الوداع....

الوداع....

جميل السلحوت

[email protected]

يوم السبت ثاني أيام عيد الأضحي استقبل خادم الحرمين في القصر الملكي في منى رؤساء بعثات الحج من ثلاث وثمانين دولة، كما استقبل عددا من ضيوف وزارة الثقافة والاعلام، وقد طلب مني الأستاذ خالد آل عاتي مدير قسم الأخبار في القناة الأولى من الفضائية السعودية التعقيب على الخطاب، وكان تعليقي أن الخطاب القصير ذكّر بنقطتين لهما أولوية في السياسة السعودية وهما: التركيز على وسطية الاسلام، والتركيز على أمن الحجاج ، وفي هاتين النقطيتن رسالة الى القوى التكفيرية الظلامية التي تخدم أعداء الأمّة بفكرها المتطرف المقنع بالدين والدين منها براء، فهؤلاء الظلاميون الذين يقومون بأعمال تفجيرية، ويستهدفون المساجد والمؤسسات العامة، انما هم مضللون عميت أبصارهم وبصائرهم، فما عادوا يميزون بين الحق والباطل، ويزهقون أرواحهم، ويقتلون غيرهم، والقتل من الكبائر في الدين الاسلامي، وهم بهذا يقدمون خدمة مجانية وسلاحا فتاكا لمن يشنون حربهم الاعلامية الجاهلة على الدين الحنيف.

مما يذكر انه كانت حراسة مشددة على مداخل مكة وأماكن شعائر الحج لورود معلومات الى الجهات الأمنية بأن بعض التكفيريين سيفجرون انفسهم في الحرم المكي.

وبعد صلاة ظهر الأحد– ثالث أيام العيد– توجهنا الى الحرم المكي لطواف الوداع تمهيدا لمغادرة مكة، طفنا وعيوننا على الكعبة الشامخة على يسارنا، وقلوبنا مشدودة نحو السماء، فدعونا الله أن يفك أسر المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين،وأحد المساجد الثلاثة التي تشد اليها الرحال، وأن يصلح حال الأمة التي أهلكتها الفرقة. أتممنا الطواف، وصلينا ركعتين لله،وغادرنا الحرم وقلوبنا خاشعة مخلصي النية، سائلين المولى ان يغسلنا من ذنوبنا وخطايانا، وتجمعنا في فندق  (القصر الابيض) على بعد حوالي المائتي متر من باب الفتح، واستذكرنا الفتح المبين،وتاريخ أمّة كانت ماجدة، وبكينا واقعنا المرير،وما وصلنا اليه من حال لا يسر الصديق ولا يغيظ العدى .

ومن هناك استقلينا الحافلات في طريقنا الى جدة، وحططنا الرحال في فندق الـ (ماريوت) جلسنا في بهو الفندق بعد ان تناولنا طعام العشاء، واستذكرنا آداء مناسك الحج، وكيف يسرها لنا الرحمن ونحن ضيوفه في أقدس بقاع الارض، وانصرفت الى غرفتي قبل زملائي الذين تركتهم مع شاعرنا الشعبي موسى الحافظ يردد على مسامعهم زجلياته عن موسم الحج، انصرفت طلبا للوحدة، ولتكون سهرتي مع رواية (الغجرية والثعبان) للمبدع السعودي ابراهيم الناصر الحميدان ، وهي واحدة من مجموعة كتب اهداني اياها مشكورا في حقيبة جلدية الأخ رئيس الهيئة الادارية للنادي الثقافي في الرياض، وأهدى مثلها للأخ موسى أبو غربية الوكيل المساعد في وزارة الثقافة الفلسطينية بعد ان انهينا ندوتنا في ايام فلسطين الثقافية عن القدس وما تتعرض له من تهويد في قاعة النادي.

وقد استوقفني الغلاف الخارجي الأخير للرواية قبل أن أفتحها-فأنا دائما أتمعن في غلاف الكتاب قبل أن أقرأه- حيث هناك لمحة عن المؤلف الذي يعتبر من رواد القصة الحديثة في السعودية منذ أكثر من نصف قرن، وهو من مواليد العام 1932 ويكتب القصة القصيرة والرواية والمقال، ومن رواياته(ثقب في رداء الليل) 1961 و(سفينة الموتى) 1969،و(عذراء المنفى) 1978،و(رعشة الطفل) 1994،و(دماء البراءة) 2000 ومن مجموعاته القصصية:(أمهاتنا والنضال) 1960،و( غدير البنات) 1977،و(عيون القطط) 1994.وقد اشعل هذا الموجز عن حياة المؤلف نار الحسرة في قلبي، حيث انني لم أسمع باسم هذا الكاتب المبدع من قبل، تماما مثلما لم أسمع عن كثيرين غيره من المبدعين السعوديين والعرب، فهل شاء القدر أن أكون وأبناء جيلي من أبناء شعبي ضحايا من كل نواحي الحياة، فالاحتلال الذي سلبنا أرضنا وكرامتنا وحريتنا سلبنا ايضا امكانية الاطلاع على ثقافتنا العربية المعاصرة، فلعنت الاحتلال في سرّي وعلانيتي وصليت لله ان لا يذوق شعب من الشعوب مرارة الاحتلال التي تذوقناها، فهل يسمع الله صلواتنا ونحن في مرمى حجر من الحرم المكي ويعجل في خلاصنا من احتلال بغيض أهلك البشر والشجر والحجر؟

وراوية(الغجرية والثعبان) التي بين يدي صادرة في العام 2008 وهي رواية حداثية جريئة، سأعود للكتابة عنها في الايام القليلة القادمة بعد ان أقرأها قراءة ثانبة فاحصة، ولكن هذه المرة بعين ناقدة ...

كانت تلك الرواية أنيس وحدتي الذي أمتعني حتى آخر سطر منها مع آذان صلاة الفجر، فصليت ونمت نوما هادئا وانا أحلم أحلاما سعيدة.

يتبع