برقيات أدبية (64)

رابطة الأدب الإسلامي تحيي ذكرى الشاعر الراحل داود معلا

من : صالح البوريني- عمان

أحيت رابطة الأدب الإسلامي مساء يوم السبت 29/5/2004  في قاعة مكتبها بعمان ذكرى الشاعر الراحل داود معلا ،الذي ولد في قرية المالحة عام 1933وتـفـتـحـت عيونه على النكبة فارتحل مع أهله إلى الخليل ثم قدم إلى عمان واستقر فيها ، وواصل دراسته إلى أن حصل على ليسانس اللغة العربية من جامعة بيروت العربية ، وسلك طريق العمل في المقاولات وبقي فيه حتى وافته المنية عام 1999 .

شارك في الأمسية الدكتور عمر الساريسي بدراسة تاريخية وفنية  عن الشاعر داود معلا ،  وقدم الأستاذ صالح الجيتاوي ورقة عن مشاهد وتجارب الحياة المشتركة مع المرحوم ،  وكان الأستاذ عبد الله الطنطاوي قد قدم كلا من الدكتور الساريسي والشاعر الجيتاوي ، وقال في مستهل تقديمه : في شعر المرحوم داود معلا صور تتراءى في مرايا كلماته وعباراته ، وعلى أجنحة من عبير نفس شاعرة أضنتها أتراح الغربة النفسية وثآليل الغربة الجسدية عن الوطن النازف ، واختار الطنطاوي من قصيـدة للمرحوم  بعنوان ( كلمات على حد السيف ) :

مدي  يديك فما سـواك  iiيـراني
أعدو فما يغـني الوقوف  iiوفـي
يا قدس يا قلمي وبسمة أسطـري


 
أعـدو وقد عصبوا يدي  ولساني
يـدي جمر وبين جوانحي iiقرآني
وربـيع  آمالي  وصوت بيـاني

 وقد تناول الدكتور عمر الساريسي بالدراسة شخصية الشاعر وظروف حياته وخصائص شعره الفنية ، وسلط الضوء على موقع القدس في شعره واستـئـثارها بالمساحة الكبرى من قصائده . وقرأ عددا من النماذج الشعرية التي اختارها من شعر الراحل معلا الذي أصدر في حياته ديوانين الأول ( الطريق إلى القدس ) عام 1984  والثاني ( حديث الروح ) عام 1992 ودفع بمجموعته الثالثة إلى النشر قبل وفاته ولكنها ما تزال على رف الانتظار .

ويرى الدكتور الساريسـي أن مجموعة ( الطريـق إلى القـدس ) يمكن أن تعتبر ـ من حيث الفكرة ـ بحثا عن الطريق الأمثل للعودة إلى القدس وما يستوجبه ذلك من شروط وجهود واستعداد للبذل والفداء ، أما مجموعة ( حديث الروح ) فيعتبرهـا معانـاة تصور آلام فقـد القـدس وتـتحدث عن مأساة الاحتلال وضياع الوطن ، فيمـا يرى الساريسي  أن المجموعـة الأخيرة التي أطلـق عليها اسم ( جرح مسافر فوق الشمس ) والتي لما تـنشر بعد ؛ هي لملمة لبقية أشعار المرحوم داود معلا وجمع لما لم ينشر من قبل ؛ إذ تضم شعر الصبا والشباب والمعاناة الخاصة وهموم الإنسان وأحاسيس الأديب الصادقة نحو وطنه وأمته .

ومن الخصائص الفنية التي ذكرها الدكتور الساريسي في شعر داود معلا رحمه الله إحساسه العميق المفرط ، وتفاعله مع الجمال حيث كان ، وصوره الفنية الرائعة ، وتوقيعاته الموسيقية التي تظهر في حسن السبك وجمال النظم ،  بالإضافة إلى براعة الاستهلال الملفت الذي يشدك بما فيه من تصريع جميل وبما فيه من عناية بالتركيب اللغوي مما يذكرنا بالبحتـري واستهلالاته البديعة وسلاسله الذهبية .

أما الأستاذ الشاعر صالح الجيتاوي فقد فجر ينبوع الذكريات التي جمعت بينه وبين الشاعر معلا وقرأ بصوته العميق الهادئ مقطوعات من أشعار ( حديث الروح ) أخذت بمجامع القلوب وأعادت صور الماضي حية تتكلم وتنبـض بالصدق والحنين . وقدم الأستاذ الجيتاوي شهادته عن صديقه الراحل بكل أمانة ووفاء . وعزا كثيرا من الهزات المادية التي تعرض لها المرحوم في عمله في قطاع المقاولات إلى شخصية الشاعر التي تستعصي على الخضوع للبرمجة العقلانية التي تقبلها الشخصية النمطية الثابتة ؛  مضمنا كلمته شحنة حارة من التـفاعل مع الأحداث التي عصفت بحياة المرحوم وقلبتها من سعادة إلى ألم ومرارة .

ومهما يكن من أمر ؛  فقد كان داود معلا شاعـرا صادقا عاش هم أمته ووطنه ، وعشق القدس ، ووقف عليها قلبه ووجدانه ، وسخر لها قلمه وشعره وبثها تباريح حبه ولواعج فؤاده  ، وصاغ فيها روائع قصيده التي أنشدها في مناسبات كثيرة ومهرجانات دوى فيه صوته مجلجلا ، ينادي باسم القدس ويصدح بالحنين إليها ، ومن ذلك قوله في مهرجان الجنادرية في السعودية :

يا قدس ضميني إليك ففي يدي     جرح قديم مـا يزال جديـدا

يا قدس ضميني فإني خائـف     ألا أكون على ثراك  شهيـدا

ولعل هذه الأمسية في رحاب رابطة الأدب الإسلامي تكون قد عبرت عن حبنا للمرحوم داود معلا  وأدت لروحه بعض الوفاء .

          

كتاب الإعجاز اللغوي في آيات الصيام خطوة على طريق وعي الذات ونقد المرحلة

من : صالح البوريني- عمان

ضمن جهوده المتواصلة في خدمة موضوع الإعجاز القرآني في المجال اللغوي صدر للدكتور عودة الله منيع القيسي كتاب جديد عن دار الحامد للنشر والتوزيع في عمان ، يقع في 83 صفحة . أهداه الدكتور القيسي إلى الناقدين الكبيرين الحسن بن بشر الآمدي والإمام عبد القاهر الجرجاني ، وذيل الإهداء بهذه العبارة ( فهما أكبر ناقدين من بين من سبق من النقاد حتى يوم الناس هذا ) .

وقد جاء الكتاب في مقدمة وتسع عشرة نقطة في كل نقطة منها بحث في آية أو جزء من آية من آيات الصيام الخمس الواردة في سورة البقرة من قوله تعالى

( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام )  حتى نهاية الآية 187 .

ويعتبر هذا الكتاب استدراكا على ما فات الدارسين السابقين في مجال بيان الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم يسد به الدكتور القيسي ثغرة في هذا البناء العظيم .

وقد اعتمد الدكتور القيسي منهج النظر العلمي والاستبصار العقلي والدرس التحليلي في كتابه مبتعدا عن أسلوب التقميش والحشو الذي تزخر به دراساتـنا الأكاديمية في هذه الأيام .

وفضلا عما تميزت به الدراسة من سد للثغرة في مكتبة الإعجاز القرآني اللغوي ، وشمول في التناول وعمق في الدرس والتحليل وإحاطة بالمعاني ودراية بالأساليب اللغوية واستيعاب للأحكام الفقهية وتصحيح لبعض المفاهيم النقدية الخاطئة ؛ فإن مقدمة الكتاب على وجازتها قد تضمنت كثيرا من القضايا الهامة ؛ فقد ذكرت أوجه الإعجاز القرآني العشرة ، وأوردت الإشارة إلى تدرج القرآن في تحدي العرب ، وإدراك العرب إعجاز القرآن بما فيه من اختلاف عمّـا ألفوه من شعر منظوم وسجع منثور .. الخ ، وورد  فيها  ذكر معاني القراءة الأربعة التي يوحي بها قوله تعالى

( اقرأ باسم ربك الذي خلق )

 والفرق في كتابة الأقدمين والمحدثين بين التعميم والتعبير عن الإحساس الذي سماه الدكتور القيسي ( الفيض الوجداني ) وبين النظر واستفراغ الجهد في التحليل والتأمل والمقارنة والاستنتاج الذي سماه  ( الاستحلاب العقلي ) ، وأن أغلب النقاد والدارسين لإعجاز القرآن كان عملهم إنشائيا ووصفا للموقف الشعوري المأخوذ بعظمة القرآن وجماله . واستثـنى منهم ثلاثة أهمهم الجرجاني عبد القاهر الذي تبلورت على يديه نظرية النظم لتكشف عن سر الإعجاز اللغوي أو البياني في القرآن الكريم  . وبين الدكتور القيسي أن الجرجاني كـان متبقلا يأخذ بالدرس شيئا ويترك شيئـا من الآيات ،  وأن تراجع الحضارة العربية بعد القرن الخامس الهجري ودخولها في عصر الانحطاط وغياب حافز التطوير والإبداع هو المسؤول عدم استـثمار نظرية الجرجاني  وتوقف الجهود من بعده .

 ويحسب للدكتور القيسي في هذه المقدمة الوجيزة طرحه الصريح الجريء الواثق الذي ينأى عن المحاباة ودغدغة العواطف والآمال ويعتبر بكل موضوعية أن مرحلتـنا التي نعيشها اليوم تعتبر امتدادا لعصر الانحطاط ، ويستدل الدكتور القيسي على ذلك بالضعف والفرقة السياسية القائمة وبواقع الهزيمة الذي تعانيه الأمة أمام إسرائيل إذ يسبب ذلك حالة من التخلخل الذاتي وغياب التوازن  وفقدان الثقة بالذات ، وبظاهرة الشعر الحداثي المكسر الذي سماه بعضهم ب ( الشعثر ) وبظاهرة الحشوية المعتمدة على النقل والتقميش والتي غلبت على جهود كتابنا في ساحة الكتابة والتأليف ؛ إذ ما يزال منهج التحليل والاستقصاء والنظر العقلي والتأمل الفكري واستفراغ جهد الكاتب في البحث غائبا عن أكثر كتابنا .  يعتبر كتاب ( الإعجاز اللغوي في آيات الصيام ) للدكتور عودة الله القيسي لبنة في مكانها لا يسد عنها سواها ، وخدمة علمية جليلة في سياق الجهود الجادة والرشيدة في ميدان الإعجاز القرآني ، بالإضافة إلى أنه خطوة على طريق وعي الذات ونقد المرحلة .