رحلاتي إلى الجزائر 2

حسين إسماعيل الأعظمي

رحلاتي إلى الجزائر

حسين إسماعيل الأعظمي

[email protected]

الحلقة (2)

 كان الأستاذ د. محمد العربي الزبيري قد قـَدِمَ من دمشق بسيارة سعادة السفير الجزائري في دمشق .. مع السائق السوري وليد ..... ؟ خرجنا من المطعم وإتجهنا الى بيتي في جبل الحسين بعمَّان واتصلتُ بأولادي لأجل تحضير حقيبة السفر ، وبسبب الحالة السريعة والمستعجلة ، فقد نسيت بعض الأغراض التي أحتاجها في سفري .. وفي الساعة الخامسة عصراً تقريباً تحركت بنا السيارة متوجهة الى دمشق حتى وصلناها في المساء وذهبنا الى السفارة الجزائرية وقد كان أهم شئ عندي هو الاتصال بشقيقي الغالي محمد واثق أبي هدى الذي مضى على وجوده في دمشق أشهراً لصعوبة دخوله الى الأردن في ظل الظروف الحالية ، آملا لقاءه ، وهو أخي الأكبر ، وبعد الاتصال به من قبل هاتف السفارة فوجئ جداً بوجودي في دمشق ، ورغبنا طبعاً أن نلتقي ولكنني إكتشفت أن مكان إقامته بعيد نسبياً عن السفارة الجزائرية ، فضلاً عن الوقت القليل المتبقي للذهاب الى المطار للسفر الى الجزائر .. فاكتفينا بهذا الهاتف وهو أضعف الايمان رغم إلحاحهِ بالمجئ ، وفي هذه الاثناء كان الاستاذ د. العربي الزبيري قريباً مني وقد إستمع بطبيعة الحال الى بعض المكالمة وفهم أنني لن ألتقي بأخي محمد واثق بسبب بُعد مكانه عن السفارة وضيق الوقت .. فسألني ، هل هو أخوك ..؟ فأجبته : نعم ، فما كان منه إلا أن أمر سائق السفارة بتوصيلي الى أخي لتحقيق اللقاء ، وقد كان موقفاً نبيلاً منه ، وإتصلت بأخي وأخبرته بمجيئي إليه واتفقنا على المكان ،ٍ وما هي إلا دقائق حتى وصلتُ إليه وكان لقاءاً مثيراً جداً حيث لم أُشاهد أخي يبكي في حياتي كلها ، فرحاً بهذا اللقاء أم حزناً من ظروفنا التي يعيشها كل العراقيين ، أفعمتني هذه اللحظات وأجَّجتْ مشاعري ، فرحاً أم حزناً ، حتى أنا لا أدري ما أقول .. أراد بي الذهاب الى شقته اذ كانت معه السيدة زوجته وإبنته إلهام ، ولكن السائق إعتذر عن الذهاب لعدم إمكانية ذهاب سيارة السفارة الى هناك ، فضلا عن أن الوقت قد أدركنا فعلاً بحيث لم أستطع الذهاب معه الى الشقة وقررتُ المغادرة فوراً بوداع تملؤه الحسرة ..

 في هذه الأثناء كنت قد إتصلت من هاتفي الأردني بأخي وليد حسن الحيالي أبي خالد وأخي مؤيد اكرم السامرائي أبي أركان ، وهما من أصدقاء الطفولة ، وما هي إلا دقائق قليلة حتى وصلا ومعهما خالد ومــروان إبنا وليد وخرجت وإيَّاهم من السفارة نتجول في المدينة وتناولنا العشاء معاً ثم عدتُ الى السفارة بعد ان ودعـْتُهمْ حتى تواروا عن الأنظار .. وفي هذه الأثناء كنت أيضا قد إتصلت بخال أولادي السيد غسان الجبوري وبعض أصدقائي وإعتذرت طبعاً عن اللقاء وبقيت في السفارة حتى تكامل أعضاء الفرقة الشعبية كلهم ، ثم تحركت بنا سيارة السفارة متوجهة الى مطار دمشق الدولي والساعة تشير الى انتصاف الليل ، ولم تقلع بنا الطائرة الجزائرية في وقتها المحدد ، وتأخرت أكثر من ساعة ..

 قُدِّرَ لأعضاء الفرقة الشعبية العراقية خلال ساعات أن يغادروا دمشق في الساعات الاولى من صباح يوم التاسع من كانون الثاني 2007 ليصلوا الى الجزائر عند الساعة السابعة والربع صباحا بتوقيت الجزائر ، في سفرة فنية مفاجئة ، لم تكن في حسبانهم ..!! هبطت بنا الطائرة الجزائرية في مطار الجزائر بومدين الدولي والظلام لم يزل قائما ..! حيث يتأخر الشروق في الجزائر في مثل هذا الوقت من العام ، ويذكر ان فرقة (أُميَّة) الشهيرة للفنون الشعبية السورية كانت في الطائرة معنا وهي مدعوة أيضا الى تظاهرة الجزائر .. وفي المطار إستقبلتنا وسائل الاعلام المختلفة ، وأُجريت معي وبعض اعضاء الوفد ومع الاخوة السوريين لقاءات تلفزيونية وصحفية عديدة ، ثم إستقلت فرقتنا الشعبية سيارة ( حافلة ) خاصة بالوفود وتوجهت الى الفندق وأخذتني سيارة صالون خاصة برؤساء الوفود الى الفندق نفسه وهو (فندق سفير مزفران) الكائن في مدينة زرالدة على البحر الابيض المتوسط مباشرة في منطقة من اجمل مناطق السياحة الجزائــرية .. وهي تبعد عن العاصمة أربعين كيلو متر تقريبا ..

 في مساء هذا اليوم نفسه جاءت سيارة خاصة وأخذتني أنا وأخي رئيس الوفد المصري السيد محمود عيسى رئيس فرقة التنورة لفنون التراث الشعبي المصري الموجود مع فرقته قبل يوم من وصولنا ، الى دار الاذاعة والتلفزيون الفضائي الجزائري حيث تم اللقاء بنا معاً في برنامج (خليك معانا) الذي تقدمه المذيعة سهام ، دام نصف ساعة تقريبا على الهواء مباشرة .. وقد كان مجمل الأسئلة والأجوبة تدور حول المناسبة الثقافية للعاصمة الجزائرية العربية ..

 في صباح اليوم التالي 10/1 جاءني أخي وصديقي العزيز السيد مختار حيدر الذي سبق أن تعرفت عليه في الجزائر العاصمة تشرين اول عام 2005 , كان لقاؤنا حميماً ثم ذهبنا بسيارته الى وسط المدينة حيث إشتريت بعض الملابس لحاجتي إليها في الجزائر لأنني نسيت بعض الاغراض بسبب العجلة التي غادرنا بها عمان الى دمشق عصر يوم 8/1 .. وبعد ذلك فضَّلت تناول غدائنا وسط العاصمة في أحد المطاعم المطلة مباشرة على البحر الابيض المتوسط ، ولم نعد الى الفندق إلا والساعة تقترب من السادسة مساءا ..

 في اليوم التالي 11/1 وهو اليوم المشهود الذي لم تشهده مثله الجزائر منذ زمن قد يكون بعيداً ، إنها التظاهرة الثقافية التي لم يسبق لأي افتتاح ثقافي أن يكون بهذه الضخامة والفخامة من الاعداد والتهيئة وحسن التنظيم .. فبعد أن تناولت الوفود إفطارها الصباحي في الفندق ، هب الجميع الى السيارات الكبيرة الواقفة في باب الفندق ، فصعد كل وفد في السيارة المخصصة له وانطلقت السيارات متوجهة الى وسط المدينة في مكان إنطلاق التظاهرة .. ثم صعد رؤساء الوفود بالسيارات المخصصة لهم ،ٍ فكنت في سيارة واحدة مع أخي المصري محمود عيسى والسيدة فاطمة بو حمدون رئيسة الوفد السوداني .. وعندما وصلنا الى حديقة كبيرة وسط العاصمة حيث تجمَّعت فيها كل الوفود العربية بفرقها الفنية الشعبية وقد أخرج كل وفد آلاته الموسيقية الشعبية وطبوله الايقاعية المختلفة ومعها طبعاً الفرقة الشعبية العراقية ، وأخذ الجميع يعزف ويغني ويرقص ، كل فرقة على إنفراد في آن واحد ، حيث تبعد فرقة عن أُخرى بعض الامتار ، وأصبح الجو مشحوناً بالأُلفة والمحبة والتوادد والتقارب والتفاعل الكبير بين أبناء الشعب العربي جميعاً .. وفي هذا الخضم كانت عشرات القنوات التلفزيونية الفضائية والصحافة وكل وسائل الاعلام العربية والأجنبية تغطي هذه الفعاليات العفوية قبل ان تبدأ تظاهرة الافتتاح الجماهيرية ، وتلتقي برؤساء الوفود والفنانين في جوٍ هائلٍ من الإلتحام الأخوي .. وإستمر الأمر على هذا الوضع أكثر من ساعتين ..! حتى أُعلن عن بدء الافتتاح الجماهيري الشعبي , فقد هيأ الاخوة الجزائريون سيارات كبيرة (شاحنات) وضع على ظهرها رموزا آثارية وتراثية شامخة يتميز بها كل بلد عربي ، تم نحتها وإعدادها من قبل فنانين رسامين تشكيليين جزائريين .. فكانت سيارة الوفد العراقي قد تزيَّنت بنحت جميل لملوية سامراء وآثار بابل وأسدها الشامخ ونخلة العراق الشامخة وعلاء الدين والمصباح السحري .. وهكذا كانت سيارات الوفـود الاخرى مزينة برموز بلدانها ..

 إن الواقع كان مثيراً للدهشة ، فقد إصطف أكثر من مليون مواطن جزائري على جانبي الشارع الرئيسي وسط العاصمة الجزائرية الموازي للبحر الابيض المتوسط , ينتظرون ويستقبلون قدوم مواكب الوفود الفنية العربية وسط تشجيع وترحيب مستمر دون توقف ودون كلل او ملل ، وعندما بدأت هذه المواكب بالمسير معلنة الافتتاح الجماهيري الشعبي كان يفصل كل موكب عن الآخر حوالي مئة متر او أكثر بقليل وهي تعرض فنونها الشعبية من رقص شعبي وغناء وعزف موسيقي وايقاعي فضلا عن خلَّب الاطلاقات النارية الصوتية ابتهاجا بهذه المناسبة الثقافية المهيبة ..

 كل ذلك عزيزي القارئ يمكن أن اقول عنه انه في كفَّة ، رغم فخامة المسيرة ، فقد كانت الكفَّة الأُخرى موكب السيارة التي تحمل الفرقة الشعبية العراقية ، إذ سرعان ما بدأت مسيرتها حسب تسلسلها مع بقية المواكب ، حتى زاد الجمهور كله إنفعالاً وهتافاً مستقبلاً موكب الفرقة العراقية بهتافات وشعارات وقبلات للعراق الجريح ، وإستمر الحال هكذا طيلة المسيرة التي سارت أكثر من ثلاثة كيلو مترات وسط هذا الحشد الجماهيري الكبير ، وعندما وصل موكب الفرقة العراقية أمام منصة المسؤولين والشخصيات ، وقف الجميع تعاطفاً مع محنة العراق يصفقون ، بل يشاركون الجماهير في هتافاتهم .. فقد كان مشهداً عظيماً فاق جميع التصورات ، فلم يسبق لي ان مررت بحالة من المشاعر والانفعال خلال وقت المسيرة كله بمثل هذه اللحظات الخالدات ، إذ يصعب عليّ شرحها والتحدث عنها ..

 كانت تظاهرةً وافتتاحاً ثقافياً ناجحاً بكل المقاييس ، ناجحاً بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنى .. بورك لإخوتنا الجزائريين نجاحهم الثقافي هذا , بورك لهم قائداً وحكومةً وشعباً .. والى مزيد من النجاحات الثقافية والفنية ..

 في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم التالي 12/1 زارني في الفندق الاخوة الاعزاء الصادق بخوش والشقيقاٍن الشاعراٍن المعروفاٍن سمير سطوف والدكتور ميشيل سطوف ومعهما صديقاً لهم هو السيد فرحان صالح ابو كامل .. بالنسبة الى أخي الصادق بخوش وأخي سمير سطوف فقد سبق ان تشرفت بمعرفتهما في بغداد أيام مهرجان بابل الدولي 2001 وقد كانا برفقة وفد الجزائر الفني المشارك في المهرجان .. ثم توطَّدت علاقتي بهما خلال هذه السنين ، أما الدكتور ميشيل سطوف , فقد تشرفت بمعرفته الشخصية في تشرين اول 2005 في الجزائر العاصمة خلال الجولة الفنية داخل الجزائر التي أقمت فيها بعض الحفلات في العاصمة الجزائرية ومدن اخرى ، رغم أنني كنت أتحدث معه بالهاتف قبل هذا التاريخ .. أما السيد فرحان صالح أبو كامل فقد تشرفت بمعرفته في هذه الزيارة وهو صاحب مجلة (أٍحداث) اللبنانية ..

 طبيعي كان لقاؤنا حميماً جداً .. جلسنا في كافيتيريا الفندق وتجاذبنا أطراف أحاديث شتى وقد ساد الجلسة الجو الأخوي والمشاعر الجميلة ، ومكثوا وقتاً لم نشعر بمروره ، وغادروا عند الخامسة عصراً تقريباً على أمل اللــقاء مرة اخرى ..

 في هذه الاثناء كانت الوفود تتحضَّر وتتهيأ للذهاب الى القاعة (البيضاوية) بالمركب الرياضي محمد بو ضياف الكبيرة المبنية على شكل بيضة ، وهي من أشهر القاعات الرياضية في أفريقيا ، وذلك لحضور الافتتاح الرسمي للعاصمة الجزائرية ، عاصمةً للثقافة العربية لعام 2007 الذي أُطلق عليه اسم (افتتاح زهوة وفرحة) ، وفي هذه الليلة فوجئت بوجود أخي الحبيب الاستاذ المسرحي الكبير قاسم محمد أبي زيدون وكذلك وجود أخي الحبيب الفنان نصير شمة ، وكان لقاءاً جميلاً حقاً ، وقد كان قريباً منّا بعض الفنانين السوريين الكبار ، أتذكر منهم صباح فخري ومنى واصف وممثلين آخرين ..

 أُعلن عن بداية الافتتاح وبدأ الاحتفال الكبير برعاية السيدة وزيرة الثقافة خليدة التومي وحضور السيد عمرو موسى الأٍمين العام للجامعة العربية وضيوف آخرين فضلاً عن المسؤولين الجزائريين .. دام الاحتفال زمناً قارب ثلاث ساعات دون ملل بسبب تنوُّع فقراته الكثيرة لإبراز التراث والتطور الحضاري للجزائر مع مساهمة من بعض الفنانين العرب ودول أُخرى أهمها إسبانيا .. وبصراحة كان الافتتاح عملاً كبيراً بُذل فيه مجهود يصعب تكراره أدهش كل الحاضرين من الجزائريين والضيوف ، مما يدلل على أن الاخوة الجزائريين كانوا قد صرفوا وقتاً وجهداً يصعب تصوره .. وخرج الجميع من القاعة البيضاوية وهم مبهوريٍن وقد أصابتهم الدهشة والاعجاب من هذا الانجاز الفني والثقافي للجزائر العربية .. وقد علقت الصحافة عن بدء الاحتفالات الثقافية بالكثير من التعليقات والاخبار ، ومنها هذه المجموعة ..

معرض الصحافة

عاصمة الثقافة بعيون الصحافة

 خصصت الصحافة الوطنية والعربية ، الكثير من الفضاءات لتظاهرة" الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 " وبمختلف ألوان وفنون الصحافة ، وهذا منذ انطلاق التظاهرة إلى اليوم . وكعينة عما كتبت مختلف المنابر الصحفية منذ الافتتاح الرسمي إلى اليوم، لا بأس أن نقدم لقرائنا الأفاضل هذه المتابعة الوجيزة.

الصحافة الجزائرية مواكبة مستمرة للحدث الثقافي العربي

 بحكم قربها من الحدث ، وقصد الوصول إلى قرائها ، قامت الصحافة الوطنية منذ افتتاح التظاهرة إلى اليوم بتغطيات صحفية عديدة ، شملت مختلف الفعاليات التي تعرفها التظاهرة حسب البرنامج المسطر . كما توقفت كثيرا عند التدشين الرسمي للتظاهرة .

الخبر

 فهذه جريدة "الخبر " و في سياق تعليقها على الاحتفالية الشعبية التي جرت وقائعها بشوارع الجزائر العاصمة ثمنت هذا الاستعراض الشعبي الثقافي ، " في سابقة هي الأولى من نوعها منذ بعث تظاهرة العواصم الثقافية سنة 1996 بالقاهرة، ارتأت الجزائر أن ترمي بالثقافات العربية للشارع كي تحتضنها الجماهير والشعوب.." حيث فصلت في استعراض اللوحات الفنية التي استمتع بها الجمهور الواسع الذي كان على جنبات الطريق ، والحضور الرسمي ، حيث علقت الجريدة " أما عن أول عربة عربية شقت مسلك التظاهرة، فقد كانت المملكة العربية السعودية، التي استثناها المضمون من الترتيب الهجائي المعتمد في تسلسل مرور العربات، باعتبار أن المجسم المختار كان الكعبة الشريفة نقطة التقاء أغلبية العرب ومحور ذوبان اختلافاتهم، ومرت العربة تحت أنغام المزيج الذي أبدع فيه الموسيقار قويدر بوزيان ، وعلى ذات الوقع الموسيقي الرفيع، زلزلت فيروز الحضور برائعتها الخالدة ''سنرجع يوما'' لترافق مرور عربة فلسطين ".

الجزائر

 أما صحيفة " الجزائر نيوز " فقد كتبت عنوانا بالبنط العريض استلهمته من شعار الاحتفالية "فرحة وزهوة " ، لخصت فيه بأسطر فرعية أن الجزائر كعاصمة للثقافة العربية اختارت أن تستقبل ضيوفها العرب في بانوراما فنية تجسدت في أنماط التنوع الثقافي الذي تزخر به ، وأن الافتتاح الرسمي للتظاهرة أخذ صورة عرس عربي بخصوصية جزائرية . حيث تناولت الصحيفة تفصيلا ، الكثير من جوانب الحدث وزواياه من بينها العرض الفني ''فرحة وزهوة'' الذي جاء في مجمله، تقول الجزائر نيوز مجسدا لذاكرة الجزائر التاريخية و الثقافية خصوصا، بلد في رحابة هذا الكون الشاسع يضع له الأسلاف تاريخا من الحياة، ينحدر من أعماق الصحراء الإفريقية، ليلتقي ويمتد على ضفاف المتوسط، حيث العاصمة، البهجة على نشوة البياض يستقبل المطرب ''حميدو'' في حرارة متوسطية ''ضيوف الله'' بنشيد ''فرحة وزهوة''، كلمات طالما ترنمت في الأصداء منذ ظهورها في سنوات الستينيات، مثلما ترنمت همسات ''البوقالة'' في سكون السطوح المضاءة تحت نور القمر، عاصمة التقاليد والتراث هي كذلك عاصمة الشباب المعاصر، ''الراب'' يكتسح الشارع ليقول كلمته، في عرض ساخن لكل من " لطفي دوبل كانون" و" يوسف سداس"، عضو فرقة أنتيك سابقا، ''مرحبا بكم في عاصمة الثقافة العربية، ثقافة في نظرتها الكلاسيكية لاتعترف بالهجانة و''التبعية'' الغربية، .

لتشير الجريدة لإعجاب الضيوف باللوحات المجسدة للتراث العربي الأصيل والصور الكلاسيكية شعار الوحدة العربية، التي تكسرت من زيفها في مفاجأة جديدة، لوحة حلبة الحياة، وهي تروي أطفال بيروت، صبرا وشتيلا، أطفال غزة، وبحار الدماء التي استنزفتها ''الكارثة العربية'' في مشروعها لضياع السلام كما أضافت الصحيفة . الحدث نفسه أولت له الصحف الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية ، اهتماما معتبرا.

المجاهد

 منها عميدة الصحف الجزائرية "المجاهد " التي ترى في التظاهرة مناسبة لعرض كل الثراء والتنوع العربي الثقافي بالجزائر ، والذي بدأ يوضع حيز التنفيذ بهدوء ، بعد الافتتاح الرسمي والشعبي للتظاهرة ، معتقدة أن الغنى الثقافي الذي يزخر به الوطن العربي سوف يعرض في الجزائر عاصمة الثقافة العربية وهذا بافتتاح تظاهرة الأسبوع الثقافي المصري الذي دشن الأسابيع الثقافية العربية

الوطن

 من جهتها عنونت جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية "الجزائر عاصمة الثقافة العربية " عرض افتتاحي ترحيبي " تناولت فيه الصحيفة وقائع السهرة الفنية الافتتاحية التي جرت بالقاعة البيضاوية بحضور كبار ضيوف الجزائر .

للإشارة فقد تابعت الصحافة الوطنية ، مختلف الفعاليات التي تشهدها الجزائر ، وقدمت بخصوصها التغطيات ، والمقالات ، فضلا عن الحوارات والاستطلاعات الصحفية ، مبدية اهتماما نتمنى أن يتوسع مع مرور الوقت ، كون الإعلام هو رافد وحضن الثقافة .

الصحافة العربية صدمة جمال ، وعتاب أخوي !

 أما الصحافة العربية فقد تابعت من خلال مراسليها بالجزائر ، افتتاح التظاهرة باهتمام كبير ، ناقلة الحدث الثقافي العربي بالجزائر منذ الافتتاح ، كما فتحت صفحاتها للعديد من المقالات بهذا الخصوص كتبها أدباء ، ومسؤولون عن الثقافة في البلاد العربية .

الأهرام العربي

 فنقلت الأهرام العربي، أن الجزائر أصبحت منذ ‏12‏ يناير الماضي عاصمة للثقافة العربية‏ ، ووجهة من المنتظر أن تشد إليها الرحال مختلف الأسماء الثقافية العربية من كتاب وشعراء وفنانين ومبدعين في شتى المجالات‏ .‏ الجزائر التي استبشرت خيرا ببداية السنة الأمازيغية الجديدة ، تقول "الأهرام العربي" ، في مقال مطول بعنوان " ربيع ثقافي بالجزائر " والتي يحتفل بحلولها المجتمع الجزائري عبر مختلف مناطقه دون استثناء‏,‏ تأتي سنة الثقافة العربية في أجواء مختلطة بالأمل والحذر من وضع مترد هو حقيقة كانت واضحة المقاصد في كلمة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة‏,‏ وكذلك عند عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية حين يتعلق الأمر بمستقبل أمة تعيش يوميا هجوما كاسحا علي مضامينها ومرجعياتها الثقافية‏.‏

بكثير من الأمل في غد أوفر حظا ، تضيف صاحبة المقال ، تستقبل الجزائر العام‏2007‏ وعبر مختلف ولايات الوطن‏,‏ حيث لم تر الجزائر في إعطاء إشارة انطلاق فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية في بداية السنة الأمازيغية الجديدة تناقضا مع روح الاحتفال بالبعد الثقافي والإنساني والتاريخي للبلدان العربية بقدر ما كان الدافع تشبثا بميزة جديدة تضاف إلى رصيد الثقافة الجزائرية العربية الإسلامية‏,‏ ولكن أيضا ذات البعد الأمازيغي‏. في نفس السياق تضيف الأهرام ، "ويبدو أن الترتيبات والتحضيرات التي استعدت لها الجزائر منذ بداية عام‏2006‏ وشكل من أجلها الرئيس بوتفليقة هيئات ولجانا إدارية وثقافية متعددة‏,‏ وأهلت من خلالها العاصمة وغالبية ولايات الوطن والتي ستستضيف فعاليات متوازية وفي توقيت واحد على مدار العام كانت على قدر النجاح الذي أشبع الحضور العربي حيث ظهرت العاصمة الجزائرية في أبهى صورها تغطيها الأعلام والبيارق وصور الفنون والثقافات العربية‏,‏ ناهيك عن ورشة عمل مطولة استطاعت تغيير معالم العاصمة وتجديد وافتتاح عشرات المسارح والقاعات والتي أهملتها سنوات الدم والإرهاب في الجزائر لأكثر من عشر سنوات لاستقبال ضيوف الجزائر على مدار العام‏ ".

الاتحاد

 لقد تركت التظاهرة والتنظيم وجمال مدينة الجزائر الأخاذ انطباعا جميلا لدى الكثير من الضيوف وهذا ما جاء على صفحات الكثير من الجرائد العربية ، فوزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا ، الذي رأس وفد بلاده إلى الجزائر كتب في جريدة الاتحاد مثمنا مثل هذه التظاهرات :" أتيح لي أن أشارك في حفل افتتاح احتفالية الجزائر عاصمة للثقافة العربية، وأحسب أن من أفضل ما أنجزته الأمة أمام تحديات العولمة الثقافية هو هذه الاستجابة الإيجابية الواعية المتمثلة في إحياء العقد العربي، وفي إعلان العوْربة في مواجهة العولمة، عبر رؤية جديدة منفتحة تستعيد من خلالها الأمة تمسكها بالهوية الثقافية، وتفسر الثقافة القومية تفسيراً واسع الطيف يضم في سعته كل الثقافات المحلية التي أسهمت في إنتاج هذه الثقافة وتحدثت بلغتها. متوقفا عند بعض الثنائيات الجميلة التي لاحظها في الجزائر ، ومقدما انتقادا أخويا لقطاع الإعلام العربي من وحي التجربة السورية في "حلب" بقوله :" ونرجو لاحتفالية الجزائر أن تقدم النموذج الذي تفيد منه الثقافة العربية في كل عواصمها، وندعو الإعلام العربي إلى دعم هذه الاحتفالية ومواكبة برامجها، فقد قصَّر الإعلام العربي كثيراً تجاه حلب عاصمة الثقافة الإسلامية هذا العام.

الثورة

 الأديبة والروائية السورية هيفاء البيطار ، لم تصبر على الرجوع إلى سوريا ، من فرط صدمتها من جمالية الجزائر بمناسبة حضورها التظاهرة ، حيث أرسلت مقالا إلى صحيفة الثورة السورية عبرت فيه عن انطباعات جميلة ، لمشاهداتها و لقاءاتها بالجزائر حيث كتبت " لا أبالغ أن الجزائر أصابتني بصدمة جمالية . مضيفة بإحساس مرهف ، رهافة حس الأدب "هناك مدن تحرك فيك من اللحظات الأولى شهية حب الحياة ، ومدن أخرى تحسها مغلقة دونك كما أن هنالك حاجز بينك وبينها

، و لما توقفت عند الجزائر قالت :" الجزائر مدينة أخاذة الجمال وشامخة . على البحر وغنية بالغابات ولها نظام معماري مميز وجميل "

كما تأثرت الدكتورة البيطار بمستوى النقاش الذي لمسته في بعض الفعاليات التي حضرت ، مثمنة مثل هذه التظاهرات في كسر العزلة الثقافية بين الأشقاء العرب . و تختتم بقولها : " لا معنى لحياة إلا من خلال ثقافة ما وهدف ما ، وإلا تحول عمرنا إلى تراكم زمني لا معنى له " مؤكدة أن الجزائر من خلال هذه التظاهرة " ستكون عاصمة للأمل بحياة أفضل أكثر غنى وتفاؤلا "

 هذا غيض من فيض عما كتب عن عاصمة الثقافة العربية ، في الجزائر وخارجها ، ونحن لازلنا لم نخطو الخطوة الأولى ، وإلى اللقاء مع موعد ثقافي جميل آخر .