برقيات أدبية (59)

القاص نعيم الغول يبحر في معاناة الإنسان العربي والمسلم ويرسو على شاطئ الأمل

من : صالح البوريني

بفنية عالية وجدية في الطرح وتنوع في الشكل والمضمون تميزت القصص التي قرأها القاص نعيم الغول ، والتي شدت الانتباه وانتزعت الإعجاب وأثارت دهشة جمهور الحاضرين في مكتب الرابطة والذين قاطعوا القاص عدة مرات بالتصفيق وأثرى عدد منهم الأمسية بالتعقيب والتعليق .

فقد أقامت رابطة الأدب الإسلامي العالمية في مكتبها بعمان مساء يوم السبت  7/2/2004  أمسية قصصية قرأ فيها القاص نعيم الغول عددا من قصصه  الجديدة .

وقد تنقل القاص الغول  بمهارة ملفتة  بين السياسي والاجتماعي، وراوح بين القصة القصيرة والومضة القصصية (الأقصوصة) في تنوع جمع بين التكثيف والغائية والتماسك البنيوي ، حيث ظهرت جليا قدرة القاص الغول على استجماع كافة العناصر الفنية في القصة ، وبراعة توظيف مفردات النص في خدمة المغزى .

ومما يستدعي الإعجاب أيضا بقصص الأستاذ الغول وجود منحى التجديد في الشكل القصصي ، فبالإضافة إلى الومضة القصصية التي تستوجب تفوقا خاصا في التكثيف ؛ كما هو في ومضات ( تداول للسلطـــة ) و ( الأخطاء العشرة ) و (  اهتراء  )  و  (  هذيان ) وغيرها   ، فهناك القصة المتعددة النهايات التي تمتحن عقل القارئ وتفتح آفاق التفكير أمام ذهنه وتحدث التفاعل بينه وبين النص ،  مما يعمق إحساسه بالحدث ويدفعه إلى البحث عن الحلول وتلمس طريق الخلاص ، كما جاء في قصة ( البحث عن نهاية ) .

ومما هو جدير بالذكر أن القاص نعيم الغول قد صدرت له مجموعة قصصية بعنوان حالة موت سنة 2002 م , وله ثلاث مجموعات قصصية أخرى لم تطبع بعد هي : ( سلم التحدي ) و ( جرح كالنهر ) وهما مجازتان للطباعة ، ومجموعة ( الرف الأخير ) وما تزال مخطوطة . وللأستاذ الغول جهود في مجال الترجمة فله كتاب ( المسيحية والإسلام ) مخطوط ومترجم ، وكتاب ( التعليم مع أخذ الدماغ بالاعتبار ) مخطوط ومترجم وله مقالات وخواطر منشورة في الصحف والمجلات ، ويعمل الآن في مجال الترجمة الحرة بالإضافة إلى الكتابة .

وقد قام الكاتب الكبير والناقد المعروف الأستاذ عبد الله الطنطاوي  بتقديم القاص الغول في صدر الأمسية وكان مما قاله : " نحن اليوم على موعد مع قاص يعد بالكثير ، أراه في كل مرة يتجاوز نفسه في المرات السابقات " .  ويرى الأستاذ الطنطاوي أن القاص الغول يتحرك صاعدا في مرتقى الفن القصصي الصعب بخطى تتقدم ولا تلتـفت إلى وراء  ، ويحاول المزج بين الفن القصصي في ثوبه العربي والفن القصصي في ثوبه الغربي ،  وتمنى الطنطاوي أن تكون هذه المحاولة محققة في النهاية الخدمة المرجوة للارتقاء والنهوض بالأدب الإسلامي .

وكانت تعقيبات بعض الحاضرين وردود القاص الغول نوعا من الإثراء الأدبي الذي يزيد جوانب النص الإبداعي إضاءة وتنويرا ويكشف عن إمكاناته الفنية وقدرته التأثيرية .

الشاعر صالح البوريني قال معقبا : " جمعت القصص التي استمعنا إليها بين المضمون القيم والأسلوب الجميل والنقد اللاذع ، وعالجت قضايا هامة في المجال الاجتماعي والسياسي ، وجاءت مشرقة في لغتها القصصية بديعة في صورها التعبيرية ، وحقا لقد نجح القاص الغول في إمتاعنا بقراءته وأسلوبه  ونجح في إقناعنا أيضا بفكرته وطرحه ، ونتمنى له مزيدا من التقدم والتميز " .

أما القاصة جهاد الرجبي فعقبت قائلة : " إن هذه المجموعة القصصية التي قرئت على مسامعنا تميزت بالتنوع الكبير على صعيد الفكرة ، كما أن القاص تنقل بين الاجتماعي والسياسي بشكل جميل دلل على رؤيته الخاصة التي يمكن تتبع ملامحها من قصة إلى أخرى .  كذلك لفتت انتباهي القصص القصيرة جدا والتي تعكس موهبة وقدرة كبيرة على التكثيف والتي حملت إلينا ومضات ناجحة إلى حد بعيد . كما أن بعض القصص عكست روحا خفيفة وسخرية موفقة وقدرة حقيقية على تلمس ما يؤلمنا ويضحكنا في آن واحد " .

وبالجملة فإن هذه الأمسية القصصية قد تجلت فيها الواقعية والسخرية الهادفة والنقد البناء والتجديد والتنويع على المستوى الفني بالإضافة إلى الخيال المحلق والصورة المبتكرة والبعد عن التقريرية والمباشرة بشكل يدعو إلى الإعجاب.

           

 محاضرة عن أدب الدول المتـتابعة

في رابطة الأدب الإسلامي

من: صالح البوريني-عمان

 حول مفهوم وتسمية أدب الدول المتـتابعة ألقت الدكتورة زينب بيره جكلي محاضرة في رابطة الأدب الإسلامي في عمان حضرها جمهور من أعضاء الرابطة والمهتمين بالأدب . وقدم الدكتور عثمان قدري مكانسي الذي تولى عرافة الأمسية نبذة عن السيرة الذاتيـة للدكتورة زينب بيره جكلي التي ابتدأت محاضرتها بشكر مكتب رابطة الأدب الإسلامي في عمان على إتاحة الفرصة لها لتـتحدث في هذا الموضوع .

وقد بدت محاضرة الدكتورة بيـره جكلي محاولـة لاختزال كتابها ( الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة ) وهو واحد من مؤلفاتها الكثيرة المتنوعة ، وقد أشار الدكتور مكانسي في تقديمه إلى ذلك بقوله : ( وللمحاضرة رأي ـ  حول مفهوم ( مصطلح ) عصر الدول المتتابعة تسمية وبداية ونهاية ـ  اعتمدته في كتبها التي نشرتها في الأدب العثماني ، وبلورتـه في كتابها الأخير الشعر العربي في عصر الدول المتـتابعة ) .

وفي مقدمة محاضرتها قالت الدكتورة زينب : "  كان أول ما سمعت عن هذا المصطلح عنوان كتاب ( نحو فهم جديد ومنصف لأدب الدول المتتابعة )  للدكتور المرحوم  نعيم الحمصي ، وقد تحدث فيه وأفاض عن أدب الحروب الصليبية ، ثم ضاع المفهوم مع وفاة صاحبه أو كاد ، ورسخ في الأذهان ما تعارف عليه الدارسون من مصطلحي العصر المملوكي والعثماني .

 ولما عزمت على تأليف كتاب عن ( عصر الدول المتتابعة شعره ونثره )  لحاجة المكتبة العربية إلى تأليف عن هذا العصـر كان لزاما علي أن أحدد مدته الزمنية بدءا ونهاية ، وكنـت أرى أن النظـرة الاستشراقيـة التي تـدعي أن العصر الحديث بدأ مع حملـة نابليون بونابرت فيها إجحاف بحق الدولة العثمانية ، كما أني رأيت خلافا بـيـنا حـول هذين الأمرين إضافـة إلى تسمية العصر ، وهذه المحاضرة ستوضح ما توصلت إليه حول هذه القضايا"  .

وتناولت المحاضرة ثلاثة محاور رئيسة : الأول بدء عصر الدول المتـتابعة والثاني نهايتـه والثالث تسميتــه ، ثم استشهدت بمجموعة من النماذج الشعرية التي توافرت فيها عناصر شاعرية اللغة وجمالية الأسلوب والتصوير الفني  والموسيقى لتؤكد أن عصر الدول المتـتابعة قد ظلم وأسيء إليه وشوهت صورته .

وأما عن بدء عصر الدول المتتابعة فقالت : " ينقسم تاريخنـا الأدبي ، حسبما تعارف عليه الدارسون إلى العصر الجاهلي فالإسلامي ومعه الأموي فالعباسي الذي ينتهي ب ( 656 هـ ) ثم المملوكي ( حتى 922 هـ ) فالعثماني ( حتى1213 هـ / 1798 م ) ثم العصر الحديث ( حتى 1335 هـ / 1916 م ) .

وفي بداية عصر الدول المتـتابعة أقوال للدارسين متـفاوته فمنهم من رأى أن بدايته كانت بسيطرة البويهيين على زمام الأمور في بغداد والمشرق بدءا من عام (334 هـ ) وصارت الخلافة العباسية بعدها اسمية ، وهو رأي الدكتور شوقي ضيف ، ومنهم من يرى أن العصر المدروس بدأ بعام (648 هـ ) وهو عام موت نجم الدين صالح الأيوبي وهو رأي الدكتور عمر موسى باشا . وأما الرأي السائد فيقول إن مجيئ هولاكو على بغداد وقتله الخليفة العباسي المستعصم في (656هـ ) كان نهاية العصر العباسي وبداية عصر الدول المتتابعة .

ولكن الدكتورة بيره جكلي ترجح أن عصر الدول المتتابعة يعني العصر الذي حكم فيه غير العرب العرب والمسلمين ، وهو يبدأ من مطلع القرن السابع الهجري .

وأما عن نهاية هذا العصر فترى الدكتورة المحاضرة أن نهايته لم تكن بمجيء نابليون بونابرت وإنما بالثورة العربية الكبرى في 1916 م وهي السنة التي انتهى فيها حكم غير العرب في الأراضي العربية ، وكان العثمانيون خلال مدة حكمهم يدعون الشعوب تتحدث بلغاتها ، وكان من سلاطينهم من ينظم الشعر بلغة الضاد كالسلطان سليم الأول والسلطان عبد الحميد الثاني ، ولم تسد سياسة التـتريك إلا بعدما سقطت دولة السلطان عبد الحميد الثاني ، وجاء الطورانيون أو القوميون الترك ، ولكن مدة حكم هؤلاء في البلاد العربية لم تدم سوى سبع سنـوات عجاف ، وبدهي أن هذه السنوات القليلة لا تعد شيئا إلى جانب أربعة القرون التي كانوا فيها في البلاد العربية ، ويمكنني أن أقول إن الثـقافة العربية خلال العهد العثماني واصلت نشاطها كالمعتاد ، وواصلت اهتمامها باللغة العربية لغة القرآن الكريم ولغـة الحديث النبـوي والتراث الإسلامي الخالد .  وعليه فإن عصر الدول المتـتباعة يبدأ برأي الدكتورة المحاضـرة  من مطلع القرن السابـع الهجري حتى 13335 هـ / 1916 م .

وأما المحور الثالث وهو تسمية العصر فذكرت الدكتورة أن هذا العصر اتهم بالانحطاط  ،  وهو مصطلح أطلقه الفرنسيون على الأدب اللاتيني ونقل إلينا مع الدراسات الاستشراقية وطبقه دارسونا على آداب العصر المملوكي والعثماني ، وتقول الدكتورة زينب  : " ولقد درست حضارة هذا العصر المتهم بالانحطاط فوجدته عصرا مليئا بالمعطيات " ، وبعد أن استعرضت نماذج من شعر هذا العصر قالت : "  وأخيرا فإني أدعو إلى دراسة آداب هذا العصـر شعره ونثره كما حددت زمنه وتسميته ، ومن الظلم لأدبنا العربي أن نهمل عصرا امتد هذه القرون المديدة وفيه هذه المعطيات الثقافية والفنية ، ولا سيما أن كثيرا من القضايا الفنية كانت مستجدة في هذا العصر ، وقد أثرت في آداب الأمم الأخرى ، فأنا أرى أن المسمطات العربية في هذا العهد كانت سببا في نغمات الشعر المهجرى وكان أبناؤه قد حملوها معهم إلى مغتربهم على نحو ما  فعل  العرب حينما نقلوا أنغامهم من المشرق إلى الأندلس فكان من نتيجة ذلك وجود الموشحات ، كما وجد في هذا العصر تجديد في الفنون الأدبية كالمديح النبوي والمديح الرسمي  وفن الرثاء فيما عرف فيه بالمطارحات الشعرية مع النباتات والحيوانات ، كما جدد أبناء العصر في الفنون فكانت القصة والمسرحية فمن القصص التأملية ما كان بين الشاعر وإبليس من خلال وسوساته له ،  ومن القصص الرمزية ما حكاه المتصوفة من لياليهم وإن كنت لا أؤيدهم فيما ذهبوا  إليه من رموز ، ومن المسرح ما كتبه الشاعر محمد بن دانيال من مسرحيات اجتماعية نقدت أوضاع المجتمع وقد شارك في تمثيلها .

وفي العهد الثماني ألفت  مسرحيات كثيرة وقد عرضها د . محمد يوسف نجم على أنها من العصر الحديث مع أنها كانت بين سنة 1845 ـ 1914م ، وقد ناف عددها عن مائة مسرحية ، ومن الجدير بالذكر أن الولاة العثمانيين شجعوا على المسرح خلافا لما كان يقال عنهم ، إلا أن والي الشام أغلق مسرحا في دمشق مثلت فيه تمثيلية لمارون النقاش بعنوان ( أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد ) لأنه أساء إلى شخصية عظيمة في تاريخنا الإسلامي ، فقامت لإغلاقه الدنيا وقعدت ، واتهم العثمانيون بالرجعية ومحاربة المسرح . وفي أدب الأطفال كـتب أحمد ابن علي بن المشرف قصصا طفولية بدافع من تربية الإسلام للطفـل ، سبق بها محمد عثمان جلال ، ومحمد الهواري ، وأحمد شوقي  ولكـن عقدة النقص جعلت بعض الدارسين ينسبون هذا الفن إلى الغرب وينسـون ابن مشرف ، ولعلهم لم يبحثوا عنه لأنه من أبناء عصر الانحطاط برأيهم . وقد آن الأوان لأن  ندرس هذا العصر وآدابه وتاريخه لنعيد الحق إلى أهله "  .

وقد أدار الدكتور عثمان مكانسي حوارا جادا ومطولا بعد محاضرة الدكتورة التي فتحت شهية كثير من الحاضرين للتعقيبات والمداخلات التي تراوحت بين التأييد والمعارضة كما هو معروف في مثل هذه البحوث الاجتهادية التي تتطلب كثيرا من الصبر ومعاناة البحث وإدامة النظر والموازنة بين الآراء المختلفة .

           

أكاديمي أردني يحاضر عن مدح النبي الكريم

في رابطة الأدب الإسلامي

من صالح البوريني-عمان