطع التحكم في عواطفه وأبدى بصريح العبارة رفضه للتقاعد الذي أعيش أيامه وتمنى لي كل الخير والسّعادة وبادلته بنفس التحية.

16. أخبرني انه نقل يوما مقال لي بإحدى اليوميات الجزائرية عبر صفحته فعلق إحدى القرّاء على المقال قائلا: صاحب المقال "بعثي؟!" ثم تساءل حسين زبيدي: هل أنت كذلك؟ أجبت: لا أعرف هذه التقسيمات والتسميات ولم انتمي إليها يوما ولن أنتمي أبدا ما حييت وأضفت: يسعى المرء ليكون صاحب فكرة فاعلة مقدّما حبّ الجزائر على الأشخاص والأوطان ومحترما للمخالف وللمحب من عربي وأعجبي وغربي.

17. أخبرته أن مستوى التنمية في جيجل ضعيف جدّا وصراحة كنت أعتقد أن جيجل أفضل بكثير لكن خاب ظني وأنا أجوبها خلال هذه العطلة الصيفية. وكانت صدمتي كبيرة وعنيفة حين أخبرني أنّ جيجل العميقة -بتعبيره- أي المناطق الجبلية تعيش فقرا وتخلّفا ونسيانا زاد في تقهقرها وتخلّفها.

18. فهمت من كلامه الدقيق الموزون أن التخلّف الذي تعيشه جيجل مرده إلى العشرية الحمراء التي مرّت بها الجزائر في التسعينات من القرن الماضي ومرّت بها جيجل بشكل عنيف ودموي، ونفس الشّراسة والفتك والنّسف والتدمير مرّت بها الشلف أي الأصنام سابقا.

19. وتشاء حكمة ربّك وبعدما افترقنا أخبرني "عماد الدين" وهو شاب من سكان جيجل الذي التقى مع ابني الأكبر"وليد" أن العشرية الحمراء أثّرت بشكل سلبي جداً وخطير على مسار التنمية في جيجل، وما زالت لحدّ الساعة آثاره بادية وقد لمستها وأنا الزائر العابر ورأيتها رأي العين.

20. سألني زميلي حسين بوبيدي فقال: بما أنّ الصحف والجرائد تنشرلك هل تعتقد أن هناك صحافة خاصة حرة؟ أجبت: لم أنل سنتيما واحدا من مقالاتي التي تنشر لي منذ تخرجي سنة 1990، وبقدر ما يحزنني الوضع بقدر ماأفرح لأنّي لست تحت ضغط ولا إغراء من أحد. ووسائل الإعلام الجزائرية (والعربية والأعجمية والغربية) المكتوبة والمنطوقة والمسموعة لا تعرف أبدا -وأقول أبدا- ما يمكن أن نسميه بالإعلام الخاص وليست حرّة فيما تكتبه وتقوم به من مواقف وهي تابعة لمن رضيت أن تكون تبعا لهم. وافقني الأستاذ زبيدي على ما ذكرته وعزّز كلامه بحادثة وقعت له بإحدى الإذاعات الوطنية -وطلب منّي عدم التطرق إليها- التي يعرف صاحبها جيّدا. ويبدو لي كان يبحث من خلال طرحه للسؤال وإجابتي تثبيت المعلومة من مصدر صدق وإخلاص، وأزعم أنه وجد راحته واطمئنانه فيما ذكرته له وزال عنه الشك والتردّد من خلال إجاباتي التي أظلّ أحتفظ بها وأعلنها غير نادم ولا آسف.

21. أخبرته أنّي ومن خلال الاستماع "لإذاعة جيجل" عبر مذياع السيارة وأنا في عطلتي الصيفية لاحظت أنها ذات مستوى جيّد من حيث اللغة السّليمة والأداء الجيّد والصوت الحسن، وقد لمست فيها حب الجزائر والافتخار بالماضي وهوية الجزائر. وفيما يخص الأغاني فقد كانت -لحد الآن- خفيفة رقيقة تحمل طابعا يدل على الأصالة. وتدعيما لما ذكرته له ذكر لي صحفيين لا يحضرني الآن اسمهما ينشّطان برامج إذاعة جيجل ومستواهما الرفيع والسّامي.

22. افترقنا على أمل أن يتجدّد اللّقاء داعيا لزميلنا حسين بوبيدي أن يرزقه الولد الذي يكون امتدادا له وينزل على بيته السّعادة والرّحمة ويجمع بين الزوج وزوجه في كل خير وبكل خير ويبعد عنهما كل مظاهر السّوء وأهل السّوء. واستفدت من اللقاء العابر راجيا أنّي لم أخيّب ظنه وكنت عند حسن الظن كما تصورني وكما كان يعتقد فيما هو أحسن وأفضل.

23. ترقبوا الحلقة الثامنة بإذن الله تعالى.

وسوم: العدد 871