خواطر غير سياسة من مؤتمر جبهة الخلاص في برلين

محمد زهير الخطيب/ كندا

[email protected]

كانت رحلتي من تورنتو إلى برلين مع الاخ الكاتب بدر الدين قربي للمشاركة في المؤتمر الثاني لجبهة الخلاص السورية، ومن أول الرحلة وجد  الاخ بدر الدين أربع مقاعد متصلة ليس فيها ركاب فحولها إلى فراش وثير غط فيها في نوم عميق أراحه من ملل الرحلة الطويلة وجعله مستعدا للمشاركة بفاعلية في الايام القادمة، وعندما خرجنا من مطار برلين لناخذ سيارة اجرة لتقلنا إلى مكان المؤتمر لفحت وجوهنا نسمة باردة، وما كنا نتوقع أن برلين أكثر برودة من تورنتو، غير أن بعض الاخوة المقيمين في المانيا ذكروا لنا بعد ذلك أن هذه البرودة طارئة ولم يعهدوها من قبل ولعلها نتيجة للتغيرات الحرارية التي بدأت تجتاح العالم ...

ونظرا لوصولنا إلى المدينة قبل يوم من المؤتمر فقد لبينا دعوة أحد الاخوة الذين يعرفون البلد للقيام بجولة سياحية بحافلة من طابقين تجوب المدينة خلال ساعتين مع شرح للمعالم الهامة بعدة لغات.

برلين مدينة كبيرة وجميلة كأغلب العواصم الاوربية غير أن شوارعها وساحاتها أكبر من شوارع وساحات باريس ولندن ولعل السبب هو إعادة بنائها بعد الدمار الذي لحق بها في الحرب العالمية الثانية. وأثناء الجولة مررنا ببقايا جدار برلين الذي كان يفصل بين برلين الشرقية وبرلين الغربية فاذا هو أثر بعد عين وقد تحولت كثير من أحجاره إلى قطع أثرية وتاريخ، وذكرني هذا بما سمعته منذ أيام أن هناك جداراً سيقام بين السعودية والعراق سيكلف مليار دولار فسألت الله أن يتوب علينا وأن يصلح ذات بيننا. كما مررنا على متحف لمحرقة اليهود (الهولكوست) يدافع فيه اليهود عن قضيتهم، وذكرني هذا المتحف بضعفنا وبأننا أضعف مدافع عن أعدل القضايا.

في اليوم الاول للمؤتمر وبعد شكر الحكومة الالمانية على عقد هذا المؤتمر على أرضها، كانت هناك كلمات لكل من الأساتذة خدام والبيانوني وصلاح بدرالدين والآنسة أروى وليد التي مثلت الشباب. وتعليقي عليها أنها كلمات جيدة غير أنها لاتخلو من الاسلوب الانشائي المطول الذي اعتدنا عليه وقد آن الوقت لتطويره.

كان حضور الاخوة الكورد (كما يحبون أن يسموا) كثيفا وملحوظا وكانت قضاياهم تسيطر على أذهانهم بحيث يستحضرونها في كل مداخلة وعند كل تعليق، وكذلك الظلم يولد المبالغة ويبعد عن التوازن، حيث أن الظلم الذي وقع باخواننا الكورد في طمس هويتهم القومية وسلبهم حقوقهم المواطنية والثقافية جعلهم يتشددون في مطالبهم حتى وصل بعضهم للمطالبة بسورية فيدرالية !!! غيرأن الحوار الساخن قرب وجهات النظر وبنى جسورا من الثقة وأعاد أملا ببناء وطن اسمه سورية يتساوى فيه جميع أبنائه وتحترم فيه جميع القوميات والاعراق والاديان.

من الشخصيات اللامعة التي قابلتها الدكتور نجيب الغضبان والاستاذ الكاتب غسان مفلح والاستاذ فاضل الخطيب، وكنت أقرأ للاستاذ فاضل مقالات جيدة بين الحين والآخر وأتساءل هل هو من خطيب دمشق أم من خطيب حلب ... حتى أعلمني أنه من خطيب السويداء !!! فسألته وهل في السويداء من يخطب الجمعة؟  فاجابني باسما أن جده كان من القلائل الذين يقرؤون وبتعبيره (يفكون الحروف) في مدينة السويداء فلقبه الناس خطيبا ثم أصبح ذلك لقبا للعائلة.

كذلك تعرفت على الدكتور هاشم سلطان الامين العام لحزب الوفاق، وقد كان منافحا عن القيم العلمانية لطيفا في مداخلاته، فقلت في نفسي لعله يكون مشاركا في تقريب وجهات النظر بين الاسلاميين والعلمانيين كي يلتقوا على معاني العدالة والحرية ويقفوا صفا واحدا أمام عدوهم المشترك الحقيقي: الاستبداد والفساد.

وكان يجلس بجانبي في اللقاءات أخ كوردي لطيف جدا إسمه ربحان رمضان فقلنا له لقد ذهبت بالمجد من طرفيه، فللدنيا اسمك ربحان وللآخرة اسمك رمضان، غير أنني لسبب ما كنت اخطئ في إسمه وأناديه فرحان فيصححني باسما: أنا ربحان ولكني أسال الله أن أكون فرحانا كذلك.

وفي فترة الاستراحة عرفني بعض الاصدقاء على الأستاذ بشار السبيعي ابن الفنان الكبير رفيق السبيعي وهو يعيش منذ مدة في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة وقد سرني لقاؤه وانهمرت عليه بالعديد من الاسئلة أهمها أنني افترض أن أبناء الفنانين يمكن أن يحصلوا على تسهيلات في سورية بسبب تفشي الوساطة والمحسوبية وظاهرة أبناء المسؤولين، فما الذي دفعك للعيش خارج الوطن؟ قال لي لقد حزمت حقائبي في الثمانينات عائدا للوطن بعد أن جربت الغربة، وفي العام الذي عدت فيه كانت هناك انتخابات لنقابة الفنانين وكان والدي قد رشح نفسه لمنصب نقيب الفنانين بتشجيع كبير من أصدقائه ومحبيه، وقد شاركت في حملته الانتخابية بجد وكانت النتائج تسير بشكل واضح لصالحه أمام منافس بعثي مغمور غير أنه مدعوم، وقبل أن تظهر النتائج بقليل فاجأنا أعوان السلطة المشرفون على الانتخابات بان هناك عشرات الاصوات جاءتهم من فنانين سوريين مقيمين في الجزائر!!! وكلها تصب في خانة المرشح البعثي، ولك أن تتصور المرارة وخيبة الامل التي أصيب بها والدي والتي حزت في قلبي جرحا لا يندمل، ومن يومها عرفت أنني مواطن من الدرجة الثانية في بلدي وقررت أن أغادر سورية أجر أذيال الخيبة والالم.

وفي جلسة ليلية في أحد مقاهي برلين، كنا قرابة عشرة من المشاركين في المؤتمر نشرب القهوة ونتذاكر في مدى نجاح المؤتمر، وقد تراوح تقييمنا ما بين أربع إلى ثمانية درجات من عشر درجات، وكانت حجة من أعطى درجات قليلة أنه كان يتوقع أن تستطيع الجبهة تغيير الاوضاع وتحقيق النجاحات بشكل أسرع مما هو عليه الواقع، أما من أعطى درجات عالية للمؤتمر فقد قال أن علينا أن ننظر نظرة واقعية غير محلقة، فان مجرد لقاء هذه المجموعة الكبيرة من المشاركين على اختلاف أفكارهم ومشاربهم، وقدرتهم على الحوار الساخن البناء وإصراهم على متابعة الطريق لهو انجاز كبير يَعدُ بغد مشرق.

وفي إحدى الجلسات المهمة، حان موعد اختيار أمانة عامة جديدة للجبهة، ووضعت يدي على قلبي، فأنى لهذا العدد الكبير غير المتجانس أن ينجح بالتوافق على أمانة تحوز الرضى والقبول، إنه المحك الصعب الذي قد يخلّف الجبهة مزقا تعصف بها العصبيات والاهواء. وتم اقتراح قائمة للتصويت، ونظرت في القائمة ورأيت فيها ملامح النجاح لتوازنها واستيعابها لكل الاطياف الحاضرة في اللقاء، وعند التصويت وافق الحضور باغلبية كبيرة على القائمة ولم يوافق عليها أربعة أشخاص فقط وامتنع اثنان عن التصويت، وكانت هذه خطوة مهمة إلى الامام.

أما الامر الذي طُرح أكثر من مرة وأجمع عليه المشاركون في المؤتمر فهو أهمية القنوات الفضائية وضرورة السعي للحصول على وقت جزئي أو كامل لقناة فضائية تصل إلى شعبنا الحبيس في الداخل وتبني جسور التواصل بينه وبين أهله في الشتات ولا أظن عام 2008 يمر إلا وهذا الامل قد تحقق.

أخيرا غادرنا المؤتمر ونحن نودع إخوة أحبة قدموا من كل أصقاع الدنيا حتى من استراليا ونيوزيلاند وكلنا أمل بغد مشرق ينشر النور على سورية الحرية وليس سورية الاسد.