يومياتي  في أمريكا

يومياتي  في أمريكا

بلاد الكلاب .. والخضرة .. والآيس كريم

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

الحلقة العاشرة

شخصيات عربية و مصرية

في المغترب الأمريكي

قد يكون من المفيد أن اسجل فى هذة اليومية أسماء بعض من تعرفت بهم و عليهم , و اقتربت منهم , واقتربوا مني . و منهم من لم أره إلا مرة واحدة , و لكن كان له من الذكر , و حسن السيرة , و صلاح العمل , و قوة التأثير , ما يجعل منه شخصية لا تنسى .و قد قيل :أخبرني من تعرف , أخبرك من أنت .

و ممن أعتز بهم , و لهم فى قلبي مكانة و تقدير عربي يمني اسمه : عبد الله الفقير . و هو صاحب شركات و أعمال واسعة فى حى "بروكلين " بنيويورك و قد نزل نيويورك فقيرا لا يملك شيئا ,

ثم بارك الله له فأصبح مليونيرا , و هو يمد الكويت بالدجاج المثلج كل عام بملايين الدولارات , كما يقوم بدور الوسيط لشراء السيارات بكل ماركاتها , و هو مسلم تقي نقي و قد تحقق فيه قوله تعالى " و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض ... " الأعراف 96 ,

 ولكن الأهم  والأقوى من كل أولئك الإيمان بأن دعوة المؤمن المتقي , ليس بينها و بين الله حجاب .

**********

 جمال مقلدد

كما أنه كان خفيف الروح , سريع النكتة , و له تشبيهات ظريفة لطيفة للشخصيات الأمريكية , فإذا رأى رجلا مكتنزا سأل الحاضرين أرأيتم هذه " الكورمبة " ؟, وإذا رأى أمريكيا نحيفا طويلا قال: إنه مثل " الغابة الريحي " , وهي ــ كما يعرف الفلاحون في مصر ــ البوصة الخضراء الطويلة التى تنبت على جوانب الترع في مصر .

 ولأن الكهرباء في أمريكا غالية الثمن , كان يتفادى استهلاك الكهرباء فى الجو البارد القاتل ببطانية مكهربة تجلب له الدفء , بينما كل الحجرة برد قاتل . قلت له : إن هذا يقتضي أن تكون طيلة الليل تحت البطانية . قال :  وهذا  ما أفعله , و لكن يحدث أحيانا أن تتسلل يدي خارج البطانية فأشعر أنها قد انفصلت عنى تماما .

سألته و ماذا تفعل في مثل هذه الحال؟ ابتسم وقال وهو يبتسم : طظ فيها لأنها خالفت قانون الحجرة , و تمردت على البطانية . و يصمت ثم يستأنف الكلام : أطردها  ولا ادفع 200 دولار كهرباء فى الشهر .

و كان جمال هو الوحيد في المصريين  والعرب الذي يملك سيارة فولكس . سألته : ما السبب في أن هذا النوع من السيارات قليل جدا في الولايات المتحدة ؟ أجابني : لأنها تطير في الطريق الطوالي  " الهاي واي " إذا قامت عاصفة ثلجية , و ذلك لصغرها و خفتها . و هى حقيقة تأكدت من صحتها .

و الأخ جمال طباخ ماهر , مع أنه عزب يعيش بمفرده , و كريم كرما حاتميا . و كم أولم لنا , وأكلنا عنده من الأصناف , ما لذ و طاب .

**********

جندي رزق :

و بجانب دراسته يعمل هو وزوجته فى مكتبة كلية اللاهوت ( الدفنتي سكول ).

 وقد رحب بي هو و اسرته ترحيبا بالغا عند وصولي ووجدت منه و من أسرته من مظاهر الكرم ما يعجز اللسان عن وصفه .

ومن صفاته الطيبة أنه يتسم بالسماحة الدينية , و لا مكان للتعصب فى نفسه ,ومن مظاهر ذلك أنه دعاني إلى إلقاء ثلاث محاضرات أسبوعيا عن الإسلام فى كلية اللاهوت التي يعمل فيها , كما أنه قدم لي طالبا أمريكيا زنجيا لكي أعلمه قواعد الدين الإسلامي و حقائق النبوة , و من أول ساعة قضيتها مع هذا الطالب قدمت فيها موجزا مقطرا عن القرآن و رسول الله صلى الله علية وسلم و الخلفاء الراشدين . و من الطريف أنه وجد صعوبة كبري فى نطق اسم " عمر بن الخطاب " , و خصوصا كلمة الخطاب . و من أول ساعه شعرت براحة نفسية عميقة إذ أؤدي بعض ما يجب على أمثالي القيام به نحو الإسلام .

و اتفقت مع الطالب ان يحضر إلي ثلاث ساعات أسبوعيا .

ويرجع الفضل لجاري جندي و أسرته فى تعريفي بالشوارع و المناطق المحيطة . و أهمها ضاحية " هامدن " التى تبعد عن نيو هافن بقرابة 7 أميال .

**************

الدكتور فيكتور وهبة :

و هو مصري مسيحي أبوه قسيس , صديق لجندي , و هو يعمل أستاذا للغدد الصماء بكلية الطب بجامعة " يل " . و هو إنسان هادئ الطبع , بشوش دائما . و لا أنسى يوم دعاني لتناول العشاء فى منزله , و معه  عروس المستقبل , و قد استقبلاني استقبالاحافلا .

و كانت المائدة غاصة بكل ما لذ وطاب , و خصوصا أصناف الحلوى, وأكلنا كثيرا , و كثيرا جدا . و كان سيد المائدة نوع من البسبوسة .

قلت للسيدة سميحة زوجة القسيس جندي : لقد كلفت هذه الحفلة " دكتور فيكتور " كثيرا , فأجابت : لا ؛فكل مدعو أتى إلى هنا و معه جزء من هذه   المأكولات    .   و هذه هي الطريقة الأمريكاني ,  حتى إن الدكتور" زخاري " حضر من و لاية تكساس , و معه قطاع من هذه المأكولات , إنه شاب مرح لطيف , مع أنه جاوز الستين , و جمع الحفل مجموعة من الأصدقاء الطيبين , فيهم المصري و اللبناني و الأمريكي , و كلهم أصحاب مراكز طيبة فى أمريكا .

و كنت أنا ــ بلا فخر ــ ملك الحفل , حيث حرص الكل على أن أسمعهم مئات من الأبيات الشعرية , وأسمعتهم من القديم  والحديث الكثير  والكثير .  و أعجب الحاضرون و خصوصا اللبنانيين منهم ببيت خليل مطران الذى قاله فى الكسندرا دى أفرينوه :

    ياعيونا تسقي العيون الرحيقا   =  واصلي مدمنا أبى أن يفيقا

   و من عجب أن يبدي الأمريكان اللذين لا يعرفون العربية إعجابهم بما قيل , و يشدون على يدي , مما يدل على أن الإلقاء الجيد له تأثيره الكبير , بصرف النظر عن معنى ما يقال .

**********

هذه بعض الشخصيات التى التقيت بها , و هناك عشرات من الشخصيات تستحق أن اقف عندها,وأكتب عنها . و إن شاء الله يكون لقاؤنا بهم فى حلقات قادمات .

*********************************************

قـطـــرات نـــــفس

عصفورتي

عصفورتي : إلى عشك عودي ,من أجل هذا الطيف المعذب قبل أن يقضي عليه الصقيع , و يمزقه ألشوق ، و يقضي عليه الضياع .

عصفورتي :لا تكوني قاسية قسوة الأيام ... و كوني مع العش المحروم

على قسوة الايام و الحرمان ؛ فالعيون إليك متطلعة , و القلب يستبد به

الشوق , و يمزقه ألأوام .

عصفورتي : لا تقولي لا ؛ " فلا قاتلة" ... قاتلة ... قاتلة . و هل خلق جناحاك إلا للاحتضان ؟ و هل خلق قلبك إلا للخفق ؟ و هل خلق وميضك إلا ليشد إليه العيون و الصدور و القلوب ؟

عصفورتي : حلقي كما تشائين , و جوبي الآفاق كما تريدين , و لكن لا تقاطعي العش المحروم ؛  فالحرمان قاتل ... قاتل ... قاتل .

عصفورتي : لمن النغم الساحر ؟ لمن اللحن الحالم  يسري في جنبات الكون , و يعانق ضوء الشمس , و يقبل شفق الأصيل ؟

عصفورتي : لمن انطلاقة الشروق فى البكرة الحانية ؟ و خفقة القلب فى الرياض النادية ؟

عصفورتي : لمن كل أولئك وأنت ربته , لمن كل أولئك وأنت له و به وفيه ؟

عصفورتي : عيشي بالنغم الحالم , عيشي باللمحة الزاكية ... عيشي بالخفقة الدافئة . عيشي للشمس ... للقمر... للنهر ... للشجر ... للطبيعة ... للناس ... للطير ... للأرض ... للجبال ... للسماء ... للورد ... للجمال .عيشي للكل , فأنت للكل , و الكل من غيرك لا كل . و لكن لاتنسي العش المشتاق ... حتي لا يقتله الصقيع , و تموت على دربه الآمال .

عصفورتي : ... عودي ناشدتك بالجمال و الحب و الآمال و الدموع والخضوع و الآلام ؟ ناشدتك بالعذاب و الضياع و قسوة الايام ... عودي ... و إلا فلن أكون ... عودي ... وإلا فلن أكون .